الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إحياء الليل.. والاعتكاف.. وإيقاظ الأهل من هدى النبى فى العشر الأواخر من رمضان

إحياء الليل.. والاعتكاف.. وإيقاظ الأهل  من هدى النبى فى العشر الأواخر من رمضان
إحياء الليل.. والاعتكاف.. وإيقاظ الأهل من هدى النبى فى العشر الأواخر من رمضان




كان النبى يخص العشر الأواخر من رمضان بأعمال لا يقوم بها فى بقية الشهر، ومن هذه الأعمال إحياء الليل، ففى حديث عائشة قالت: «كان النبى يخلط العشرين بصلاة ونوم، فإذا كان العشر  - يعنى الأخير -  شمَّر وشدَّ المئزر» رواه أحمد، ويحتمل أن يراد بإحياء الليل إحياء غالبه، ويؤيده ما فى صحيح مسلم عن عائشة، قالت: «ما أعلمه قام ليلة حتى الصباح».

كما كان يحرص النبى صلى الله عليه وسلم على الاعتكاف، ففى الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها أن النبى  كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى، وفى صحيح البخارى عن أبى هريرة رضى الله عنه، «كان رسول الله يعتكف فى كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذى قُبض فيه اعتكف عشرين» وإنما كان يعتكف النبى   فى هذه العشر التى يُطلب فيها ليلة القدر، قطعًا لأشغاله، وتفريغًا لباله، وتخليًا لمناجاة ربه وذكره ودعائه.
ويقول علماء الأزهر إن المعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره، وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه، وعكف بقلبه وقالبه على ربه وما يقربه منه، فما بقى له هم سوى الله وما يُرضيه عنه، وكما قويت المعرفة والمحبة له والأنس به أورثت صاحبها الانقطاع إلى الله تعالى بالكلية على كل حال.
ومن أعمال النبى أيضًا فى العشر الأواخر أنه كان يوقظ أهله للصلاة فى ليالى العشر دون غيرها من الليالي، قال سفيان الثورى: أحب إليَّ إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل، ويجتهد فيه، ويُنهض أهله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك، وقد صح عن النبى أنه كان يطرق فاطمة وعليّا ليلا فيقول لهما: «ألا تقومان فُتصليان» رواه البخارى ومسلم، وكان يوقظ عائشة بالليل إذا قضى تهجده وأراد أن يُوتر.
 وورد الترغيب فى إيقاظ أحد الزوجين صاحبه للصلاة، ونضح الماء فى وجهه، ففى الموطأ أن عمر بن الخطاب كان يصلى من الليل ما شاء الله أن يصلي، حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة، يقول لهم: الصلاة الصلاة، ويتلو هذه الآية:   وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا  [طه:132].
وكانت امرأة أبى محمد حبيب الفارسى تقول له بالليل: (قد ذهب الليل وبين أيدينا طريق بعيد، وزادنا قليل، وقوافل الصالحين قد سارت قدامنا، ونحن قد بقينا).
يا نائما بالليل كم ترقد *** قم يا حبيبى قد دنا الموعد
وخُذ من الليل وأوقاته *** ورِدا إذا ما هجع الرُّقد
من نام حتى ينقضى ليله *** لم يبلغ المنزل قبل أو يجهد.
كما ورد فى السيرة النبوية أن النبى  صلى الله عليه وسلم فى العشر الأواخر كان يشدُّ المئزر، واختلفوا فى تفسيره؛ فمنهم من قال: هو كناية عن شدة جدِّه واجتهاده فى العبادة، وهذا فيه نظر، والصحيح أن المراد اعتزاله للنساء، وبذلك فسره السلف والأئمة المتقدمون ومنهم سفيان الثوري، وورد تفسيره بأنه لم يأوِِ إلى فراشه حتى ينسلخ رمضان، وفى حديث أنس: «وطوى فراشه، واعتزل النساء».
وقد قال طائفة من السلف فى تفسير قوله تعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ  [البقرة:187]: إنه طلب ليلة القدر، والمعنى فى ذلك أن الله تعالى لما أباح مباشرة النساء فى ليالى الصيام إلى أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أمر مع ذلك بطلب ليلة القدر؛ لئلا يشتغل المسلمون فى طول ليالى الشهر بالاستمتاع المباح، فيفوتهم طلب ليلة القدر، فأمر مع ذلك بطلب ليلة القدر بالتهجد من الليل، خصوصا فى الليالى المرجو فيها ليلة القدر، فمن هاهنا كان النبى يصيب من أهله فى العشرين من رمضان، ثم يعتزل نساءه ويتفرغ لطلب ليلة القدر فى العشر الأواخر.
كما ورد أن النبى كان يحرص على السحور فى العشر الاخيرة من رمضان فى وقت السحر فقد رُوى عنه من حديث عائشة وأنس أنه كان فى ليالى العشر يجعل عشاءه سحورا، ولفظ حديث عائشة: «كان رسول الله إذا كان رمضان قام ونام، فإذا دخل العشر شدَّ المئزر، واجتنب النساء، واغتسل بين الأذانين، وجعل العشاء سحورا». رواه ابن أبى عاصم.
 وعن أبى سعيد الخدري، عن النبى، قال: «لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر»، قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله؟ قال: «إنى لست كهيئتكم، إنى أبيت لى مُطعم يُطعمنى وساقٍ يسقيني». رواه البخاري.
وظاهر هذا يدل على أنه   كان يواصل الليل كله، وقد يكون   إنما فعل ذلك لأنه رآه أنشط له على الاجتهاد فى ليالى العشر، ولم يكن ذلك مضعفا له عن العمل؛ فإن الله كان يطعمه ويسقيه.
كما كان يحرص النبى على الاغتسال   بين العشاءين، وقد تقدم من حديث عائشة: «واغتسل بين الأذانين» والمراد: أذان المغرب والعشاء.
قال ابن جرير: كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالى العشر الأواخر.
وكان النخعى يغتسل فى العشر كل ليلة، ومنهم من كان يغتسل ويتطيب فى الليالى التى تكون أرجى لليلة القدر.
وكان أيوب السختيانى يغتسل ليلة ثلاث وعشرين وأربع وعشرين، ويلبس ثوبين جديدين، ويستجمر ويقول: ليلة ثلاث وعشرين هى ليلة أهل المدينة، والتى تليها ليلتنا، يعنى البصريين.
فتبين بهذا أنه يستحب فى الليالى التى ترجى فيها ليلة القدر التنظف والتزين، والتطيب بالغسل والطيب واللباس الحسن، كما يشرع ذلك فى الجُمع والأعياد، وكذلك يُشرع أخذ الزينة بالثياب فى سائر الصلوات، ولا يكمل التزين الظاهر إلا بتزين الباطن بالتوبة والإنابة إلى الله تعالى، وتطهيره من أدناس الذنوب؛ فإن زينة الظاهر مع خراب الباطن لا تغنى شيئًا.
ولا يصلح لمناجاة الملوك فى الخلوات إلا من زين ظاهره وباطنه وطهرهما، خصوصا ملك الملوك الذى يعلم السر وأخفى، وهو لا ينظر إلى صوركم، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، فمن وقف بين يديه فليزين له ظاهرة باللباس، وباطنه بلباس التقوى.
إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقوى *** تقلب عُريانا وإن كان كاسيا.