الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

لكن هذا ما فعله المشايخ!

لكن هذا ما فعله المشايخ!
لكن هذا ما فعله المشايخ!




كتب: وليد طوغان

احتكار الحقيقة أو «الأصولية الدينية»، كانت مشكلة «ابن رشد» الأثيرة. عاش ابن رشد، بقرطبة فى القرن الثانى عشر الميلادي، واتهموه بالإلحاد.
 لماذا؟ لأنه قال بضرورة إقامة الدليل العقلى على حجية الحكم الشرعى، باعتبار أن الأصل هو ألا يكون هناك تعارض بين الفكرة الدينية، والمنطق.
قال ابن رشد أن المنطق عقل، وإن عمل العقل يؤدى إلى إما تأكيد ما جاء به الشرع، أو اكتشاف ما لم يأتِ به.
قال ابن رشد إنه لو أكد العقل ما أتى به الشرع، يسود الشرع؛ أما إذا لم يوافق العقل ما أتى به الشرع، فالخطأ إما فى تأويل النص الشرعي، أو فى طريقة التفكير العقلي.
المعنى أن التوقف أمام النص الشرعي، ورفض إعمال العقل فيه، كارثة؛ لأن عمل العقل لا بد أن يظهر لنا حقائق كانت غائبة، هذه الحقائق الغائبة هى بالتأكيد مقصود النص الدينى فى الأساس، لكن ربما نظرة رجال الدين الضيقة هى السبب فى غياب تلك الحقائق عنا.
لذلك، دعا ابن رشد رجال الدين إلى إعادة تأويل النص الديني، وعرّف التأويل بأنه «إخراج مدلول اللفظ من دلالته الحقيقية إلى دلالته المجازية». قال إن للفظ دلالتين، حقيقية ومجازية، الدلالة المجازية أوسع وأشمل من الدلالة الحقيقية.
ورفض «ابن رشد» تكفير للذين يعيدون تأويل النصوص الدينية، وعارض الإمام الغزالى عندما كفر الفارابى وابن سينا، بعد محاولتهما إعادة تأويل الحقائق الشرعية التى كانت معلومة من الدين بالضرورة فى زمانهما.
الأصولية الدينية إذا كارثة. فحقائق الدين بالنسبة للأصوليين، وافتراضات المفسرين الذين ظهروا قبلهم، هى بالنسبة لهم لا يمكن أن تخضع للنقد أو النقاش، حتى لو تطورت الظروف والمجتمعات، وحتى لو ظهر ما يستلزم التغيير.
والاصولية ليست إسلامية فقط، كل الأديان لها أصوليون. ففى المسيحية مثلا، رفض الأصوليون المسيحيون أفكار مدارس «نقد الإنجيل»، ظهرت مدارس نقد الانجيل فى أوروبا، بعد ملاحظة الاختلافات فى تواريخ وأسماء المدن بالترجمات المختلفة للكتاب المقدس. لكن الأصوليون المسيحيون رفضوا حتى مناقشة وجهات نظر نقاد الإنجيل فى ضرورة اعتبار الكتاب المقدس تسجيلًا لتطور تاريخى دينى.
رفض الأصوليون أى تأويلات جديدة للنص الدينى، هو الذى جعل الصراع مستمرًا بضراوة فى أوروبا خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر مع العقلانيين، فالعقلانيون رفضوا مسلمات رجال الدين، واعتبروا أن إعادة فحصها على أساس رؤية جديدة للكتاب المقدس لا هى إثم ولا هو خروج عن الدين.
عند المسلمين أيضا، أضرت «الاصولية» بالعقيدة، وبقدرة المسلمين ومرونتهم على فهمها، وتطويرها. فالتفكير الأصولى، وتغليف التراث الدينى القديم، وحمايته من الخضوع لأى تيارات فكرية جديدة، هو الذى أدى بالمشايخ إلى إغلاق باب الاجتهاد فى الإسلام فى القرن الرابع الهجرى، بلا سبب ولا منطق.
ولمّا حدث، دخل المسلمون عصر «التقليد»، فاكتفوا بالأدلة الشرعية، والأحكام الدينية التى شرعها الأولون، حتى مع تغير العصور، وتغير المجتمعات.
 ربما لذلك زاد التعصب الدينى وتعالت نبرة «احتكار الحقيقة»، فى الوقت الذى كان فيه معظم الحضارات لا تؤمن بحقيقة مطلقة، أو بنظرية واحدة، مهما كانت، حتى ولو دينية.
سمة المجتمعات الحديثة، أنه ما من فكر الا وخاضع للتفكير، وإعادة الفحص، لكن الأصوليين حولوا الدين إلى تراث، ثم أصبح التراث حكايات شعبية، وانتهى الأمر بأن قصصًا كارتونية كثيرة أصبحت معلومًا من الدين بالضرورة، والمعلوم من الدين بالضرورة لا يخضع للنقد، ولا النقض.
مصيبة، لكن هذا ما فعله المشايخ!