الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الإرهاب والقوة الناعمة

الإرهاب والقوة الناعمة
الإرهاب والقوة الناعمة




كتب: د.محمد محيى الدين حسنين

فى أوائل التسعينيات من القرن الماضى انتهت الحرب الباردة والتى استمرت ما يقرب من أربعين عاما بسقوط الاتحاد السوفييتى وانفصال عدد من الجمهوريات عنه وإعلان الرئيس جورج بوش الأب انتصار الولايات المتحدة ودخول العالم عصر جديد أحادى الاستقطاب.
وحتى لا يفوتنا قطار الزمن كالعادة، يجب علينا أن نفهم وأن نحلل ما يجرى حولنا حتى نستوعبه ونتعلم منه، ولعل أول تلك الدروس هو أن المعسكر الغربى لم يكسب الحرب الباردة بأدوات القوة العسكرية ولكنه كسبها بأدوات القوة الناعمة والتى يمكن تعريفها بأنها الادوات التى يمكن ان تمكنك من استقطاب الآخرين وتجعلهم يؤمنون بما تؤمن به ويتبعونك بدون إجبار او اللجوء الى القوة المسلحة، وقد ظهر ذلك فى استخدام الإعلام والحرب النفسية والمؤتمرات والفنون والآداب بل وثقافة الوجبات الأمريكية السريعة والأفلام والمسلسلات الأمريكية، وخلال النصف الثانى من القرن العشرين تم تلوين العالم بصبغة الحضارة الغربية الذى حاصر اللون الأحمر الشيوعى حتى اضطره الى الاختفاء.
وبانتهاء الحرب الباردة دخلنا عصرا جديدا أطلق عليه عصر العولمة الذى جاء بأداة جديدة أقوى وأشرس من الأدوات السابقة ألا وهى تكنولوجيا الاتصالات الحديثة من إنترنت إلى هواتف نقالة إلى أقمار صناعية تنقل لك أحداث العالم وأنت فى غرفة المعيشة، وتصلك بالعالم شرقه وغربه بكبسة زر، ومن ثم أصبحت سيطرة الدول على حدودها الجغرافية أمرا صعب المنال، فالسماوات مفتوحة بغير حدود ولا رقيب.
وأخيرا جاء عالم سياسة أمريكى بمبرر قوى للتدخل وبسط الهيمنة الغربية على الدول الأقل نموا تحت شعار صراع الحضارات، ثم تأتى أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 لنصل الى محطة الحرب على الإرهاب، ذلك المرض الذى ينهش فى الجسد العربى والإسلامى ويقطع أوصاله.
أين نحن من هذا كله؟ نحن موجودون ولكن خلف مواقع دفاعية وخطاب إعلامى وثقافى خال من المنطق أحيانا، أو خطاب إسلامى متطرف يلعب على مشاعر البسطاء ويحول بعضهم الى قوى ظلامية تعود بنا الى القرون الوسطى، وأحيانا نلجأ إلى نظرية المؤامرة حتى نغسل أيدينا من المسئولية ونعود لنهنأ بحياتنا طالما الخطر بعيدا عنا، لا نبالى بما يمكن أن يحدث لنا فى المستقبل، بل لقد  دخلنا عصر ما بعد الحرب الباردة بأدوات متخلفة ورؤية غير واضحة وقد تكون تبريراتنا لما يحدث حولنا من ارهاب وتطرف صحيحة الى حد كبير فالإسلام مستهدف ولكن الحقيقة أن العالم ليس كله مسلما، وما نتعرض له يتعرض له الآخرون، بل يمكن أن نذهب الى أن الإسلام يتم تشويهه من المسلمين أنفسهم بل وبشكل أعمق أثرا مما يفعله الآخرون ويكفى أن نشاهد ما تفعله داعش لنرى حجم المأساة التى نعيشها.
 وإذا كانت أدوات القوة المسلحة باهظة الثمن، فاننا نحاول الأخذ بأسبابها  فإن أدوات القوة الناعمة رخيصة ولا تحتاج إلا إلى رعاية وتدريب للمواهب كما أن تطويرها ممكن وسهل، وعلينا أن نتعرف عليها ونستخدمها بفاعلية وكفاءة.
حان الوقت لأن نعود للإيمان بأهمية أدوات القوة الناعمة ومن ثم تطويرها، فالآداب والإبداع والسينما والفنون والتعليم والبحث العلمى والثقافة ليست مظاهر فقط للتقدم ولكنها اسلحة متقدمة لحماية هويتنا وثرواتنا، وعندما يعود الايمان بأهمية تلك الأدوات فإننا سنحرز تقدما حقيقيا، وإذا كنا نخوض الآن حربا على الإرهاب فإن القوة الناعمة هى التى ستحسم الحرب وليست القوة العسكرية أو الأمنية على اهميتهما.