الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أزمــة الكوميديــا

أزمــة الكوميديــا
أزمــة الكوميديــا




كتب: عاطف بشاى

سألتنى مقدمة برنامج تليفزيونى متحذلقة:
- هل الكوميديا فى أزمة أم أن الأزمة فى الكوميديا؟!
- قلت لها:
- الكوميديا فن راق يعانى فى زماننا الآن الذى يعز فيه الضحك، وإذا وجد فإنه يختلط بالدموع ورثاء الذات، وقهر الأيام، وعبث الوجود، وسبب المعاناة الرئيسى هو أن المفارقة الكوميدية التى هى ركيزة الضحك وأهم شروطه أصبحت فى واقع ما يدور حولنا أقوى وأغرب مئات المرات من خيال كتاب الكوميديا، والأمثلة على ذلك لا تحصى ولا تعد، وإليكم بعض الأمثلة التى يتأملها يمكننا أن نضحك ونبكى.
عاهرة معدمة تتفق مع خمسة من الشباب العاطلين على ممارسة الدعارة معهم مقابل عشرة جنيهات للفرد، ويتم ذلك بالفعل بمنطقة مهجورة داخل (توك توك) أحدهم، وبعد أن ينتهوا من النيل منها، وحينما تطالبهم بالأجر المتفق عليه يرفضون الدفع، تتشاجر معهم، يضربونها ويشرعون بتهديدها بالقتل مستخدمين المطاوى، العاهرة تهرع إلى قسم البوليس شاكية، مطالبة بحقها المادى الذى اغتصبه الأشرار، وكيل النيابة الذى يحقق فى الواقعة، يأمر بضبط واحضار «المتهمين الخمسة»، يتم القبض عليهم، ويمثلون أمامه، يعترفون بما حدث، يأمرهم بدفع المبلغ المتفق عليه لها، ثم يفرج عنهم جميعا.
قلة من المحبين فى «المنصورة»، استنسخوا فكرة وضع أقفال حديدية على الجسر بكوبرى طلخا كتبوا عليها أسماءهم وقذفوا بالمفاتيح فى النيل، لتقوية علاقات الحب وترسيخها والحفاظ عليها، على طريقة الحب الفرنسى وجسر «بون ديراز» الشهير بأقفال الحب للعشاق، المفارقة الأولى أن العشاق المصريين أقدموا على تنفيذ تلك الفكرة فى الوقت الذى أعلنت فيه «فرنسا» إزالة أقفال العشاق الفرنسيين من على الجسر خوفا من انهيار الكوبرى بسبب زيادة الأحمال.
المفارقة الثانية هى تلك اللمسة الرومانسية ذات الطابع السينمائى الشاعرى فى وقت أصبح فيه الحب من وجهة نظر شباب هذه الأيام «عبط» و«غباء» و«خيال مريض»، وأصبح التعبير عنه - إذا وجد - يتم بأسلوب فظ وألفاظ سوقية سواء فى الواقع أو على شاشة السينما من عينة «بحبك فشخ»؟!
داخل حجرة عمليات أحد المستشفيات الخاصة، وبينما المريض مسجى على سرير العمليات بلا حراك تحت تأثير البنج فى انتظار البدء فى إجراء العملية، طبيبان تنشب بينهما مشادة حول الأحق منهما بإجراء العملية تتطور المشادة إلى معركة دامية بالمشارط الجراحية، وفى مستشفى آخر، وفى حجرة العناية المركزة تضع مديرة المستشفى كلبها المدلل المريض على أحد الأسرة وتعالجه بالمحاليل.
ماريا دوران» سيدة إسبانية سجلت ملكيتها للشمس لدى الشهر العقارى فى إسبانيا، وافتتحت حسابا لها على موقع (إى باى) لبيع بقع مساحتها متر مربع مقابل (يورو) للبقعة الشمسية، لكن بعد عامين، قام الموقع بإغلاق حسابها، مما دفعها إلى مقاضاة الموقع وتحويل القضية إلى المحكمة بعد أن منعها الموقع من بيع بقع شمسية بالمزاد العلنى.
تعدى بعض الأهالى بقرية «الشجاعية» التابعة لمركز المحلة الكبرى بمحافظة الغربية على عاطل مسجل خطر  وسحله وإصابته فى مناطق متفرقة من جسده مستخدمين الأسلحة البيضاء والعصى  وحاولوا ذبحه وتنفيذ «حد الحرابة» عليه، لولا دخوله فى غيبوبة، وتم ذلك بالطبع وسط غياب تام لرجال الشرطة يتزامن ذلك مع واقعة تهجير الأقباط من قراهم، وإعادتهم بناء على قرارات مجالس عرفية.
المفارقة أن تلك الممارسات.. تتم بعد سقوط حكم الإخوان بقيام ثورة 30 يونيو!
استوقفتنى فى أحد شوارع «مصر الجديدة» فتاة أرستقراطية، وصاحت فى غضب:
- لماذا لا تكتب عن العدالة الاجتماعية المفتقدة منذ عصر المخلوع حتى الآن، إن العدالة الاجتماعية هى حلمنا الذى ننتظره.
هتفت بحماس: طبعا، لقد وضعت يدك على بيت الداء، وجوهر الحقيقة، الثورة المنشودة تعنى العدالة الاجتماعية وبدون العدالة الاجتماعية لا تتحقق الديمقراطية ولا الحرية الإنسانية ولا الكرامة البشرية لا تتحقق الثورة.
إن المقدمة المنطقية التى أدت إلى قيام ثورة 25 يناير تتصل اتصالا مباشرا بانعدام العدالة الاجتماعية والشعور بالفوارق الطبقية، نتيجة الثراء الفاحش فى مقابل الفقر المدقع والتناقض الحاد بين قاهرة الأغنياء وقاهرة الفقراء، قاهرة يعيش نصف سكانها تحت مستوى الفقر يشربون من مياه المجارى ويموتون بلا ثمن فى قطارات الفقراء، افتقارنا إلى العدالة الاجتماعية هو الذى أدى إلى اضطرار فقراء الوطن إلى مشاركة القطط والكلاب الضالة فى أكل الزبالة المتراكمة فى الشوارع، ولو كان الفقر رجلا لقتلته و..
صرخت مقاطعة: ما هذا الذى تقوله ؟! أنا أقصد العدالة الاجتماعية المفقودة نتيجة التفرقة فى المعاملة بين الإنسان والحيوان! فعندما رحلت «طاطا» عن عالمنا و..
- قاطعتها متسائلا: صديقتك؟!
- لا، كلبتى، بعد أسبوع من مرضها وإقامتها فى العيادة البيطرية، لم أقصر لحظة واحدة فى العناية بها، وكنت أزورها مرتين فى اليوم الواحد حاملة إليها الوجبات الثلاثة الفاخرة، ثم اكتشفت أبشع ما يمكنك تصوره، لقد استولى العامل الوضيع هناك على طعامها، وأكله طوال فترة تواجدها فى العيادة، وكان الحقير يطعمها من فضلات الزبالة حتى ماتت.
أين العدالة الاجتماعية بين الإنسان والحيوان إذا؟!