الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«الضبطية الدينية» فى «الدولة المدنية»

«الضبطية الدينية» فى «الدولة المدنية»
«الضبطية الدينية» فى «الدولة المدنية»




كتب -  عاطف بشاى

تمخض الجبل فولد فأراً وانقساماً وتضارباً واشتباكاً.. وتطاحناً ينذر بخطر جسيم يلقى بظلاله الكثيفة على الأسر المسيحية المصرية وينعكس على الكنيسة الأرثوذكسية تصدعاً وانعداماً لمصداقية ما يصدر عن مؤسستها العريقة من قرارات لا تتسق مع منطق الحياة الاجتماعية والواقع المعاش.. ومع روح الإنجيل نفسه ووصايا السيد المسيح بل إنها فى توجهها العام تصب فى اتجاه تكريس ركائز الدولة الدينية استقلالاً عن الدولة المدنية التى – من المفروض – أننا نعيش فى كنفها.. بل لعلنا لا نبالغ إذا قلنا أنها تنجرف فى اتجاه تدعيم وهابية الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
ذلك أنه بتوالى تداعيات الصراع المحتدم بين الكنيسة والمتضررين من قانون الأحوال الشخصية الجائر الذى ترفض فيه الكنيسة الطلاق إلا لعلة الزنى.. والتضييق فى منح الضحايا تصريحاً بالزواج الثانى.. سعت الكنيسة فى تصور منها لفض الاشتباك وترضية الثائرين إلى إصدار مشروع قانون جديد صادم للأحوال الشخصية.
وبدلاً من العودة إلى لائحة (1938) الرحيمة التى ألغاها قداسة البابا شنودة واستمر على نهجه البابا «تواضروس» والتى استندت على ثمانية أسباب تتيح الطلاق منها الزنى والعجز الجنسى والشذوذ والجنون.. والسجن وعدم الإنجاب والاختفاء لسنوات واستحكام الخلاف بما يستحيل معه دوام المعاشرة.. وهو ما أدى إلى تفاقم المشاكل فلم يعد أمام التعساء من الذين يعانون من حياة زوجية بائسة إلى تغيير الدين أو الانتحار أو الانهيار النفسى والعقلى.. أو ارتكاب الجرائم مثلما حدث منذ فترة مع فتاة سكندرية كان زوجها يعانى من عجز جنسى فأسقط عجزه عليها ضرباً وعدواناً وإهانة.. ثم قتلها فى حجرة فندق.. وفر إلى المطار قاصداً أمريكا.. وخاطب إدارة الفندق هاتفياً وهو فى الطائرة معترفاً لهم: «أفتحوا الغرفة رقم كذا ستجدون جثة زوجتى سابحة فى دمائها.. لقد قتلتها لأنه لا وسيلة لطلاقها فى ظل قوانين الأحوال الشخصية لغير المسلمين.. وبعد ساعات سأكون فى أمريكا حيث لا اتفاقية بينها وبين مصر لتسليم المجرمين.. وسوف أتزوج من جديد».
أقول أنه بدلاً من العودة إلى لائحة (1938) خرج مشروع القانون الجديد ليتوسع فى مفهوم الطلاق القائم على علة الزنى.. لا التوسع فى مفهوم الطلاق المتعدد الأسباب.. وتدعيمه والانتصار له اعترافاً بخطأ الكنيسة وتزمتها وعنتها وصلفها فى التعامل مع «المقهورين فى الأرض» من التعساء بسبب زيجات فاشلة..
 فكيف كان هذا التوسع فى مفهوم الطلاق القائم على علة الزنى؟!
تمخضت القريحة الألمعية لسلاطين الكاتدرائية عن مجموعة من النقاط تتركز على شرح مفهوم «الزنى الحكمي» والتوسع فيه حيث أن اللائحة الجديدة تعتبر الرسائل الإلكترونية ورسائل الهاتف المحمول من ضمن الإشارات التى تؤدى إلى الزنى الحكمى كذلك الأمر بالنسبة إلى المحادثات من خلال برنامجى «فايبر» و«واتساب» كذلك الحديث عبر مواقع التواصل الاجتماعى وعلى رأسها «فيس بوك» بل إن المفاجأة التى لا يتوقعها خيال مؤلف مسلسلات كوميدية هى ضبط الزوج أو الزوجة للطرف الثانى مع شخص آخر فى أماكن عامة.. وفى السينما على وجه الخصوص باعتبار السينما وكرًا للعشاق وليس مكاناً لارتياد جمهور يشاهد فناً.. بل ماخور لارتكاب الفحشاء يعتلى فيها الذئب «المشاهد» العاهرة «المشاهدة» مثلما يعتلى فيه الممثل الممثلة على نحو ما أورده «عبد الله بدر» فى حق الفنانة «إلهام شاهين» ودخل السجن بسببه.
وطبعاً لن يتم ذلك إلا من خلال مراقبة الزوج المخدوع لزوجته اللعوب بتحريض مسبق من الكاهن الذى يتولى بحث ملفه.. وللقارئ أن يتصور كيف أن إقرار مبدأ هذه الضبطية الدينية – إذا جاز التعبير – يتم ليس من خلال السلطات المدنية.. بل بتصريح للكاهن المسئول عن الأحوال الشخصية (الأنبا بولا الذى يقوم هنا بدور ضابط المباحث ووكيل النيابة والقاضى والنائب العام والطبيب النفسى والأخصائى الاجتماعى ورئيس قسم محاكم التفتيش وعميد أكاديمية «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» فى آن واحد.. ويصدر أحكامه القاطعة فى أخطر وأدق وأكثر الأمور الزوجية حساسية وتعقيداً فيتحكم بذلك وحدة فى مصير آلاف من أسر البؤساء وثقيلى الأحمال الذين يتوقون إلى لحظة الخلاص أو إلى حل إنسانى يخلصهم من عذاباتهم فيواجهون بقرارات قمعية قاسية تخاصم حقوق الإنسان حيث تجبرهم على أوضاع معيشية لا يرغبونها – خاصة أن المسئول راهب لا علاقة له من قريب أو بعيد بتفاصيل الحياة الزوجية وليس له صلة وثيقة بالعلوم الإنسانية.
ومن الواضح إذاً أن البابا «تواضروس» الذى أكد عند جلوسه على الكرسى المقدس خلفاً للبابا شنودة أنه سوف يفتح النوافذ والأبواب لحلول إنسانية لمشاكل الأحوال الشخصية قد اصطدم بالفكر القديم الذى يستميتون لتثبيت ركائز مملكته وسلطاته العتيدة وتقويض أى تطور حقيقى فى وقت لا نحتاج فيه أن نؤكد أنه لن ينهض الخطاب الدينى من كبوته ولن يصبح للروح عقل تدار به تلك المؤسسة العريقة إلا إذا آمن أهل  «الإكليروس» من القساوسة أن العمائم والذقن.. وأردية الكهنوت وكتب «الطقوس» القدسية القديمة لا تكفى وحدها لقيادة سفينة تعانى من تداعيات أشرعة من الجمود العقلى والمسلمات العتيقة.