الأربعاء 25 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«قصر الفنون» يتصدر المشهد فى أزمة «المعرض العام»

«قصر الفنون» يتصدر المشهد فى أزمة «المعرض العام»
«قصر الفنون» يتصدر المشهد فى أزمة «المعرض العام»




كتبت - سوزى شكرى
كحالة كل عام يطالعنا المعرض العام فى دورته الـ 37 بنفس المشكلات من جانب الفنانين، نفس الأسئلة المتكررة: من هو القوميسيير؟ من هم أعضاء لجنة الاختيار والفرز؟ هل سيشارك أعضاء اللجنة فى المعرض أم يستثنون أنفسهم كنوع من المصداقية؟، ما معايير اللجنة فى القبول والرفض؟ وهى كلها تساؤلات مشروعة.
ورغم الاضطرابات الإدارية وتغيير رئيس قطاع الفنون التشكيلية أكثر من مرة يعد افتتاح المعرض العام انجازا لكل الأطراف، لكن فى حين يتعرض القوميسيير ولجنة الفرز والاختيار الفرز للتشكيك فى مصداقيتهم من قبل المرفوضين، رغم أن الرفض هو رفض العمل الفنى من المشاركة فى هذه الدورة وليس رفض الفنان بشخصه، ودائما ما يكون رد اللجنة أنه بما أن الفنان قد ارتضى بموجب استمارة المشاركة عرض عمله على لجنة تقييم إذا فليس من حقه الاعتراض، يقابل هذه التساؤلات رأى آخر هل وجود اللجان واختلاف المعايير كل عام وقبول أعمال فنان فى دورة ورفضها فى دورة ثانية، هل هو تقييم صادق للعمل الفني، وإذا كانت الأحكام الجمالية أحكام نسيبة إذا فمعايير التقييم توضع من أجل تحديد الملامح العامة لكل دورة على حدة.. الحقيقة هذا أمر محير ومطروح للجدل على نطاق أوسع.

قوميسيير هذه الدورة الفنان محمد طلعت كتب فى كلمته باستمارة المشاركة: «إنها دورة لا تحتفى بالجمال المباشر بمفهومه الكلاسيكى التقليدى، وليست دورة لاستعراض المهارات التقنية والجمالية والبنائية لمغازلة عموم الناس وفرص الاقتناء لكنه عرض يجىء كمحاولة لإرباك المشهد وإرباك الفنان وحثه على إعادة النظر فى تجربته».
هذا السياق الفكرى الذى صاغه القوميسيير يصلح لمعرض فنى جماعى وليس لمعرض عام مفترض أنه لأغلبية الفنانين المصريين، كما أن طرح فكرة ومفهوم «كل سنة» للمعرض العام افقده دوره الرئيسى الذى بدأ فى التراجع منذ رحيل المسمى القديم «المعرض القومى» حين كان الهدف هو رصد وتوثيق ملامح الحركة الفنية بمجالاتها وبكل من فيها من ايجابيات وسلبيات، وليس الرصد من خلال فكرة معينة مطروحة ومتغيرة سنويا، وبالتالى أصبح المعرض العام كأنه مسابقة أو أشبه بمعرض خاص لمجموعة معينة من الفنانين، أى ليس عاما ولا قوميا.
من الغريب ذكر القوميسيير لجملة «دورة لا تحتفى» فإنه حتى لو كان عدم الاحتفاء بمذهب معين هدفه التغيير فى الرؤية والمعالجة فهذه مغالطة فى حق الفن وفى حق حرية التعبير حيث إن الفن لا يعرف إقصاء مذهب من اجل التغيير، جميع المذاهب متاحة ومطروحة ومستمرة وعلى الفنان أن يختار وليس من حقنا فرض مفاهيم من اجل المشاركة.
أما ما ذكره القوميسيير «المهارات والتقنيات مغازلة لعموم الناس للاقتناء»، وهو أمر يجب بحثه من خلال مقارنة حول نوعية الأعمال للاقتناء من قبل الدولة ومن قبل الأفراد وللاقتناء الخليجى والعربي.
غياب عدد ليس بقليل لفنانين لهم باع فى الفن من جيل الوسط والكبار، نعلم أنهم مقاطعون للمعرض ولهم تحفظات على استراتيجية المعرض العام عموما، بعض الفنانين قدموا أعمالا جديدة خصيصا للمعرض العام والبعض قدم أعمالا من إنتاج عام 2012، كما تواجدت أعمال لا ترقى بمستوى العرض مقارنة بالمعايير التى وضعتها اللجنة، كما يوجد أعمال محملة بفلسفة تستحق الاهتمام فى الرصد والتوثيق، وأعمال أخرى تحتاج إلى مراجعة فى مضمونها وفلسفتها لأنها وقعت فى منطقة التباس فى التأويل والقراءة النقدية، وفى حقيقة الأمر لا يتحمل القوميسيير وحده مسئولية العرض بل كل أعضاء لجنة الفرز والتحكيم مسئولة عن هذا الاختيار.
عدد المشاركين يعد عددا هزيلا ومخجلا ولا يليق بالفنانين وشارك فى المعرض عدد 238 فنانا وفنانة، من بينهم عدد 66 فنانا تمت دعوتهم من قبل اللجنة، وعدد 172 فنانا فقط تم قبولهم عن طريق استمارة المشاركة، مقارنة بالعام الماضى 339 فنانا وفنانة، أى انتقص أكثر من 100 فنان، فأين ذهبوا؟ على الرغم من وجود مشاركة من بعض أعضاء لجنة الاختيار والفرز فى العرض !.
من الجانب التنظيمى لا يوجد عمل بشرى متكامل، القوميسيير الفنان محمد طلعت بذل مجهودا مضاعفا وواجهة ضغوط معتادة يتحملها كل من يتم اختياره قوميسييرا، وأحسن التصرف بقدراته وبخبراته فى التنسيق والتنظيم، ولان قصر الفنون هو المكان الوحيد المخصص للعرض فقد استغل كل الأماكن فى قصر الفنون لاستيعاب كثافة الأعمال باختلاف نوعيتها وأحجامها، إلا أن هذا الاستغلال أظهر العيوب المعمارية فى قصر الفنون، أزمة قصر الفنون التى لا تقل أهمية عن أزمة المعرض العام، فقد وقع القوميسيير وأعضاء اللجنة فى نفس الفخ المعتاد من أخطاء كل الدورات السابقة، وهذا يؤكد عدم قراءتهم ما كتب عن الدورات السابقة للمعرض العام، خصوصا عن السلبيات المعمارية فى قصر الفنون والذى سبق ونشر فى «روزاليوسف» فى عدد من المقالات، آخرها نشر بتاريخ 27 يونيو 2014 تحت عنوان « سلبيات وايجابيات المعرض العام الدورة الـ36».
بداية الفخ وهو مساحة الأعمال الفنية الموضوعة فى مدخل قصر الفنون، قاعة (1) وقاعة (2) وفى قاعات الدور الثانى والثالث، حيث نجد أعمالا فنية لعدد محدود جدا من الفنانين، نسقت أعمالهم بتصنيف نوعى بحسب قيمة الأعمال وقيمة مشوارهم الفنى، ورغم وجود شكوى من أن جدران قصر الفنون لا تستوعب إلا عددا محدودا، ومع ذلك يمنح الفنان مساحة 2 متر ونصف فى 4 أمتار - بحسب استمارة الاشتراك - هذه المساحة زادت عن دورات المعرض العام السابقة - الدورة الـ34 والدورة ال 35 كانت 2 متر × 3 أمتار-، لا أعرف لماذا زادت مترا كاملا؟، وهذا يرهق المنسق ويجعله يضطر إلى توزيع باقى الأعمال فى الممرات الضيقة بين القاعات، لكن هل القيمة الجمالية والفنية فى اللوحات التصويرية تقاس بالأمتار؟ وهل ستساهم فى التأكيد على قيمة العمل الفني؟!، كما أنه ليس معرضا فرديا وخاصا حتى يعرض الفنان كل هذه المساحة، فلو قلت المساحة الممنوحة لكل فنان لأمكن لقصر الفنون استيعاب أعمال لفنانين أكثر.
الأعمال النحتية والخزفية بعضها أصابها سوء الحظ، على سبيل المثال فى مدخل القصر وضعت ثلاث قطع نحتية للفنان عصام درويش وضعت تحت مستوى النظر وملاصقة لسلم القصر فى المدخل ويصعب رؤيتها من جميع الجوانب كما هو متبع فى الأشكال النحتية، بالتأكيد قيمة العمل النحتى لا تنقص لكن لو تغير المكان لاتضحت كل جماليات الكتلة.
أيضا عرض فى الدور الثانى أشكال خزفية أكثر من عشرين قطعة على استاند واحد، وضعت تحت مستوى النظر يصعب للمشاهد تحديد أيهما مميز فكانت الوسيلة للتعارف على قيمة القطعة هو الانحناء قليلا فى محاولة لتكشف القيمة، لا اعلم ربما يعانى القطاع من ندرة فى عدد «الاستاندات» فنرجو زيادة عددها حتى يتمكن المنسق من توزيع الأعمال بشكل أفضل.
الفخ الحقيقى يسكن فى العيوب المعمارية فى قصر الفنون، وجود ممرات ومداخل وسلالم ومطالع لا تصلح للعرض الفنى نهائيا، تصميم القصر معقد مركب ممرات تفصل بين القاعات الأساسية، ممرات ضيقة تكفى لمرور شخص واحد فقط، ومن خلفه شخص آخر والسير فى الممرات بنظام الطابور تفاديا لتلامس مع اللوحات، الإضاءة محدودة، والأعمال فى الممر يصعب تصويرها، ولا توجد مساحة كفاية لرؤية العمل، ولو فرضنا أسوأ الفروض أن الممرات هى الحل الوحيد للاستكمال العرض، فما الأعمال التى يمكن أن تعرض فى الممرات ولا تفقد قيمتها وترضى الفنانين.
وأيضا مطالع السلالم وتحت السلم المقابل لقاعة (5)، يصعب على الزائر التركيز على صعود السلالم ومتابعة العمل الفنى المعلق بأعلى، وأيضا الأعمال النحتية واللوحات التى وضعت بداخل الفراغات المعمارية التى تسمح للمشاهد برؤيتها من زاوية واحدة.
أما الكارثة المعنوية التى ترسبت نتيجة العيوب المعمارية والعرض فى الممرات وتحت السلم، انه مع مرور السنوات تكون موروث لدى كل الفنانين أن الممرات والسلالم خصصت لفنانين أقل شهرة من العارضين فى القاعات الرئيسة، أو للمجاملات، ومع الأسف فى كل فعالية يوجد من يحاول إقناع الفنان بمقولة «يكفيك أنك عرضت بالقصر»، أى قصر يا سادة؟!.
وتأكيدا لهذا الموروث حول الفرق بين العارضين فى الممرات والعارضين فى القاعات الرئيسية، وجهت سؤالى لأحد الفنانين الكبار: هل تقبل بعرض أعمالك فى مطلع السلالم أو فى الممرات؟ أجابنى بحزم وبجملة واحده قاطعة: «يستحيل طبعا أقبل ولو كان حدث هذا سوف اعتبرها إهانة فى حقى كفنان وحق مشوارى الفنى».
وتأكيدا آخر لهذا حدث فى هذه الدورة مثلما حدث من قبل، هو اعتراض أكثر من فنان على مكان العرض من بينهم الفنان الدكتور خالد سرور الذى رفع لوحاته من العرض اعتراض على مكان العرض فى مدخل قاعة (5)، وان العمل وضع فى نهاية ممر ومطلع وللوصول إلى العمل عليك بالتمهل فى الطلوع ذلك لتصاعد وارتفاع الأرض نسبيا، وعند النزول والهبوط من هذا المطلع عليك بتركيز، لان الأرض تنزلق وتنخفض وهذا خطر، ونحن ياسادة لسنا معتادين على التعامل مع هذه المنزلقات الأرضية.
ولان هذه هى أزمة قصر الفنون المعمارية والتى عرقلت الاستمتاع الكامل بالعرض بل تصدرت المشهد العام، علينا مراجعة أسلوب العرض والتنسيق فى قصر الفنون، وتلافى التميز بين الفنانين، وإلغاء العرض فى الممرات وتحت السلالم، وتقليل مساحة عرض اللوحات التصويرية، والأفضل فى الدورات المقبلة استبدال «قصر الفنون» من المعرض العام، واختيار مكان آخر أو تحديد قاعات أخرى لاستكمال العرض أو تقسيم المعرض العام على مجموعة عروض نوعية وليكن ثلاثة عروض متتالية.
ولتجنب الخلاف الأزلى بين الفنانين والمنسقين حول اختيار الأعمال يمكن ان توضع شروط عامة للمشاركة، على سبيل المثال ان يكون الفنان أقام معرضا فرديا فى آخر سنتين ويثبت هذا من خلال وجود كتالوج لمعرضه، وله مشاركات جماعية تؤكد مشاركته المستمرة فى الحركة الفنية، وتلغى الدعوات الخاصة التى يتم إرسالها للفنانين لأنها أصبحت تسبب خلافات مع منظمى المعرض العام والأفضل أن نختلف ونناقش ونتحاور حول الفن المصرى وأين نحن وإلى أين؟ وعيب علينا أن يكون خلافنا حول من وصلته دعوة ومن لم تصله دعوة.