الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

روائع السنة النبوية فى عيد الفطر ـ الحلقة الرابعة والعشرون




يعقب شهر رمضان احتفال المسلمين بعيد فطرهم بعد عناء الصوم، فقد شرع الله لنا عيدين الفطر والأضحى، ليفرح المسلمون بمغفرة الله ورضوانه عليهم بعد ما تكبدوه من صيام وقيام واعتكاف وأداء للعمرة لمن أداها، فكما نعلم أن نبينا قال [اعتمرى فيه فإن عمرة فيه تعدل حجة].
والاحتفال بالعيد سنة واجبة له طقوسه فلا يقبل من مسلم ألا يفرح يوم فطره، فالفرح يوم الفطر يؤكد حسن ظن العبد بربه أنه غفر له ذنوبه بصوم مقبول وقيام محمود، ولقد احتفل به سيدنا رسول الله ووسع على أهله فى العيد، فالتوسعة على الأهل والفقراء سنة مؤكدة بعيد الفطر والأضحى.
وتشمل معانى التوسعة والفرحة ضمن ما تشمل تحبيب أطفال المسلمين فى الإسلام عموما وفى الصوم والصلاة، لأننا لابد وأن نجبل أطفالنا على الحب والمحبة، وما أجمل المحبة حينما تكون فى رضوان الله وتنفيذا لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، كما أن التهادى بين الأحبة والجيران مستحب بذلك اليوم.
وللعيد شعائر تبدأ بليلة العيد حيث يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ورد عنه: [من أحيا ليلتى العيد أحيا الله قلبه يوم تموت القلوب]، فصلاة القيام لا تنتهى بانقضاء شهر رمضان بل هى فى الأصل تمتد لتكون بكل العام وبخاصة ليلتى العيد [الفطر والأضحى]، فبها تحيا القلوب من غفوتها، فنصلى صلاة قيام وشكر لله عز وجل أن وفقنا لطاعته بشهر رمضان مع عهد ووعد باستمرار الجد والجهد فى طاعته سبحانه بكل الأيام بعد ذلك.
ولا يجب على المسلم أن ينقض عهد التوبة وميثاق الاستغفار الذى قطعه على نفسه لربه بشهر رمضان، بل يجب أن يشحذ الهمة لاستمرار جذوة التوبة وميثاق الاستغفار ولا يعود للمعاصى والزلات أبدا.
وتبدأ صبيحة يوم العيد بصلاة الصبح التى اعتاد المسلمون النوم عنها وهى أول محك يثبت معدن وحقيقة توبتك لله، ويثبت صدق نيتك، أم أفول همتك، فيحسن صلاتها فى جماعة كما اعتدت على ذلك بشهر رمضان، فصلاة الجماعة تعدل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة كما جاء بالحديث الشريف.
ثم من السنة أن يعود المسلم لأهله ليستغفر لهم ويعدهم بالطيبات فى عامهم هذا، ويقوم بمنحهم ما تقر بهم عيونهم من العطايا مهما قلت قيمتها، ويلبس من استطاع منكم الجديد من الثياب ثم ليغادر فيعمد إلى المصلى ليصلى صلاة العيد.
لكن عليه قبلها أن يدفع صدقة الفطر، فما صدقة الفطر؟، هو أمر ما تسمونه زكاة الفطر، فليست هناك فريضة تسمى زكاة الفطر، انما اسمها صدقة الفطر، وكانت أيام الصحابة رضوان الله عليهم يتم إخراجها من غالب قوت البلد لأنه لم يكن هناك تفاوت صارخ بين الناس كأيامنا هذه، فكان طعامهم إما إقط أو تمر أو لحم قديد أو لحم طازج، لذلك فكان يسهل أن تخرج صدقة الفطر من غالب قوت البلد، كما لم تكن للنقود تلك الأهمية وكان التبادل التجارى هو الأساس، لذلك كان يتم إخراج صدقة الفطر عينا وليس نقدا.
 أما اليوم حيث المليونيرات بالآلاف ومن لديهم آلاف الجنيهات بالملايين، ومن يأكلون من القمامة بالملايين أيضا، فليس هناك ما يسمى غالب قوت البلد، فعندنا بمصر من يطعم كلبه ما لا تجد ثمنه قرية بأكملها لتأكله، لذلك فموضوع ومصطلح [أغلب قوت البلد] أصبح من فقه الماضى، بل يجب أن تكون صدقة الفطر من غالب قوتك أنت، وتكون ثمن أكلتك إفطار وسحور لك ومن تعول لمدة يوم واحد، ويفضل إخراجها مالا ينتفع به الفقير وقد يدخر منه لليوم التالى.
وإياك أن تتعامل مع فتوى الأزهر ودار الإفتاء التى تذكر بأن أقل نسبة لصدقة الفطر هى ستة جنيهات، فأنت بذلك تقوم بتحويلها لتكون فتوى من فتاوى الضياع مثل فتوى رضاع الكبير، ومضاجعة الوداع وما شابه، فالفتوى حددت أن ذلك المبلغ هو الحد الأدنى، ولم تذكر أنها حددت الستة جنيهات لكل المستويات، واسأل نفسك هل أنت تأكل بستة جنيهات فى اليوم، أهذا المبلغ هو متوسط ما تلتهمه يوميا أم أكثر، وهنا يجب أن تكون التقوى، فهذا المبلغ لا يساوى ثمن المشروبات اليومية لبعض الناس.
فهذا هو فقه التنوير المتناغم مع عصرنا الذى نعيشه وليس فقه التحجر الذى يزجون بنا إليه، ولن تنفعك فتوى المفتى ولا شيخ الأزهر وتحديده لمبلغ صدقة الفطر عن اليوم الواحد للفرد الواحد بل يجب عليك تقوى الله فى أداء هذه السنة الواجبة.
ويجب أن تدفعها قبل صلاة العيد، ولا يجب أن تخرج هذه الصدقة من البلد الذى تقطن به، فإذا كنت من سكان القاهرة فعليك إخراجها لأهل الحى الذى تقطن به مهما كان هناك فقراء بمسقط رأسك أفقر من فقراء الحى الذى تقطن به، لأن المشاركة فى هذه الشعيرة من بين أهدافها.
أما صلاة العيد فهى واجبة بينما قال الحنابلة بأنها فرض كفاية، وقالت الشافعية بأنها سنة مؤكدة، وتلك الصلاة لها خصائص، فيحسن أن يخرج لها الكبار والصغار والنساء حتى المرأة الحائض تخرج إليها لكن لا تصليها، فتلكم هى سنة إحياء صلاة العيد التى كانت على عهد سيدنا رسول الله، ووقتها من بعد الشروق وارتفاع قرص الشمس يوم العيد وقبل صلاة الظهر بساعة على الأقل، وشرعت فى السنة الأولى من الهجرة، كما رواه أبو داود عن أنس، قال: قدم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: «ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما فى الجاهلية، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: إن اللّه قد ابدلكما خيراً منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطرة».
وصلاة العيد تسبق صلاتها خطبتها فمن السنة أن تنتظر حتى يخطب الخطيب خطبة الجمعة، كما يسن أن تذهب للمصلى من طريق وتعود من طريق آخر وأنت تكبر فالتكبير سنة منذ مغرب ليلة العيد وحتى صلاة العصر يومها، ولابد أن تكون نموذجاً وقدوة للناس فى إحياء تلك السنة العظيمة. فعن جابر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
وللتكبير صيغ كثيرة ليس منها ما هو بدعة وما هو سنة لكن يحسن عدم الاختلاف فى الصيغ فالاتفاق أوجب وبخاصة فى هذا اليوم.
وصلاة العيد لها خصيصة أنه يتم التكبير بها سبع تكبيرات غير تكبيرة الإحرام بالركعة الأولى، أما بالركعة الثانية فتكبر خمس تكبيرات غير تكبيرة الانتقال قبل قراءة الفاتحة، وصلاة العيد ركعتان، ولابد لمن تفوته صلاة العيد أن يصليها فى بيته فهو يسن له ألا يفقد خصيصة تلك الشعيرة العظيمة.
وتؤدى صلاة العيد فى الخلاء بعيدا عن المساجد وداخل الحيز العمراني، ويكره أداؤها بالمساجد من غير عذر، ولا يؤذن لصلاة العيد ولا يقام لها، ويندب المناداة عليها بقول الصلاة جامعة.
ويسن صلة الرحم يوم العيد، بينما نجد أن عادات الناس قد تغيرت بأيامنا هذه فكثير منهم يسافر للشواطئ المختلفة فتنمحى سنة صلة الأرحام والتواد والتراحم بيوم العيد، وهو ما أخشاه أن تتوارى سنة رسول الله وسط زخم من عادات الناس.
سنة صيام الستة أيام من شوال.
من بين ما نعتبره سنة بعد انقضاء رمضان هو صيام الستة أيام الأولى من شهر شوال أو صيامها خلال ذات الشهر، ومن يصومونها ويواظبون عليها ابتدعوا بعدها ما يسمى عيد الأبرار، وأنا أرى أنها ليست بسنة متصلة ولا يوجد ما يسمى عيد الأبرار.
وسبب تصورهم بأنها سنة هو ما ورد مرويا عن سيدنا رسول الله[من صام رمضان فأتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر] لكن للأئمة الأربعة رأى آخر، فقد قال الشافعية والحنفية والحنابلة بأن صيامها سنة، وحبذ الشافعية والحنابلة صومها متتابعة لكن الحنفية قالوا إنه يستحب صيامها متفرقة كل أسبوع يومان.
أما المالكية فقد كرهوا صومها وقالوا إن عمل أهل المدينة على خلافها، كما عارضت المالكية وبعض الحنفية صيامها لعلل ثلاث أذكر منها أن الإمامين مالك وأبى حنيفة كرّها صيام الست من شوال مستندين فى إنكارهما الأول أن الراوى لحديث: « من صام رمضان وأتبعه بست من شوال .. « وهو سعد بن سعيد إذ هو سييء الحفظ ضعيف فى مراتب تصنيف الرُواة كما ذكره الحافظ ابن حجر فى التقريب (519/753/ التحفة) وقال عنه أحمد(.. سعد بن سعيد ضعيف جداً تركه مالك وأنكر عليه هذا الحديث). وقال عنه النسائى (814/3431 شرح السنن): سعد بن سعيد ضعيف. وقال ابن حيان: (لا يجوز الاحتجاج بحديث سعد بن سعيد، وهو مداره على عمر بن ثابت الأنصارى ولم يروه عن أبى أيوب غيره فهو شاذ ولا يُحتج به). فهذه الأولى التى أنكر لأجلها الإمامان صيام الست من شوال.
وأنا بدورى لا أجد أى سنة فى صيام الستة أيام من شوال وإن كنت لا أفتى بكره صيامها ولا تركه لمن اعتاد عليه، إلا لمن وصلها بصيام رمضان، وأجد بأن صوم يومى الاثنين والخميس آكد منها.
وصوم التطوع فى عمومه تهذيباً للنفس ودفع لها إلى طريق التقوى، ونحن نحبذ اتجاه صوم النوافل عموما، بشرط اتباع ما جاء بالسنن والمندوبات والشروط بخصوصها.
وجدير بالبيان أن سيدنا رسول الله قد اعتكف بالمسجد عشرة أيام بشهر شوال، وذلك فيما رواه البخارى بباب اعتكاف النساء، مما يدل بأن دروب الخير يمكن القيام بها بكل وقت طالما لم نحرم حلالا ولم نحلل حراما ولا نقيم بدعة.