الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

لا يعلمون.. ولا يريدون!

لا يعلمون.. ولا يريدون!
لا يعلمون.. ولا يريدون!




كتب: وليد طوغان
مصطلح «الأصولية الدينية» فى الأساس تعبير إنجيلى مأخوذ من الإشارة إلى التمسك بـ«الأساس الدينى الصحيح». وعُرف الأصوليون أنهم الذين على استعداد لخوض أى معارك للحفاظ على «الأصول الدينية» كما يرونها، وكما كانت عليها أديانهم فى عصور الرسالات الأولى.
الفكرة لدى الأصوليين أن حقائق الإيمان، وافتراضات المفسرين الذين ظهروا قبلهم لا يمكن أن تخضع للنقد أو النقاش، حتى لو تطورت الظروف والمجتمعات، وحتى لو ظهر ما يستلزم التغيير.
لذلك رفض الأصوليون المسيحيون مناقشة وجهات نظر نقاد الإنجيل فى ضرورة اعتبار الكتاب المقدس تسجيلًا لتطور تاريخى دينى، فقد رأوا أن الفكرة التى يحاول نقاد الإنجيل بحثها تخالف ما استقر عليه المسيحيون الأوائل من مسلمات.
رفض الأصوليون أى تأويلات جديدة للنص الدينى، هو الذى جعل الصراع مستمرًا بضراوة فى أوروبا خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر بينهم وبين العقلانيين، فالعقلانيون رفضوا مسلمات رجال الدين، واعتبروا أن إعادة فحصها على أساس رؤية جديدة للكتاب المقدس لا هى إثم ولا خروج عن الدين.
مثلا، كان الصراع بين العالم «جاليليو» وبين الأصوليين صراعًا بين «الاجتهاد العقلى» الذى أصر عليه جاليليو، وبين «التفكير الدينى الغيبى». فقد قابل الاصوليون افكار جاليليو بالتكفير، لكن، مع الزمن، ظهر ان افكاره، ومفهومه للنص الدينى كان اكثر اتساقا مع التفكير المنطقى.
فى الصراع مع جاليليو، تمسك الأصوليون بالتفسير الحرفى للكتاب المقدس، وما التف حوله من تراث صنعه رجال قبلهم، رفضوا احتفاء جاليليو بالعقل، وقدراته، وسلطته، فى الوقت الذى رفض فيه جاليليو وأصحابه من «العقلانيين» التمسك بحرفية تفسيرات الكتاب المقدس القديمة، لأنهم رأوا أن إعادة تفسير نصوص، اى نص مهما كان، واجبة وفقًا للمنطق والمصلحة، وتغير احوال الناس، والمجتمعات.
ظل الصراع مستعرًا فى أوروبا، حتى ظهرت حركة إصلاح دينى مؤثرة قادها «لوثر»، دعا فيها إلى إعادة تأويل النص المقدس بعد تدمير ما سمّاه بـ«الأسوار الثلاثة» التى تقف فى طريق الإصلاح.
«سلطة رجال الدين» كانت السور الأول الذى رأى لوثر أن عليه تدميره، لم يقصد لوثر احتقار الكهنة، أو ازدرائهم، إنما اعتقد أن خضوع أفكار رجال الدين للفحص لا يؤثر على هيبتهم كما كان يرى المجتمع ذلك الوقت، فمساواة رجال الدين بغيرهم؛ تعنى أن من حق الذين ليسوا رجال دين أن يفهموا هم الآخرون.
وشن «لوثر» هجومًا شديدًا على عصمة الكهنة والبابا، قال ان رجال الكهنوت كثيرًا ما يلعبون بالعامة، بافتراض أنهم وحدهم أصحاب سلطان تأويل النص، فيتلاعبون أحيانًا بالألفاظ والمفردات، وأحيانًا بالحقائق، ويقتنع العامة.
ولما ردّ الكهنة بعصمة البابا من الخطيئة، رد «لوثر» بحربٍ أخرى على مبدأ العصمة الدينية، قال ان الإنجيل أقدم من البابا، وإن تشريعات الله صدرت قبل ميلاد البابا، فإذا كان البابا معصومًا من الخطأ، بما يمكنه من إدارة حياة المؤمنين دون تشريع، فما الحاجة إذن للكتاب المقدس؟
قال لوثر، ان احتكار البابا ورجال الدين تأويل الإنجيل لا يجب أن يكون مسلمة اتجاه دينى، ولا كلامهم مسلمات، فقط هو مجرد اجتهادات قابلة للرد، وهى القاعدة المشابهة لما نادى به بعض المسلمين المستنيرين فى القرن الثامن عشر الميلادى لما طالبوا بإعادة فحص السنة النبوية، وتأويلات العلماء، وفق مبدأ: «أن أقوال العلماء لا يحتج بها، إنما يحتج لها».
هذا ما كان، حتى تمادت الازمات، وتصاعدت، وتوغلت، فظهر الشيخ ياسين رشدى، ثم آخرون، والدكتور ياسر برهامى، وقوما كانوا لا يعلمون، ولا يريدون ان يعلموا.