الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

و.. تمضى!!

و.. تمضى!!
و.. تمضى!!




لم يكن ذلك اليوم كسائر الأيام التى مرت بها حياتى، كان يوما مفعما بالغموض والغرابة.. همهمات من حولى.. تغمرنى.. أسمع صداها، ولا أستطيع أن أميزها.. أصوات هنا وهناك.. الخوف يعترى بدنى النحيل.. صرخات تتعالى.. تنخفض.. تغمرنى.. أقدام تقترب.. تتباعد.. أصوات لا أستطيع أن أميزها.. ولا أعرف كنهها!!.. ترى مالخطب ؟ لا بد أن أستطلع الأمر.. يجب أن أنهض.. يا إلهى!!.. لا أقوى!!.. ما كل هذا الثقل الذى يحل فى بدنى.. إننى لا أستطيع النهوض.
تلك الهمهمات مازلت أسمعها.. لكن قدماى لا تقويان.. ذراعاى أصبحا كقطعتين من ثلج يذوب.. لا أسمع دقات قلبى.. أين هى ؟.. أين ؟.. أين ؟.. لا أشعر بالدفء فى أنحاء جسدى.. البرودة قارسة.. تغمرنى.. الصرخات تشق الصمت المطبق مدوية فى أرجاء المكان مازالت.. أصوات مجهشة بالبكاء الحاد المتصل تصم الآذان.. نحيب يجثم فوق صدرى ككابوس ثقيل أسود.. نساء متشحات بالسواد يضربن وجوههن بكفوفهن.. أشعر بهن ولا أراهن.. رجال يتمتمون بكلمات غير واضحة.. آيات قرآنية تتلى.. ترانيم وأدعية بالصبر والرحمات.. راودتنى أفكار حزينة، وتصورات قاتمة.. أيقنت أننى ربما قد فقدت عزيزا آخر.. إنها سنة الحياة وفطرتها، ولا رد لقضاء الله.. إنها النهاية الحتمية لكل مخلوق.. أراد الإنسان ذلك أم لم يرد.. خاتمة رهيبة.. تخمد الأنفاس.. يسكن الجسد.. تنتهى الحياة.. ولا يبقى سوى ذكريات تعتصر القلوب.. تتآكل صورها بفعل الزمان، تهترئ بمرور الأيام.. تصبح صفحة من صفحات الماضى البعيد.. يطويها النسيان.
كانت الصرخات الحادة تشق الصمت ماتزال، والظلمة الحالكة تلف المكان من حولى.. غموض ورهبة تقشعر لهما الأبدان.. أصوات النحيب تتقاطع.. والبكاء الحاد المتصل يتصاعد فى وتيرته.. صرخات تتداخل.. تتشابك.. تتكاثف فتنسج نشيجا مؤلما يثير الرعب فى الأبدان.. تقطع الصمت.. البرودة تحل فى جسدى.. تسرى فى أنحائى.. ترانيم حزينة تنفطر لها القلوب.. همهمات من حولى.. تلفنى.. تغمرنى.. أسمع صداها!! ولا استطيع أن أميزها!! ولا أعرف كنهها!! أنات وحسرات.. نساء تجهشن بالبكاء.. صرخات تتعالى.. تنخفض.. يسرى صداها فى أنحائى.. يزلزل أعماقى.. يغمرنى.. أشعر بها.. ترى ماالأمر ؟ يجب أن أستطلع الأمر!! هممت أن أنهض.. ياإلهى!!.. لاأقوى! لا أستطيع!! أين قوتى ؟ أين ؟ أين ؟ لم أعد أشعر بجسدى.. ولا أقوى حتى على النهوض.. ثقل جفناى.. استشعرت السكون المطبق.. يتملك أنحائى.. وتقطع الصمت صرختان متتاليتان.. يالا الظلمة الداكنة من حولى.. ولماذا تحتوينى تلك الجدران الأربعة الخشبية ؟.. لم أعد حتى قادرا على تحريك أطرافى.. تيبست يداى وقدماى.. الظلمة الحالكة تلف المكان من حولى مازالت.. تحتوينى.. لم أعد أشعر بدفء أنفاسى.. البرودة قارسة.. تسرى فى أنحائى.. لباس شديد البياض يلفنى!!.. يضمنى!!.. يحتوينى!!، أقدام هنا وهناك. يالا الظلمة الحالكة من حولى.. ولماذا تحتوينى تلك الجدران الأربعة الخشبية ؟.. لم أعد حتى قادرا على تحريك أطرافى.. تيبست يداى وقدماى.. الظلمة الحالكة تلف المكان من حولى مازالت.. تحتوينى.. لا أشعر بدفء أنفاسى!!.. البرودة قارسة!!.. تسرى فى أنحائى.. لباس شديد البياض يلفنى!!.. يضمنى.. يحتوينى، أقدام هنا وهناك.. يالا الظلمة الحالكة من حولى!! جدران خشبية تحيط بى من كل جانب.. تضمنى.. تحتوينى.. ترى هل أصبحت فى عداد الموتى ؟.. بلا أدنى شك.. كل الظواهر حولى تؤكد ذلك، لكننى لا أصدق!!.. غير معقول.. محال.. محال.. كيف يحدث ذلك؟.. وجال بخاطرى شريط ذكرياتى فى لحظات.. يجب ألا أستسلم، لا بد أن أحطم هذا الشىء الخشبى.. أحطمه!! أحطمه!!.. ياإلهى!!.. لا أقوى!!.. لا أستطيع!!.. أين قوتى ؟.. أين ؟.. أين ؟ إننى ضعيف.. هزيل.. لا.. إننى لا شىء.. أصبحت لا شىء.. الصرخات ثانية تقترب.. والصياح يعلو.. الصرخات متتابعة.. متقطعة.. متحشرجة.. تؤلمنى.. سأحطم هذا الشىء الذى يحتوينى.. ياإلهى!.. لا أقوى!.. لا أستطيع.. الضعف يسرى فى أنحائى.. والخوف يعترينى.. والرعشة المخيفة تحل فى بدنى.. قدماى أصبحا كقطعتين من ثلج يذوب.. صرخات وصرخات.. مدوية.. تشق الصمت.. متتابعة.. متقطعة.. متحشرجة.. تؤلمنى.. تسرى الرهبة فى أنحائى.. يتحرك الشىء الذى يحتوينى.. يرتج ويهتز.. البرودة القارسة تطوينى مازالت.. تلفنى.. تسرى فى أنحائى.. ترجفنى.. صرخات مدوية.. تؤلمنى.. ترانيم وتلاوات وتمتمات تتعالى.. الصرخات تتصاعد وتيرتها.. يهتز الشىء الذى يحتوينى.. يرتجف ويميل إلى أسفل.. كأنه يهبط إلى قبو أوقبر.. الصرخات المدوية تزداد حدة.. الظلمة الحالكة تلف المكان.. يفتح الشىء الذى يحتوينى.. تمتد الأيدى.. كثيرة.. مرعبة.. لا أراها.. ولا أعرف عددها.. لكننى أشعر بها.. تمتد وتمتد.. تخرجنى من هذا الشىء الخشبى.. تحملنى فى جوف الظلام.. ثم تضعنى أرضا،.. و.. تمضى!!

 

عادل عبد الرحمن