الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«روزاليوسف» ترصد حكاية مصنع سماد متوقف منذ 10 سنوات

«روزاليوسف» ترصد حكاية مصنع سماد متوقف منذ 10 سنوات
«روزاليوسف» ترصد حكاية مصنع سماد متوقف منذ 10 سنوات




تحقيق وتصوير - هبة حسنى
إهدار للمال العام.. فعلى مساحة 12 فدانا فى حى الزهور بمحافظة بورسعيد يقع مصنع سماد مهجور منذ 10 سنوات بعزبة أبوعوف والذى كانت تديره شركة تحمل اسم «مصر سيرفس للخدمات البيئية»، ولكنها فشلت فى تدوير القمامة وتحويلها لسماد عضوى، ونتيجة طبيعية لإيقافها العمل به من تلقاء نفسها فقد تهالكت المعدات والآلات، حيث لم تتكفل بأعمال صيانة المصنع طوال فترة تعاقدها مع المحافظة، كما لم تتكلف شراء معدات التشغيل من زيوت وتشحيم، وفسخت المحافظة تعاقدها مع الشركة قبل انتهاء مدتها وترك المصنع 10 سنوات دون الاستفادة منه حتى تراكمت القمامة فى شوارع المحافظة، وهو من بين 63 مصنع سماد فى مصر متوقفة عن العمل حسب تصريحات د. ليلى اسكندر وزيرة التطوير الحضرى والعشوائيات.

ثم جاءت منظومة الفصل من المنبع لتعيد مصنع التدوير إلى الحياة والعمل مرة أخرى وهى مرحلة مهمة جدا إذ إنها أساس منظومة النظافة المتكاملة، وتوعية السكان هى الخطوة الأهم قبل تنفيذ إعادة تدوير المخلفات.
«روزاليوسف» تجولت داخل مصنع السماد المهجور، وفى حرم محطات الفرز التى تبعد 7 كيلو مترات عن المصنع، إذ يتم فيها فرز الكيس الصلب وفصل البلاستيك والكرتون والمعادن، لتتم إعادة تدويرها بطريقة نظيفة وآمنة، فى حين يتم فصل المخلفات العضوية ونقلها مباشرة لمصنع السماد لتتم إعادة تدويرها لإنتاج سماد نظيف غير مسرطن، وأعادت تلك المنظومة أول مصنع من المصانع المتوقفة وطرحت حق انتفاعه للمستثمرين، وكان لـ«روزاليوسف» مبادرة رصد تلك التجربة التى ستطبق تباعا لإيقاظ المصانع المتوقفة من ثباتها العميق من أرض الواقع.
وقبل الوصول إلى المصنع مررنا بالجراج السابق لإحدى شركات الخدمات والذى تحول لمحطة للفرز، وكان فيما سبق مدفنا للقمامة المختلطة، وجدناها أرضا فضاء مساحتها شاسعة وبها أطنان من القمامة التى مر عليها سنوات، ولم تعد تصلح للتدوير بسبب إهمال الشركة التى كانت تتولى الجمع السكنى وإدارة مصنع السماد من قبل، فى حين ظهرت عربات نقل القمامة الخاصة بالشركات المتعاقد معها مؤخرا واحدة تلو الأخرى محملة بالنفايات ليقوم العاملون بفرزها بتلك المنطقة الفارغة من القمامة المتخمرة، فصل القمامة فى محطة الفرز لا يستغرق الكثير من الوقت ولكنه يستلزم الدقة لمنع خلط المخلفات العضوية بالصلبة تسهيلا للخطوة التالية التى ستطبق بمجرد استلام المستثمر الجديد لمصنع السماد وتجديده.
يطلق العاملون على محطات الفرز اسم محطات المناولة اذ تتجمع بها المخلفات الصلبة والعضوية كل على حدة، تمهيدا لمناولتهم لمصنع تدوير المخلفات الصلبة بالمحطة الوسيطة بمقلب العزبة لتحويلها لوقود بديل، أو مناولتهم للمصنع الذى سيتولى تحويلها لسماد عضوى، يصلح لتسميد مئات الأفدنة الزراعية.
وبخلاف قطعة الأرض التى يتم عليها الفرز يوجد 6 عنابر مقسمة إلى جزءين لتخزين المواد الصلبة من المخلفات بعد الفرز، أما العضوى منها فمن المفترض أن يتخمر فترة تتراوح بين شهر وثلاثة أشهر قبل التدوير.
ومن محطات الفرز انتقلنا للمصنع المهجور منذ قرابة عشر سنوات حاولنا الدخول من بوابته الرئيسية ولكن فوجئنا بتلال من الأنقاض والصخور والأتربة التى تحاصر بوابته على ارتفاع شاهق، وكانت المحافظة قد أغلقته منعا لاستغلاله فى عمليات التهريب لقربه من بحيرة المنزلة، واضطررنا فى النهاية للدخول من بوابة محطة الصرف الصحى المتاخمة للمصنع، وبالرغم من وجود مقطورة ذات 6 عجلات تقف أمام البوابة الثانية، إلا أننا مررنا بصعوبة، وفى الداخل كانت الكارثة.
فعلى مرمى البصر تجد مساحة كبيرة غير مستغلة والمتبقى من الـ 12 فدانا تقف فيها الآلات الثابتة والمتحركة كالأشباح، فى البداية تجد الميزان تراكمت عليه أكوام من القمامة المتعفنة، ويجلس إلى جواره حمار لا يعلم أحد بكيفية وصوله إلى داخل المصنع، ثم السير الصاعد وسير الفرز وقد أكلهما الصدأ، وتراكمت عليهما الأتربة وبقايا المخلفات، كذلك الحال بالنسبة لباقى مكونات المصنع من سيور الفرز واللاقط المغناطيسى والمنخل الخشن الدوار والناعم، وسيور المرفوضات والمكبس والقادوس الذى يستخدم فى التعبئة بعد خروج السماد فى شكله النهائى، كلها طالها الإهمال وعبثت بها العوامل الجوية، فلم تعد تصلح لشىء، والمصنع الذى كان يستوعب عشرات العمال أصبح مهجورا ينتظر التجديد القادم مع المنظومة الجديدة للتدوير، وهذا بالضبط حال مصانع الأسمدة المتوقفة عن العمل الموجودة بجميع محافظات مصر والبالغ عددها 63 مصنعا.
قصة المصنع من البداية يرويها أشرف الكسار - مدير وحدة التطوير الحضرى والعشوائيات بمحافظة بوسعيد - حيث تم إنشاؤه بمنحة أمريكية عام 1997 وقت تنفيذ محطة الصرف الصحى غرب بورسعيد، بهدف تحسين نوعية السماد العضوى الصالح للزراعة، بطاقة إنتاجية 15 طنا فى الساعة، ويعمل بالطاقة الكهربائية للآلات الثابتة والسولار لكافة المعدات المتحركة، وعام 2002 تولت شركة مصر سيرفس أعمال النظافة وتشغيل المصنع، وأضر النظام الذى اتبعته الشركة بنظام الجمع السكنى حيث كانت ترفع القمامة من الشوارع فقط دون المرور على الوحدات السكنية، فكان السكان يلقون بالمخلفات والقاذورات فى أى مكان مما سمح للحيوانات الضالة بالنبش فيها وساءت أحوال النظافة، وأصدر محافظ بورسعيد القرار رقم 440 لسنة 2012 بفسخ التعاقد مع الشركة وتركها للمدفن العمومى والمقلب العام ومصنع السماد لعدم قدرتها العمل بما يتوافق مع الصالح العام.
ومؤخرا شكلت المحافظة لجنة لإعادة تشغيل المصنع، وقدرت تكلفة تطويره بـ4 ملايين جنيه وطرحته المحافظة للمستثمرين بعد أن اطمئنوا لتشغيل منظومة الفصل من المنبع التى ستسهل عليهم الحصول على مخلفات عضوية دون مخلفات أخرى دخيلة.
ويضيف: من المميزات التى ظهرت مع التطبيق زيادة أجر عامل النظافة لـ 1200 جنيه بعد أن كان 600 جنيه فقط، ومن المرجح استبدال زى العمال بزى موحد لاحترام أدميتهم، ولاقى المشروع إقبالا كبيرا من قبل شباب الجامعات للرصد والمتابعة كما أن هناك تحفيزا سيجرى تفعيله خلال الأشهر القليلة القادمة يتمثل فى نقاط تضاف لرصيد البطاقات التموينية للمواطنين.
وبسؤال المهندس محمود البربرى - خبير فنى فى تركيبات خط الأسمدة - تبين أن المصنع الواحد يتكلف انشاؤه ما يزيد على 15 مليون جنيه للخط الواحد ليصبح قادرا على تدوير 10 أطنان من المخلفات فى الساعة الواحدة.
وعلى أرض الواقع أكدت ورد التونى - مديرة إحدى شركات الخدمات البيئية ببورسعيد - أن 60% من سكان المحافظة تعاونوا بالفعل فى تنفيذ منظومة الفصل من المنبع، وأن الشركة تتقاضى أجرها من الأحياء المتعاقد معها من قبل وزارة التطوير الحضرى وليس من السكان، وأن الوردية الواحدة للعامل تصل إلى 8 ساعات، ويتم الجمع يوما بعد يوم للقمامة من الوحدات السكنية.
وأشار نهاد محمد - مدير إحدى شركات الجمع السكنى ببورسعيد - إلى أن توعية السكان هى العامل الرئيسى الذى سينهض بمنظومة الفصل من المنبع ويحكى أنهم فى الأساس كانوا يعملون بجمع القمامة بشكل عشوائى، حيث يفرز الزبال القمامة فى الشوارع أو الصناديق مما كان له الأثر السلبى على المظهر العام بشوارع المحافظة بتراكم القمامة بها.
أحمد بدوى - مسئول تطبيق منظومة الفصل من المنبع ببورسعيد - أن السكان متعاونون فى تطبيق المنظومة خاصة بعد حملات التوعية التى تمت بمراكز الشباب والمدارس والجامعات، بعد أن واجهت الفترة التحضيرية للمشروع بعض المشاكل منها تخوف رؤساء الأحياء من تعديهم للمخصص المالى للحى، خاصة أن كل حى سيتعاقد مع عدد من الشركات، لذلك حصلنا على موافقة مجلس الوزراء بالتعاقد بالأمر المباشر مع الشركات خاصة بعد أن تحملت الوزارة كافة التكاليف، كما كان بعض النباشين يسعون لإيقاف المنظومة ولكن تغلبنا على الأمر بضمهم لشركات الجمع السكنى أو تكوين شركات خاصة بهم لها وضعها القانونى.
وأفادت الدكتورة مها البشير- مسئولة قطاع المخلفات الصلبة بوزارة التطوير الحضرى والعشوائيات - أن فريقًا من الوزارة زار محافظة بورسعيد، لمتابعة تطبيق المنظومة المتكاملة لإدارة المخلفات بالمحافظة، وأضافت أن منظومة الفصل من المنبع تتم عن طريق 17 شركة مهيئة ضمت شباب الجامعات و452 من عمال النظافة والنباشين، وتم توقيع عقود مع رؤساء أحياء ببورسعيد هى شرق، المناخ، الضواحى، والعرب، والزهور، والجنوب ومدينة بور فؤاد لتصبح المنظومة مطبقة فى كافة أنحاء المحافظة وتم تدريبهم على وسائل الاتصال والتواصل وكيفية توعية السكان بالمنظومة، وبالفعل بدأ الجمع السكنى مؤخرا، وخفض ذلك من القمامة فى الشوارع بشكل ملحوظ.
وقالت إن منظومة الفصل من المنبع لها أهمية، خاصة بالنسبة لشركات السماد العضوى، لأنه لكى يتم إنتاج سماد صحى لابد من أن تكون المخلفات العضوية مفصولة بطريقة نظيفة آمنة خالية من السموم، وأنه سوف يتم تطبيق المنظومة تباعا فى محافظات السويس والقليوبية والإسماعيلية والشرقية والمنيا والاسكندرية والفيوم وبنى سويف وسوهاج وقنا والأقصر ودمياط والغربية.
ومن جانبه أكد علاء الدين على - مسئول المتابعة والرصد بالتطوير الحضرى- أنه تم تقسيم الوحدات السكنية بكل حى بحيث تراوحت من 5 إلى 7 آلاف وحدة لكل شركة بحيث يتحمل العامل الجمع من قرابة 250 وحدة سكنية.
وتحملت الوزارة المقابل المادى للخدمة بالكامل ووصلت لـ 15.3 مليون جنيه بما يقابل 6 جنيهات للوحدة السكنية شهريا وستستمر فى تمويل المنظومة بالكامل لمدة عام واحد على أن تجد المحافظة فى تلك الفترة مصدرا آخر للاستمرار فى تمويل منظومة الفصل من المنبع.