الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

السورية شهلا العجيلى : الروايات العظيمة علّمتنى الصبر والصمود فى وجه الظلم




 
لا تتعارض حقيقة أننا فى زمن الرواية مع كون القصيدة والقصة صورتين أيقونتين للحياة لا بديل لهما، تسود فيها الرواية الليبرالية لأننا فى مجتمعات تعانى ألوان القهر كلِّها، ولا يمكن أن تجانب الرواية المعرفة فى هذه المرحلة.
 
هكذا كان مطلع حديثها فى دقة شديدة البساطة، لا تُنتجها إلا نظرةٌ متمايزة تُنيرها مرجعية ثقافية شديدة التعقيد والتنوع فى حوارنا مع الروائية والناقدة السورية الدكتورة شهلا العجيلى المولودة فى مدينة الرقّة السوريّة، والحاصلة على الدكتوراه فى الأدب العربيّ الحديث، وتعمل أستاذة للفكر الجماليّ القديم، والأدب الحديث فى قسم اللغة العربيّة فى جامعة حلب.
 
تحاورنا معها فى «روزاليوسف» حول واقع الرواية العربية وروايتها الأحدث «عين الهر» وغيرها من الموضوعات الثقافية، فإلى نَصِّه.
 
■ ما رأيك فى وضع الرواية العربية بالنسبة للرواية العالمية؟
 
- تعيش الرواية العربيّة اليوم أفضل حالاتها من حيث نضجها، واستوائها الفنيّ وتنوّعها، والحالة الليبراليّة التى تكتب بها، مع أنّ كتّابها يخرجون من مجتمعات تمتاز بالتعسف والاستبداد، وهى تعبّر تماماً عن الثقافة التى أنتجتها، وعن هموم وقضايا عناصر تلك الثقافة، وما دام الأمر كذلك ففكرة المقارنة والمعياريّة غير واردة، ففى الدراسات الثقافيّة لا نؤمن بفكرة وجود ثقافة أهمّ من أخرى أو أقلّ منها، لذا فإنّ كلّ أدب يدرس من خلال خصوصيّته، ويعوّل فى انتشاره على الترجمة والتسويق العالميّ، فالرواية العربيّة ليست أقلّ أهميّة فى هذه المرحلة من الرواية فى الآداب الأخرى.
 
■ هل للنقد دور فى هذا الوضع؟
 
- لم يعد النقد اليوم سلطة تطلق معاييرها، التى يكتب فى ضوئها الروائيّون كما كان الأمر فى السابق مع الرومانتيكيّة والواقعيّة الاشتراكيّة والوجوديّة، فلم يعد ثمّة أيديولوجيا كبرى تطلق منظومتها الأخلاقيّة والفنيّة، صار أكثر النقد ترويجيّاً، يتكلّم على النصّ بما فى النصّ، من غير معيار واضح، وأجد أنّ مراجعات الروايات فى بعض الدوريّات صارت أكثر أهميّة بالنسبة للروائيّ من النقد الأكاديميّ، أو النقد المستقرّ فى الكتب.
 
■ ما مدى مصداقية أننا فى عصر الرواية فى رأيك؟
 
- لاشكّ فى ذلك، فالرواية باتت النوع الأدبيّ الأكثر رواجاً، بالنسبة للمتلقّين ولدور النشر، حتّى أنّ العديد من كتّاب القصّة والشعراء تحوّلوا إليها، وهنا نعود لنتكلّم على دور النقد، فلابدّ للنقد من أن يقرع جرس الإنذار منبّهاً إلى خطورة غياب الشعر والقصّة اللذين هما مؤشّران لمدى تيقّظ المجتمعات الثقافيّة وحيويّتها، وقدرة عناصرها على القبض على اللحظات الاستثنائيّة فى الوجود، وعلى ابتكار الصور الأيقونيّة للحياة.
 
■ هل تساهم الجوائز العربية الممنوحة للرواية فى دعم هذا الاعتقاد؟
 
- للجوائز دور كبير فى ذلك، وكذلك للمؤتمرات والملتقيات، وهذا يدخل فيه الجانب النقديّ أيضاً.
 
■ ذكرت فى أحد تصريحاتك أن الرواية ذات الطابع الليبرالى هى السائدة فكيف ذلك؟
 
- نعم، ذكرت أنّ إمكان بقاء الرواية العربيّة وتألّقها، يتأتّى من التناقض بين حالة الليبراليّة الذهنيّة التى يعيشها الكتّاب، فيكتبون عن كلّ شيء غير آبهين بأيّ محظور نسقيّ، سواء أكان دينيّاً أم سياسيّاً أم اجتماعيّاً، فى حين تعانى مجتمعاتهم أنواع القهر كلّها، ويموت أفرادها جرّاء التكفير أو الاعتقال أو جرائم الشرف.
 
■ كيف ترين دور الترجمة فى نقل حضارتنا للعالم، وهل هى مفعلة؟
 
- الترجمة هى السبيل الوحيد لنكون فى العالم، فكما ذكرت، ليس سبب عدم عالميّة رواياتنا هو نوعيّتها، بل هو توصيلها إلى الآخر، وقد لعبت وزارات الثقافات أو الأجهزة الحكوميّة المختصّة، أو اتحادات الكتّاب فى ذلك دوراً كبيراً عبر تاريخ الترجمة، فكان ما يُترجم يخضع لأذواق غريبة، ولاختيارات أساسها الأيديولوجية أو المحسوبيّات وما إلى ذلك من مظاهر الفساد، فما كان يترجم لم يكن الأهمّ، لذلك قلّ رواجه، وحينما تنطّعت جهات خاصّة للترجمة، اختلف المعيار، لكنّ الجهات الخاصّة تبقى محدودة الإمكانات أو الاهتمامات بالنسبة للجهات الوطنيّة الرسميّة، التى من مهمّاتها نقل تراثها وأدبها إلى العالم، وبلا مقابل.
 
■ هل أثر كونك أكاديمية متخصصة فى الأدب على كتابة روايتك (عين الهر)؟
 
استطعت فى (عين الهرّ) أن أنجو من فخّ النظريّة النقديّة، كتبتها برؤية روائيّ لا برؤية ناقد، لكنّ معارفى النقدية خدمت النصّ، فأهميّة الحساسيّة النقديّة هنا تتأتّى من معرفة ما يقال وما لا يُقال، ومن معرفة ما يجذب المتلقّى وما ينفّره، أمّا كيفيّة القول فتعود للرؤية الروائيّة بالدرجة الأولى.
 
■ كان للتراث العربى تأثير واضح على السرد الروائى لديك فما تعليقك؟
 
- لاشكّ فى ذلك، فإنّ ثقافتى الأولى ثقافة تراثيّة، وذاكرتى ذاكرة شعريّة، وهذا جاء من العائلة، ومرجعيّتها الثقافيّة، واهتماماتها، ومع ذلك أدرّس الأدب الحديث، وأكتب الأنواع الأدبيّة الجديدة من قصّة ورواية، أعتقد أنّ مقولة (الذى لا قديم له، لا جديد له) تنطبق على العلاقة مع الأدب أيضاً، ولعلّ تدريسى لبعض المساقات من مثل الفكر الجماليّ القديم، وتاريخ الفنّ، قد ساهم فى صقل ثقافتى التراثيّة، هذا لا يعنى أنّ جملتى دائماً محاكية للتراث، فذلك يخضع فقط للشرط الفنيّ.
 
■ ماذا عن التجربة الصوفية فى روايتك وماذا أردتِ أن تقولى من خلالها؟
 
- للتجربة الصوفيّة فى (عين الهرّ) جذور حقيقيّة، فهى تقليد من تقاليد أسرتى فى المناسبات، بل تقليد من تقاليد ثقافة مدينتى «الرقّة»، ومنطقة الفرات عموماً، وفى روايتى تحدّثت عن التصوّف الشعبيّ، أو التصوّف كما تراه الثقافة غير العالمة، الذى يتضمّن جلسات الذكر، وضرب الشيش، وحلقات المولويّة، لا عن الفكر الصوفيّ وفلسفته، وقد اشتغلت عليها من وجهة نظر امرأة ترقب ذلك العالم، عالم المتصوّفة، من سطح دارها، وتجد فيه خلاصاً لها من القسوة المحيطة بها، فى الوقت ذاته تقع فى هوى واحد من أولئك المتصوّفة، وعبر علاقتها به تكتشف جزءًا مخبّأً من ضعف النفس البشريّة، وزيف النسق.
 
■ اتضحت الجوانب المعرفية والثقافية والجهد البحثى الممزوج بالدراما الروائية فهل كان ذلك اتجاهاً جديداً فى الرواية تودين الولوج إليه ؟
 
- من وجهة نظري، لا يمكن أن تجانب الروايةُ المعرفةَ فى هذه المرحلة، وهنا لم تعد تكفى معرفة الطبائع والأمزجة والعواطف البشريّة، لابدّ من موضوع معرفيّ يشغل المتلقّي، ويغنيه، وهذا الموضوع يتطلّب بحثاً واستقصاء من قبل الكاتب، فلطالما علّمتنى الروايات العظيمة الصيد، أو صناعة القوارب، أو استخلاص الحرير، مثلما علّمتنى الصمود فى وجه الظلم والفقد، وهنا تكمن جماليّات الرواية، ذلك أنّ كلّ إخفاق معرفيّ هو إخفاق جماليّ وبالعكس.