الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الحب فى «طلخا» !!

الحب فى «طلخا» !!
الحب فى «طلخا» !!




كتب: عاطف بشاى

أريد امرأة.. أى امرأة
الجملة السابقة هى استهلال بليغ بدأ بها الأديب الكبير نجيب محفوظ قصته «الحب فوق الهضبة» هى صرخة مدوية بدأت بهمسات من ذهول وأنين من الغضب لشاب يزعم أنه مواطن بدرجة مقبولة، شهد رأسه حواراً طويلاً عن الفقر والتخلف والأمن والديمقراطية والإرهاب والعلاقة بين العالم المتطور والعالم الثالث، ما أن ختم حياته الدراسية حتى التحق بالوظيفة فعرف الفراغ والبطالة، تضخمت همومه الشخصية، الجنس أصبح محور حياته وهدافها فهو قوة مطاردة مهددة رغم بعده عن الاستهتار أو المجون، ورفضه للإباحية وأمله فى حياة شرعية مستقلة بلا شروط متهورة أو طمع قبيح.
عين «على عبدالستار» – وهو فى السادسة والعشرين من عمره بليسانس الحقوق فى مصلحة حكومية موظف زائد عن الحاجة فلما انبثق الجنس انفرد به فى عصر الفراغ، ومن زجاج نوافذ المصلحة يتطلع إلى شرفات العمارة المقابلة مترقباً ظهور أنثى، وطيلة الوقت يتخيل مواقف ومناظر جنسية، يتعلم أن يتسلل إلى شارع «قصر النيل» مع الضحى، لا يعنى إلا برصد النساء، هن همه وحياته ومماته، ينقل نظراته المحمومة من السيقان إلى الصدر إلى الأعين، لا يغيب عنه ما يقال عن الزواج وتكاليفه، المهر والشقة والأثاث: (يلزمنى قرن من الزمان لاقتصاد نفقات زيجة عادية.. إنه طريق مسدود تماماً).
يلتقى على فى مقهى بوسط البلد بالصحفى القديم يقف أمامه مردداً: أريد أن استشيرك فى أزمتى أنى أعانى أزمة جنسية، الزواج مستحيل والانحراف خيالى التكاليف، ما العمل؟!
 لا يوجد جواب جاهز.. يمكن أن ننتقد تقاليد الزواج السخيف.. يمكن أن نتحدث عن واجب وزارة الإسكان.
وهل أنتظر أنا حتى يتم هذا الإصلاح.
ماذا أقول؟!، كم من الاجيال أجهضت فى تاريخ البشرية.
تقتحم حياته موظفة جديدة جذابة، ينفعل بها كما لم ينفعل بأى أنثى، يتعاهدان على الحب والزواج،  يعلنان خطوبتهما متحدين ان يفرق بينهما شقة واثاث ومهر ثم يعلنان التحدى الأكبر: الزواج، رغم رفض الأهل.. يختلسان الحب فى حجرات فنادق رخيصة وبنسونيات.
اليأس والاكتئاب يسيطران عليهما، ويحسان بالإهانة وهما يلتقيان فى هضبة الهرم،  ويعاملهما شرطى بارتياب من يضبط امرأة رخيصة وذئب (متحرش)، يصبح الطلاق حتميا، ويقذف «على» بدبلته فى وجه الهرم، (وتطل عليهما القرون وهى تضرب كفاً بكف).
تمر سنوات القهر بطيئة ويجرى فى النهر مياه كثيرة وتتغير العهود وتتجدد الصرخة المدوية يطلقها الفقر حيث ترتفع الأسعار وهم ينخفضون، كانوا طبقة وسطى فأصبحوا من طبقة دنيا.. والمتحرش الصغير كالكبير يسقط فى براثن (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر)  وثقافة الحلال والحرام.
الحياة عبء ثقيل خاصة للشرفاء والرغبة الجامحة لم تعد حقاً إلا للقادرين، سوف ينقضون عليه متلبساً بالتحرش او عازماً عليه، أو متهيئاً له، لن ينتظروا عليه أن يطفئ ناره المتأججة.
أنه «هذه المرة – شاب مصرى يبلغ من العمر 38 سنة وليست له مهنة ثابتة، يشكو أن عدم وجود شقة لديه هو سبب إلغاء الخطبة كلما تقدم لإحدى الفتيات.
انقض فجأة على عضوه الذكرى وقطعه على مرأى ومسمع من العشرات مما كانوا متواجدين على كورنيش الاسكندرية بمنطقة المنشية فى الشهر الماضى.
 أعى أن ذلك يحدث بعد ثورتين كان شعارهما الأساسى تحقيق العدالة الاجتماعية.
لكن رغم اليأس ورغم القتامة يظهر الضوء الخافت فى نهاية نفق جمهورية «كأن» التى تكلمنا عنها فى مقالة الأسبوع الماضى، صافحت عيناى خبراً مفاجئاً فحواه : قلة من شباب المحبين فى المنصورة يستنسخون فكرة وضع أقفال حديدية على الجسر بكوبرى طلخا كتبوا عليها أسماءهم وقذفوا بالمفاتيح فى النيل لتقوية علاقات الحب وترسيخها والحفاظ عليها على طريقة الحب الفرنسى و(جسر الفنون) المطل على نهر السين بباريس الشهير بأقفال الحب للعشاق.
على الفور بعد قراءتى الخبر تبدد اكتئابى، وانفرجت أساريرى، وتصورت أن زمن الرومانسية الجميل قد أطل من جديد على استحياء تمهيداً لأن يعم فى القريب العاجل أرجاء البلاد ويضم فى أحضانه البشر، كل البشر، مبشراً بيوتوبيا جديدة يسودها الحب والوئام وشفافية الروح وعطر الأحباب ورحيق الوله والهيام ولهيب الأشواق وعذاب الفراق ولهفة اللقاء وذوبان الحبيب فى المحبوب وأشعار «رامى» وشدو «حليم» و«الشعر الحرير على الخدود «يهفهف» و«أم كلثوم» «وأخاف أسرح تفوتنى لمحة منك و «عبد الوهاب» «جفنه علم الغزل» وانتصار «نزار قباني» للعشق والجنون» وتبشير «إحسان عبد القدوس» «بجمهورية الحب» وبكاء «العقاد» الجبار بين يدى «مى زيادة» متوسلاً مغفرة الخيانة ومتلهفاً بمعاودة الوصال وخلود رسائل «جبران خليل جبران» لها ورسائلها له: وبين الأطلال»، و«نهر الحب».
لكن الصدمة ألجمتنى وأنا أتابع ردود الأفعال من شباب هذا الزمان الفظ، زمن أصبح فيه الحب الرومانسى ذو الطابع السينمائى الشاعرى من وجهة نظرهم «عبطاً» و«غباء»، وخيالاً مريضًا، واصبح التعبير عنه إذا وجد يتم بأسلوب غليظ وألفاظ سوقية سواء فى الواقع أو على شاشة السينما من عينه، باحبك فشخ، «وأديك فى الجركن تركن».
على صفحات التواصل الاجتماعى كتب أحد الشباب ساخراً من الفكرة، من البداية حياتهم كلها أقفال وعقد ومشاكل، وكتبت فتاة «هبل وتقليد ماسخ»، المصيبة أن الحرامية المحششين ممكن يفتكروهم أقفال محلات ويكسروهم»، وأضافت أخرى: طيب جسور فرنسا بتتحمل وجود أثقال، ورغم كده زاد الحمل أوى اليومين دول فبدأوا يشيلوا شوية علشان يقللوها، بالنسبة لنا الجسور بتقع من غير حاجة، هايحطوا كمان أقفال ؟!
وذلك بالإشارة إلى أن فرنسا بدأت فى إزالة الأقفال التى امتلأ بها «جسر الفنون» الملقب «بجسر الحب» خوفاً من انهيار الكوبرى بسبب زيادة الأحمال، وزيادة الأحمال بالطبع تعنى زيادة أعداد المحبين والعشاق الذين يتنفسون وداً ووئاماً وصفاء وتصالحاً مع النفس وتكيفاً مع واقع أكثر نقاء وسلاماً وإنسانية.