الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

لماذا يثور الأقباط ضد ترشيح أسقف إيبارشية؟




 
منذ انتقال البابا شنودة الثالث بطريرك الكرازة المرقسية إلى الأمجاد السماوية ومنذ اعلان الكنيسة القبطية الارثوذكسية عن فتح باب الترشح لمنصب البطريرك الـ 118 وهناك هجوم كبير على الكنيسة خاصة من شباب الأقباط الدارس لتاريخ كنيستة على المجمع المقدس.
 
لماذا الهجوم؟
 
فوجئ الأقباط الفاهمين والدارسين لتاريخ الكنيسة الارثوذكسية وقوانينها بترشيح مجموعة من أساقفة الايبارشيات لتولى هذا المنصب على الرغم من وضوح قوانين مجمع نيقية بخصوص هذا الشأن والذى ينص صراحة على عدم وجوب ترشح أساقفة الايبارشيات لهذا المنصب لأنه لأبسط الأسباب لا يجوز أن توضع اليد مرتين على نفس الشخص أى ألا تقام عليه صلاة رسامة على منطقتين فى أن واحد لأن البطريرك يكون أسقف الإسكندرية والمسكونة كلها.. وذلك لأن بداية انتشار المسيحية فى مصر بدا من الإسكندرية عندما نزل اليها مرقس الرسول وهو أحد السبعين رسولا الذى أرسلهم المسيح لنشر المسيحية فى العالم.
 
وبالتالى كما لا يجوز فى المسيحية الزواج مرتين كذلك لا يجوز للأسقف أن يجمع بين منطقتين.
 
ومع إصرار المجمع على قبول أساقفة الإيبارشيات ظهرت حركات كثيرة تطالب الكنيسة بالتزامها بالقوانين الكنسية اشهرها «بابا الإسكندرية الـ118» و«حركة الكرسى المرقسى» و«احتراما للقانون الكنسى وتقاليد الآباء، الاتحاد العام من أجل بابا من الرهبان» و«لا لأساقفة الإيبراشيات لمنصب البابا» وغيرها من الحركات المناهضة لهذا الفكر.. ولم تكتف هذه الحركات بتواجدها فقط على صفحات الإنترنت بل دعت إلى وقفات احتجاجية داخل الكاتدرائية المرقسية بالعباسية وكانت آخرها فى أوائل الشهر الحالي.
 
 نظير جيد
 
 والعجيب أن من أكثر من هاجموا تولى أساقفة الإيبراشيات لمنصب البابا كان البابا شنودة الثالث والذى كان قائدا للمجمع المقدس منذ تولية البابوية فى نوفمبر 1971 وحتى رحيلة فى مارس الماضى أى ما يزيد عن 40 عاما وهو من المفترض أنه يبث فيهم تعاليمة واحترامة للقوانين الكنسية ووقوفة ضد القضاء تنفيذا لقوانين الانجيل فى قضية الزواج الثانى والتى لا تختلف كثيرا عن هذه القضية.. وذلك لأن التقليد الكنسى يؤكد أن أسقف الإيبراشية بمجرد رسامته على هذا المنصب ووضع اليد عليه يصبح «بعل» هذه المنطقة أى زوجها ولا يجوز فى المسيحية الانفصال أو الطلاق عنها.
 
ويهاجم نظير جيد «البابا شنودة» فى مجلة مدارس الأحد فى عددها الصادر بتاريخ سبتمبر من العام 1953 أعضاء المجمع المقدس بعد نياحة الأنبا يوساب البطريرك الـ115 قائلا «لقد قلنا من قبل ونقول مرة أخرى وثالثة وسنقول طالما نحن أحياء:
بقاء الكرسي خاليا خير من أن يجلس عليه شخص غير مستحق.. بقاء الرعية بلا راع خير من أن يؤتى بذنب وينصب لها راعيا.
 
 يجب أن تتعدل المادة الأولي من اللائحة المعمول بها الآن بحيث ينص فيها صراح علي جواز ترشيح المطارنة والأساقفة للكرسي البطريركي، ونحن مستعدون لتزويد المجلس الملي بالاثباتات القانونية لهذه النقطة، وبشهادة التاريخ علي ذلك، وبالمحكمة التي علي أساسها لم تختر الكنيسة القبطية طوال تاريخها الماضي مطرانا للكرسي البطريريكي إلا في هذا القرن العشرين».
 
 وإن كان الآباء المطارنة والأساقفة في مجمعهم الذي عقدوه في العام الماضي قد قرروا جواز انتخاب واحد منهم للكرسي البطريركي، فإننا نقول علانية.. إن قرارهم هذا باطل شرعا، بل إن هناك في القوانين الكنيسة نصوصا تقطع الأساقفة الذين يقررون أمرا يختلف مع روح أو نص القوانين الكنسية السابقة.
 
 ونحن نقول أكثر من هذا كله.. إن قوانين الكنيسة لا تمانع في اختيار علماني لمنصب البطريركية في الوقت الذي تمنع فيه اختيار المطارنة لهذا المنصب، وإن تاريخ الكنيسة القبطية يحمل أمثلة اختير فيها أستاذ في الاكليريكية أو شماس أو موظف حكومي، أو تاجر أو أحد الأعيان لمنصب البطريركية بينهما لا نجد مثالا واحدا لمطران اختير بطريركا للكرسي المرقسي، والذي يقرا طقس سيامة البطاركة يلمح فيه صراحة امكان اختيار علمانى للكرسي البطريركي وعدم امكان اختيار المطران.
 
القوانين الكنسية
 
وليس نظير جيد فقط.. بل يقول احد آباء دير القديس ابومقار بوادى النطرون إنه بحسب الوضع التقليدى الذى اقره واعطاه صفة القانون الملزم المجمع المسكونى الأول المنعقد فى نيقية عام 325 فى قانونه الـ15 يؤكد أن اهم مانع وأخطره هو أن يتقدم مرشح ليرسم أسقفا على مدينة الإسكندرية ويكون قد سبق أن وضعت عليه الايادى الأسقفية.
 
 ويشير قائلًا: إن هذا القانون اكده القانون 48 من قوانين الرسل على يد كلمنضس الذى نص صراحة « لاجل من يقسم دفعتين اذا نال أسقف أو قسيس أو شماس قسمتين فليقطع هو والذى قسمه».
 
ويؤكد أنه حتى لو حذفت الصلوات المختصة بوضع الايادى اثناء الرسامة.. فان هذا الحذف يصير مخالفة اخطر لأنه يعتبر تلاعبا بكتب التقليد الكنسى المختصة بالصلوات المقدسة وتعرض مرتكبها والمشارك فى ارتكابها إلى اشد العقوبات الكنسية ويكون المرشح نفسه محروما.
 
ويوضح قائلًا: إن اشهر حادثة فى تاريخ الكنيسة هى قصة القديس غريغوريوس أسقف سازيما الذى انتقل إلى الكرسى الرسولى بالقسطنطينية وقام برسامة بطريرك جديد لها.. فما كان من الكنيسة الا انها قامت بالغاء هذه الرسامة فى القانون الـ15 من مجمع نيقية والقانون 14 و 36 من قوانين الرسل والـ21 و22 من مجمع انطاكية بالإضافة إلى قرار المجمع المسكونى الثانى المنعقد بالقسطنطينية سنة 381 م.
 
ويشير إلى مقولة القديس اثناسيوس واضع قانون الايمان التى يقول فيها «إن الإبراشية قد صارت عروس الأسقف.. فاذا هجرها ليأخذ أخرى، فان هذا يصير طلاقا غير مشروع يعقبة زنى».
 
وضع الكنيسة الآن
 
وفى هذا كله يؤكد كمال زاخر منسق التيار العلمانى أن الكنيسة الآن تمر بظروف صعبة خاصة فى ظل التغيرات التى يمر بها المجتمع المصرى خاصة فى ظل سيطرة التيار الاسلامى.. مؤكدا أن الكنيسة لن تستطيع الآن تغيير لائحة 1957 التى تسمح للاساقفة بالتقدم لهذا المنصب مع العلم أنه فى الوقت الذى وضعت فيه اللائحة لم يكن هناك أسقفه عموم لأن من قام بإعطاء منصب «الأسقف العام» هو البابا شنودة الثالث أى منذ عام 1971 أما الاساقفة الذين كانوا قبل ذلك فهم كانوا أساقفة ايبارشيات.
 
واضاف زاخر أن الكنيسة لن تستطيع الآن تغيير اللائحة لانها ستحتاج موافقة مجلس الشعب وبالتالى ستطول مدة بقاء الكرسى خاليا وهذا امر غير مستحب الآن الا أن قضية تغيير اللائحة يجب أن تكون على رأس اجندة البطريرك القادم.
 
طرق اختيار البطريرك قبل اللائحة
 
يوضح جميل فخرى استاذ تاريخ الكنيسة بمعهد الدراسات القبطية أن اختيار البطاركة منذ بداية المسيحية كانت الكنيسة تقوم برسامة رئيس مدرسة الإسكندرية اللاهوتية والتى انشأها القديس مارمرقس الرسول وذلك لما يتمتع به من ثقافة لاهوتية واسعة، مشيرا إلى أن هذا الوضع ظل مدة طويلة ثم اصبح اختيار البطريرك يتم عن طريق اختياره لأحد تلامذته ويقوم بوضع اليد عليه قبل مماته أو يترك وصية باسم اختيارة لمن سيخلفه.
 
إلا أن هذا اختلف بعد البابا كيرلس الخامس البطريرك الـ113، حيث ظلوا يبحثون عمن هو الاقدر بإدارة الكنيسة فلم يجدوا سوى الأنبا يؤانس أسقف البحيرة وتم اختياره لأنه كان وكيل المطرانية ويعرف كل شىء عن شئون البطريركية.
ويضيف جميل قائلًا: بعد أن توفى قاموا باختيار الأنبا مكاريوس أسقف اسيوط وذلك لقوة شخصيته الا أنه لم يستمر أكثر من 4 سنوات ومن المعروف أنه عندما قام بإبلاغ والدته بكتته قائلا «يا ريت كنت سمعت خبر وفاتك قبل أن أسمع هذا الخبر»، مشيرا إلى أن الرهبان كانوا يسمعون صوت بكائه فى قلايته ليلا وهو يصرخ قائلا « يا خطيتك يا مكاريوس طلقت امرأتك وتزوجت امك» اشارة إلى تركه ايبارشيته وقبوله البطريركية.
 
الطامة الكبرى
 
بعد رحيله تم اختيار الأنبا يوساب أسقف جرجا ليتولى منصب البطريركية وللاسف كان ضعيف الشخصية وتسلط عليه وعلى مقاليد الامور شماسة الخاص «ميلك» حتى إن كان يتحكم فيمن يقابله البابا عن طريق اخذ الرشاوى مما تسبب فى ضيق الكثيرين فقامت جماعة الامة القبطية بخطف الأنبا يوساب وحجزه داخل المستشفى القبطى.. وظلت هناك صراعات كثيرة فى هذه الحقبة إلى أن تنيح وتداركت الكنيسة الوضع وقامت بوضع لائحة 1957 المعمول بها الان.