الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

إسماعيل غزالى: غموض الواقع يدهشنى و النظر إليه بعين اليقين حماقة

إسماعيل غزالى: غموض الواقع يدهشنى و النظر إليه بعين اليقين حماقة
إسماعيل غزالى: غموض الواقع يدهشنى و النظر إليه بعين اليقين حماقة




حوار – خالد بيومي
إسماعيل غزالى من أبرز الأصوات الروائية والقصصية فى المغرب ويمتلك بنية سردية تتلبس الواقع وتسبر غور المسكوت عنه، يستخدم مجموعة من التقنيات الفنية والاستعارات والتنويعات لإنتاج أزمة الواقع وتأطيره برؤية تختزل أبعاده ومؤثراته وصولاً إلى نوع من كسر أفق التوقع على حد تعبير هانز ياوس ويدمج فى كتاباته بين الواقعى والأسطورى ويسقط الحد المتوهم بينهما» من أعماله القصصية: عسل اللقالق، عن جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابى بالخرطوم عام 2011، لعبة مفترق الطرق، بستان الغزال ومن أعماله الروائية: خرير الأحلام، صرير الكوابيس، موسم صيد الزنجور التى وصلت للقائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية عام 2014 لذا كان لنا حوار معه:

■ «موسم صيد الزنجور» هو عنوان روايتك (التى صدرت طبعاتها الثالثة حديثا) العنوان إشكالى ظننا للوهلة الأولى أن موضوع الرواية اقتصادى بحت لماذا هذه المراوغة؟
ما قيمة عنوان إن لم يكن يضمر مكرا وغدرا، ثمة أثرٌ ملتبسٌ فى العنوان، يستدرج قارءه إلى لعبة ما، فهناك موسم من جهة أولى، وهناك صيد الزنجور من جهة ثانية.
أغلب من مرّو على مثلث العنوان، فى أوّل وهلة، استوقفتهم كلمة «الزنجور» الغريبة، واعتقدوا الزنجور حيوانا برّيا وليس سمكا.
أشكال العنوان وفق توصيفك، ليس فى ما يحيل عليه من علامات مضمرة أومعلنة، دانية أوقاصية، سواء كانت اقتصادية أوغيرها، بل أظن أن خيط الغرابة معقود طرفه الأول (بشكل سديمى) إلى ذيل كلمة ( زنجور) المبهمة .
■ أجواء الرواية أسطورية وتتماس مع عالم الواقعية السحرية.. ألا يعد ذلك هروبا من قسوة الواقع ؟
الواقع ليس محض شيء جاهز، والحماقة كامنة فى النظر إليه بعين اليقين كحقيقة ثابتة.. ما هوالواقع أولا؟ حتى نطلق حكما على نصّ  ما بأنه يهرب أو يدنو منه.
الواقع معضلة يا صاح، وليس ثمة فيه ما هو واضح حتى أتعامل معه باطمئنان، فغموضه المدهش يحيرنى على الدوام، وألغازه الشاهقة تعصف بذهنى وتؤرقنى، بصرف النظر عن بشاعته أوجماله .
الرواية تلتفت إلى الغرابة الهائلة التى تطوق حياتنا اليومية ولا نكاد ننتبه إليها. هى غرابة تفخّخ واقعنا الهلامى إذا  وليست غرابة مفتعلة أو تنتمى لمدار غير إنسانى.. عندما نمعن فى وجودنا، نكتشف أننا نعيش فى واقع غريب، ومدهش، أشدّ أسطورية مما نصفه بالأسطورى والخرافى بلغة المنطق والعقل.
إذا فما هو واقعى سحريّ أوفانتازى ليس يناقض الواقع بالضرورة، بل هوواقع مضاعف. وأن تكتب هذا النوع من الأدب الخطير، معناه أنك تغامر بالكشف عما يتوارى خلف الواقع الشائع والسائد، إنك تضيء مناطق مجهولة، صادمة ومذهلة، تخلخل النظرة المطمئنة إلى الوجود والحياة والإنسان.
■ بطل الرواية موسيقى فرنسى..فهل هذا له علاقة بالاستشراق الفرنسى واكتشاف طبيعة الحياة فى الشرق ؟
ص بطل الرواية خلاسى، بمعنى أنه من أب فرنسى وأم مغربية، ظلت أمه مجهولة بالنسبة إليه لأنها توفت لحظة ولادته، دون أن يخبره أبوه عن سيرتها بوضوح كما ينبغى، فكانت أمه وبلدها المغرب معا، لغزا أو أفقا غامضا له، يغويه اكتشافه، لأن المغرب فى كل الأحوال، ضلع أساسى من هويته المزدوجة، أو لنقل المتعددة.
لا يتعلق الأمر بنظرة استشراقية هنا، فما يجهله عازف الساكسافون عن (بحيرة أكلمام أزكزا) كمنطقة أطلسية سحرية وكذريعة أيضا لأفق جمالى غامض ، يجهله أغلب المغاربة أنفسهم عن المكان، وكذلك الشرق برمته.
■ بطلة الرواية «شامة» تعانى من العديد من الانتهاكات والعقبات المأساوية.. فهل هى المعادل الموضوعى للأمة العربية؟
- للتأويل أن يكون منزاحا ومفتوحا، فلن أقيده برؤيتى الخاصة،  «شامة» أو «فتاة البحيرة» فى موسم صيد الزنجور، حكاية مأساوية تتطابق مع حيوات الغجر/ الرُّحل، فى الجغرافيات الضارية التى تعانى من فداحة النسيان، ليس فى وطننا العربى وحده، بل فى كل العالم.
 ■ لغة الرواية شاعرية.. ما مصدر هذه اللغة الشعرية؟
- شعرية موسم صيد الزنجور لا تتوقف عند حدود اللغة، بل إن التفاعل الهارمونى فيما بين عناصر الرواية بالمجمل، أوكلية، هوما يبتدع هذه الشعرية.
ما يصنع شعرية العمل لا يتوقف أيضا عند ما هو تخيلى وأدبى محض، بل ثمة أثر دامغ للشعرية متخلّقٌ عن أدوات أخرى، كالرياضيات والفيزياء والهندسة وهو ما يبتكر فى المجمل، شعرية مضاعفة، كامنة أسرارها فى الموسيقى.
أى نعم، يمكن النظر إلى (موسم صيد الزنجور ) ككتاب فى الرياضيات أوالهندسة وليس فقط كتابا سرديا أوحكائيا أوأدبيا.
لكن، النظرة الأوفى والأمثل إلى الرواية، هى أنها كتاب فى الموسيقى.
أن يكون نص (موسم صيد الزنجور) مؤلفا موسيقيا، لا يستند إلى أن أحد شخوصه الأساسيين، عازف ساكسافون. ليس هذا هوالقصد.
بل الرواية ككل، هى محض خطاطة موسيقية (فهل هى سمفونية أم كونشرتوأم سوناتا؟)
■  هناك حضور قوى للثنائيات: البحيرة واليابسة، الحب والكراهية، الكهولة والشباب، العربى والأجنبى.. فهل هذه نظرة صوفية للوجود؟
- الحضورُ المفارقُ للثنائيات فى العمل لا علاقة له بمنطق الأزواج الميتافيزيقية، بالتأكيد هناك عزلة ضارية، وتخييل إنسانى يتماهى مع تخيل الماء والنبات والوحش .
إن كنت تراها نظرة صوفية للوجود، فلن أعدم رؤيتك هذه، بشرط أن تكون النظرة جمالية صرفة، منسلخة تماما عن كل ما هودينى.
أما إن كنت تسأل عن نظرتى أنا، فالرواية تنوب عنى فى الإفصاح بها بشكل إيحائى دامغ.
 ■  هناك تعدد للحكايات داخل الرواية .. ألم تخشى تشظى وتفتت البناء المعمارى للرواية ؟
بالعكس قوة الهندسة المعمارية لرواية موسم صيد الزنجور تحتكم إلى تعدد الحكايات، وهو تعدد محبوك بشكل متاهيّ.
متاهية الحكايات فى الرواية، يحكمها نسق هارمونى دقيق (هل هو بوليفونى يا ترى؟) لا شىء مقحم فيه على سبيل الزيادة، وأن تكون هندسة الحكاية محسوبة بإحداثيات رياضية دقيقة تماما، لا يعنى أنها كانت جاهزة سلفا، بالعكس، هى نشأت لحظة كتابة النص لا غير،  فتوازى تخطيطها  مع اللذة الآنية التى كانت تتخلق عن المغامرة الجسورة للخيال.
عندما أكتب، فأنا أخاطر بخيالى فيما وراء الحدود، لا خشية فى التشظى والتفتت، لأن الانشطارات كيفما بدت متشعبة وهائلة، فثمة مدار خفيّ يواشج بينها، إذ يوائم بين جزرها الشاردة ضمن أرخبيل جامع. ما يبدو متشظيا منفلتا وعبثيا فى البداية، يتضح فى النهاية أن وجوده فى العمل  ليس محض مصادفة أو اعتباط، بل يحتكم إليه النص برمته فى استيفاء معناه وقيمته، ولا غنى عنه فى استكمال غرابة الهندسة وسحرية المتاهة.