الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ننفرد بنشر النص الكامل رئيس الأركان أمريكا صنعت الإرهابين فى الشرق الأوسط.. ويجب أن تحقق أهدافها بطرق نزيهة






لم تمر ساعات على قرار تعيين الفريق صدقى صبحى رئيسًا لأركان القوات المسلحة، حتى شهدت الأوساط السياسية العالمية جدلاً واسعًا خاصة بين المحللين السياسيين فى الولايات المتحدة. بعد أن نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» أجزاء من دراسة قدمها الفريق صبحى عام 2005 بكلية الحرب الأمريكية للحصول على درجة الماجستير والتى تناول فيها الوجود العسكرى فى منطقة الشرق الأوسط، والدور الذى لعبته الولايات المتحدة فى إعادة رسم المنطقة والتعامل مع أحداثها المشتعلة بما يحافظ على مصالحها الخاصة.
 
وعلقت «نيويورك تايمز» على وجهة نظر الفريق صبحى بأنها «ستغير من المشهد السياسى المصرى، تحديدًا فيما يخص علاقة الولايات المتحدة بالجيش المصرى الذى كان يمثل المؤسسة الأقرب للبيت الأبيض طوال العهود الماضية.
 
واضافت الصحيفة انها تعكس تحولا محوريا فى السياسات المصرية لا سيما بعد انتخاب الرئيس الدكتور محمد مرسي، وتدق الناقوس للولايات المتحدة فيما يتعلق بالتعقيدات التى تطرحها الديمقراطيات العربية الجديدة وتعارضها مع السياسات الأمريكية فى المنطقة.
 

 
وقد بدأ المحللون فى واشنطن بالفعل فى إثارة الأسئلة حول ما قد يعنيه صعود جماعة الإخوان المسلمين وتأثيره على مصالح الولايات المتحدة فى المنطقة، بل إن بعضهم يعتقد أن الورقة البحثية التى كتبها الفريق صدقى صبحى فى 2005 تؤشر لاتفاق عقول بين الجماعة والجيش فى اتجاه بعيد تماما عن واشنطن.
 
ونقلت الصحيفة عن الباحث ستيفن كوك: "إن التغييرات الجوهرية التى أجراها مرسى فى قيادات الجيش سيتبعها بالتأكيد إعادة ترتيب للعلاقات المصرية- الأمريكية فى اتجاه بعيد عنها ولم يتضح بعد ما إذا كان هناك أى قوة جديدة ستتحالف معها مصر من العدم، ولكن مصر فى حقيقة الأمر لا تحتاج لذلك وهى نفسها تمثل هذه القوة، فهى ربع الوطن العربى بخلاف موقعها الاستراتيجى المطل على قناة السويس".
 
واختتم الباحث كلامه بأن التغييرات الأخيرة فى الجيش المصري، إنما هى إشارة إلى اتباع مصر لسياسة خارجية تليق بصورة أكبر مع وضعها وتنفتح أكثر على عالم لا يعترف سوى بالمصالح المتبادلة والمشتركة، وهو ما سيحدث فى علاقتها بالولايات المتحدة لتتحول إلى علاقة شراكة بدلا من علاقة تحالف كما كان الوضع إبان الرئيس عبد الناصر فى علاقة مصر بالاتحاد السوفيتي.
«روزاليوسف» تنشر النص الكامل لدراسة الفريق صبحى وتحديد الجزء المتعلق بتصورات انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط تحت عنوان :"الوجود العسكرى الأمريكى فى الشرق الاوسط: قضايا وآفاق مستقبلية".
غزو العراق
"لقد لعب الوجود العسكرى الأمريكى فى منطقة الشرق الأوسط دورا كبيرا فى الشئون الاستراتيجية لتلك المنطقة وقد غير من طبيعتها الجيوسياسية بعد التدخل العسكرى الأمريكى فى العراق ضد نظام صدام حسين فى ربيع عام 2003. وجود دائم من الجيش الامريكى فى منطقة الشرق الأوسط ، خلق مجموعة جديدة من المعايير لسياسة الولايات المتحدة الخارجية فى مستقبل المنطقة وعلى وجه التحديد مناطق الخليج العربى والفارسي.ومع ذلك ،فإن الوجود العسكرى الدائم للولايات المتحدة فى منطقة الشرق الأوسط بشكل عام ومنطقة الخليج بشكل خاص لا يؤثر فقط على المصالح القومية والأمنية للولايات المتحدة بل له آثار عالمية أوسع.
 

 
يهدف هذا البحث لدراسة مصالح وسياسات الولايات المتحدة التى يبدو انها اسست على الوجود العسكرى الدائم فى منطقة الشرق الأوسط. كما تقدم هذه الورقة فحصا موجزا للاثار الإقليمية والعالمية والتفاعلات الناتجة عن هذه الوجود.
 
تبحث الورقة أيضا المعايير الاستراتيجية التى تتعلق بسيناريوهات الحفاظ جزئيا أو كليا على هذه القوات فى منطقة الشرق الأوسط، كما تتناول جوانب معينة من هيكل القوة والتصرف الجغرافى لهيمنة هذه القوات والاثار الاقليمية المحتملة.كما تناقش الورقة ايضا الأطر الزمنية المحتملة للانسحاب الجزئى أو الكلى للقوات العسكرية الأمريكية من الشرق الاوسط بشكل عام وتحديدا من منطقة الخليج. وأخيرا، فإن الورقة تتناول ما إذا كانت الولايات المتحدة يمكن أن تحقق اهدافها الجيوسياسية وأهداف الامن القومى المرجوة فى منطقة الشرق الأوسط من خلال استخدام وسائل أخرى غير الحفاظ على الوجود العسكرى الدائم فى تلك المنطقة الحساسة والمتقلبة تاريخيا.
 
تورط الولايات المتحدة السياسى والعسكرى فى الشرق الأوسط فى العصر الحديث بدأ خلال الحرب العالمية الثانية مباشرة. وكان بعد إنشاء دولة إسرائيل التى تعارضها الدول العربية ومن بينها مصر.وقد ضلعت الولايات المتحدة فى الشرق الاوسط الى حد كبير لتضع الخطوط الفاصلة فى الحرب الباردة.
 
بجانب ذلك، التنافس بين الدول العظمى مثل الولايات المتحدة واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية (الاتحاد السوفياتي) تسبب فى ان يكون لأمريكا علاقات متعددة الأطراف فى الشرق الاوسط. ظهرت دول عربية حديثة، بسبب التدخلات الأجنبية فى المنطقة مثل أزمة السويس عام 1956، والصراع المسلح بين بعض الدول العربية وإسرائيل، وبسبب مشكلة الصراع الفلسطينى الاسرائيلى غير القابلة للحل...كل هذا سرعان ما أد إلى إنشاء مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية فى المنطقة من الشرق الأدنى. وفى الوقت الراهن،أمن دولة إسرائيل هو الهدف المتأصل فى استراتيجية الأمن القومى الإجمالى للولايات المتحدة. هذا الهدف غالبا ما يتعارض مع غيره من أهداف سياسة الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط.
 
استغلال البترول
 
تركزت مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية فى منطقة الخليج فى أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية فى المقام الأول على مدى توافر واستغلال الموارد النفطية للنهوض بالاقتصادات الصناعية فى الغرب.فقد دعمت الولايات المتحدة الأنظمة الملكية العربية المعتدلة فى الخليج مثل المملكة العربية السعودية، كما لها دور اساسى فى الإطاحة شعبيا بالحكومة الايرانية المنتخبة من رئيس الوزراء محمد مصدق وزير فى أغسطس 1953 والذى حاول تأميم النفط الإيراني. كان البديل هو النظام المحافظ لمحمد رضا بهلوى ، كما أنشأ شاه إيران علاقة استراتيجية بين الولايات المتحدة وإيران فى 1960 وكانت ايران حتى عام 1970 جزءًا من حاجز الاحتواء الغربى ضد الاتحاد السوفياتى والأنظمة العربية الوطنية فى الشرق الأوسط التى فضلت أن تكون جزءا من حركة عدم الانحياز فى العالم الثالث خلال الحرب الباردة مثل العراق.
 
 

 
حافظت الولايات المتحدة على وجود عسكرى دائم صغير فى منطقة الخليج خلال 1960 حتى وقت متأخر من 1970، باستثناء عمليات النشر التى كانت لدعم موقف الحكومات الصديقة فى منطقة الخليج.على سبيل المثال، فى عام 1963 كانت الولايات المتحدة قد ارسلت قوات جوية (السلاح الجوى الأمريكي) من أمريكا الشمالية بمقاتلات F-1 00 الى المملكة العربية السعودية فى رد فعل على تورط القوات المسلحة المصرية فى الحرب الأهلية الدائرة فى اليمن. خلال 1960، بدأت الولايات المتحدة أيضا فى تقديم مساعدات عسكرية واسعة النطاق إلى كل من السعودية وايران.
 
 
ارسال الولايات المتحدة اسلحة متقدمة الى اسرائيل فى منطقة الشرق الأوسط كان نتيجته تصعيد الصراع العربى الإسرائيلي.فقد قدمت شركة ماكدونيل دوجلاس طائرات بعيدة المدى (الآن بوينج) F-4E فانتوم الثانية، وهناك قاذفات مقاتلة فى الجحيم (فى سلاح الجو الإسرائيلي) Ha>Avir، وكانت إسرائيل تسعى إلى التفوق العسكرى الاستراتيجى على مستوى خصومها العرب من خلال القيام بغارات عميقةعلى مصر، وعلى الجانب الاخ ، كانت مصر تتلقى مساعدات عسكرية سوفياتية واسلحة دفاع جوى متطورة الأمر الذى ادى الى تصاعد الصراع فى حرب الاستنزاف 1968-1972 التى أصبحت مقدمة لحرب أكتوبر 1973 والتى خلالها امدت الولايات المتحدة اسرائيل بمعدات وذخائر وجسور جوية وكان الصراع محتدمًا حتى طالبت الامم المتحدة الجانبين بوقف اطلاق النار.وفى تلك الاثناء حاولت الولايات المتحدة تقويض الدور السوفيتى لمصر وسوريا الأمر الذى اسفر فى عام 1973 الى الحظر النفطى العربى وازدادت أسعار السوق العالمية لنفط الشرق الأوسط بصورة متتالية.وبحلول عام 1975 درس أعضاء من حكومة الولايات المتحدة سيناريو تأمين امدادات النفط بأسعار معقولة، واستخدمت الولايات المتحدة علاقتها الاستراتيجية مع ايران واخيرا توصلت مصر واسرائيل فى النهاية الى اتفاق سلام عام 1979 من خلال مبادرة شخصية من الرئيس المصرى أنور السادات والرئيس الأمريكى جيمى كارتر.
 
اصبحت مصر منذ ذلك الحين دولة صديقة للمصالح الأمريكية فى المنطقة. وبعد الثورة الإيرانية عام 1978-1979، وبعد اقتحام الطلاب الايرانيين للسفارة الأمريكية، وبعد الغزو السوفيتى عام 1979 لأفغانستان تعدلت الخريطة الجيوسياسية لمنطقة الخليج، وأدت إلى إعادة تقييم المصالح الامنية والاستراتيجية للولايات المتحدة.. فى أواخر 1970 أنشأت إدارة كارتر وحدة نشر قولت سريعة ، فى حين أن إدارة ريجان ركزت على الجيش فى منطقة الخليج بشكل خاص والشرق الأوسط بشكل عام.
 
كما اثر الغزو الإسرائيلى عام 1982 للبنان على علاقة اسرائيل بالولايات المتحدة وقد حافظت الولايات المتحدة على الموقف السياسى النزيه وطالبت بحفظ السلام فى لبنان خلال 1982-1983، ورحبت بوجود قوات حفظ السلام. ومع ذلك، انحازت الولايات المتحدة علنا لمصالح الأمن القومى الإسرائيلى ودعمت الفصائل المسيحية المارونية، والقوات العسكرية الأميركية فى لبنان أصبحت هدفا لهجمات الحرب غير المتكافئة الامر الذى اسفر عن عواقب وخيمة حتى سارعت بالانسحاب.
 
 بحلول عام 2001 ، تم نشر ما بين 18.500-21.000 فرد عسكرى تحت القيادة المركزية الأمريكية فى منطقة الخليج.وعلى الرغم من الوجود العسكرى الدائم للولايات المتحدةا فى مختلف الدول العربية ، الان ان اصرارها على التواجد فى الخليج كان أداة للسياسات الامريكية ضد العراق وإيران، وهذا الوجود العسكرى فى حد ذاته كان لتوليد الايديولوجية السياسية والثقافية والدينية الخاصة بها بعد الهجوم الإرهابى فى 11 سبتمبر 2001. وجود القوات العسكرية الأمريكية فى الخليج والتعاون العسكرى مع الدول العربية ، لا يزال واحد من حجر الزاوية فى الأساس الايديولوجى لحركة القاعدة ومؤسسها أسامة بن لادن.
 
تقليديا، اعتبر بن لادن وجود القاعدة العسكرية للولايات المتحدة.
 
فى الخليج بأنه "احتلال غير شرعي" لـ "إقليم مسلم". استخدام تفسيرات معينة من العقيدة الإسلامية، ودعا بن لادن للمقاومة الشعبية ضد الولايات المتحدة ووجودها العسكرى فى الخليج. وقد ردد بن لادن محتوى من فتاوى متعددة تدعو الى الجهاد ضد الولايات المتحدة بسبب غزوها للعراق.كما دعا اسامة بن لادن أيضا أتباعه للانتفاضة الانتفاض ضد الولايات المتحدة ... إشارة إلى أن بعض الدول الاسلامية المعتدلة تجد قضية مشتركة مع المتشددين.
 
توسع وجود الولايات المتحدة العسكرى فى الخليج بعد الاطاحة بالنظام العراقى وصدام حسين فى ربيع عام 2003. منذ عام 2003، تشارك قوات الولايات المتحدة فى العراق فى حرب غير متكافئة ضد حركات حرب العصابات المحلية تحت شعار دعم "بناء الأمة" من العراق "الجديد". الصراع فى العراق اصبح قطبا لجذب المقاتلين المسلمين الموالين لتنظيم القاعدة. افراد حرب العصابات يرون ان المقاومة المسلحة ضد الولايات المتحدة وقوات التحالف العسكرى فى العراق "دفاع مشروع عن النفس ضد غزو أجنبى واحتلال عسكرى لإقليم مسلم. "العديد من هؤلاء المقاتلين ينظر الى ان السفر سرا الى العراق من اجل المشاركة فى النزاعات المسلحة ضد أمريكا "واجب ديني".
 
تحليل ومناقشة
 
الأهداف الاستراتيجية فى الشرق الأوسط والوجود العسكرى الأمريكى الدائم فى الشرق الأوسط بشكل عام وفى الخليج بشكل خاص يخدم عددا من الأهداف الاستراتيجية للأمن القومى الأمريكي. بعض من هذه الأهداف هي:
 
** أمن إمدادات النفط والاحتياطيات التى توجد داخل الأراضى التى تسيطر عليها الدول العربية فى الخليج، وأمن عبور هذه الامدادات عبر الخليج والطرق البحرية الأخرى التى تعتبر "نقاط الاختناق" استراتيجية مثل قناة السويس
 
** تمهيد البيئة العراقية للغزو الأمريكي
 
* احتواء الجمهورية الاسلامية فى ايران والآفاق المستقبلية من تغيير الانظمة فى منطقة الشرق الأوسط.
 
* تقديم الدعم لحملة مكافحة الارهاب الجارية وإحلال الاستقرار فى أفغانستان
 
** الدعم المتبادل لتوسيع الوجود الامريكى الاستراتيجى فى المنطقة الغنية بالنفط لبحر قزوين، ووسط آسيا.
 
فمنذ 970 1، تراجع اعتماد الولايات المتحدة بشكل كبير على استيراد النفط من الخليج. ومع ذلك، واردات الولايات المتحدة من النفط من دول الخليج بما فيها إيران لا يزال 2425000 برميل يوميا فى عام 2003، أو 25.09 % من إجمالى واردات الولايات المتحدة من النفط فى العام.
 
الولايات المتحدة لديها مصلحة استراتيجية فى الحفاظ على امدادات النفط والاحتياطيات، والتدفقات من خلال منطقة الخليج .فالتهديدات الحقيقية لامن الولايات المتحدة هو ان ترتفع أسعار النفط فى الأسواق العالمية حيث لذلك تأثيرات سلبية على الولايات المتحدة واقتصادات العالم. هذة المصلحة الاستراتيجية فى حد ذاتها تؤيد استمرار وجود القوات العسكرية للولايات فى الشرق الأوسط الكبير وخصوصا فى منطقة الخليج حتى لو كان الوضع فى العراق اصبح طبيعيا. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة سوف تستمر فى وجودها فى مختلف دول الشرق الاوسط ودول الخليج على وجه الخصوص.
 
على سبيل المثال، على الرغم من دعم وجود الولايات المتحدة العسكرى فى منطقة الخليج والسكوت من قبل بعض دول الخليج العربى على ذلك ، تضارب مشاعر الكويت حيث تنظر الى هذا الوضع بمشاعر مختلطة وفى بعض الاحيان باستياء بعد اتفاقات السلام عام 1979 بين مصر وإسرائيل، والولايات المتحدة.وقد أنشأت أمريكا علاقة استراتيجية قابلة للحياة مع مصر. هذه العلاقة ليس فقط تسهيل عبور القوات العسكرية للولايات المتحدة عبر قناة السويس، ولكنه توفير العبور الامن للتجارة وامدادات النفط من خلال نفس الطريق الذى يربط بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر والمحيط الهندي. علاوة على ذلك، العلاقة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة قد أزالت كثيرا المنافسات الإقليمية واحتمال نشوب نزاع مسلح بين مصر وإسرائيل، وساعدت كثيرا فى مرونة العلاقات السياسية والاقتصادية بين هذين البلدين.
 
حجم الوجود العسكرى للولايات المتحدة فى الشرق الأوسط يعتمد بشكل كبير على مهام البعثة والتزاماتها فى تحقيق الاستقرار فى العراق، وعلى تنفيذ استراتيجية انسحاب الولايات المتحدة.
 
 
فى الوقت الراهن، يزاداد وينقص عدد القوات الأمريكية فى العراق وفقا لشكل الاوضاع. ففى يناير 2005 كان العدد ما بين 138،000 و 150،000 فرد. زاد هذا العدد عندما شاركت الولايات المتحدة فى حرب ضد المتمردين المسلحين.خلال الصراع المسلح فى مدينة النجف فى عام 2004، دخل الشيعة مقاتلو آل آية الله مقتدى الصدر فى تحالفات مع مجموعات حرب العصابات السنية ونتج عن ذلك جيش المهدى ويتكون من مجموعة من المسلمين المعارضين لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية فى الشرق الأوسط وكانوا يدخلون العراق بمساعدة من الشبكات العابرة للحدود وهى لا تنتمى لتنظيم القاعدة. هؤلاء الاشخاص يرون ان دعم أمريكا لواشنطن دعم بشكل مباشر الاحتلال العسكرى الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية)، والوجود العسكرى الأمريكى فى الخليج عموما وفى العراق على وجه الخصوص.
 
نفس المجموعات أيضا تعارض الوجود العسكرى الأمريكى فى أفغانستان، فضلا عن العمليات العسكرية الامريكية ضد تنظيم القاعدة التى تنفذ فى سياق مكافحة الارهاب التى تشنها الولايات المتحدة كحملة.استراتيجية خروج الولايات المتحدة من العراق، والتخفيض التدريجى للجيش الامريكى هناك بحاجة إلى أن يتحقق فى إطار الأهداف المعلنة للسياسة الأمريكية وهى الحفاظ على عراق موحد وديمقراطي. سوف تعمل الولايات المتحدة على تقويض هذا الهدف إلى حد كبير.
 
ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ، أن الهدف الاستراتيجى لسياسة الولايات المتحدة لتصبح العراق موحدة وديمقراطية لا تتوافق بالضرورة مع استراتيجية الأمن القومى الإسرائيلى فى أوسع منطقة فى الشرق الأوسط التى يمكن أن تؤدى إلى ان تكون بعض الدول العربية بؤر لتنظيم القاعدة.الولايات المتحدة تحتاج إلى تغيير سياستها فى العراق والسعى بنشاط لإشراك الجهات الفاعلة الدولية مثل الأمم المتحدة وغيرها، بما فى ذلك دول العالم العربى والاسلامى فى تحقيق الاستقرار . قوات الولايات المتحدة العسكرية فى الشرق الأوسط والخليج تشارك بصفته أداة للسياسات الاحتواء ضد إيران. هناك مخاوف امريكية حالية من البرنامج النووى الايرانى وتطوره بشكل سرى .كما ان الامم المتحدة لديها مخاوف من ان يستخدم النظام الحاكم فى إيران نفوذه بحيث تصبح العراق ساحة للشيعة للقتال ضد مصالح الأمن القومى الأمريكي.
 
الخيار العسكرى
 
 بدلا من السعى إلى حوار جاد مع ايران بشأن هذه القضايا، تركز ادارة بوش على الخيارات العسكرية التى يمكن ان تمارسها ضد ايران فى حال تنفيذ برنامجها النووى وقد تتعاون اسرائيل فى هذا الصدد خاصة وان هناك مخاوف من ان تستخدم ايران شهاب 3B لحفر أنفاق يمكن أن تصل إلى إسرائيل وتعوق الملاحة.مثل هذه الإجراءات تؤدى الى تصعيد الأعمال العدائية المسلحة فى منطقة مضطربة بالفعل ويؤدى إلى زيادة أسعار النفط بسرعة. فى ضوء فشل الولايات المتحدة فى العراق ، هناك احتمال بأن تتبع واشنطن نهجًا واقعيًا وهو ان تعترف بأن إيران هى الفاعل فى منطقة الخليج - والغنية بالنفط فى منطقة بحر قزوين وتبدأ المحادثات مع طهران. فى الآونة الأخيرة، اتخذت إدارة الرئيس بوش نهجًا مزدوجًا ومتضاربًا تجاه مواجهة ايران وبرنامجها النووي. بعد زيارة الرئيس بوش فى فبراير 2005 لأوروبا، أوضحت الولايات المتحدة أنها سوف تتعاون مع الدبلوماسية الجماعية بمشاركة كل من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والتى تمثل الاتحاد الأوروبى (الاتحاد الأوروبي) لنزع فتيل ازمة محتمل بشأن برنامج ايران النووي. وقد وافقت ايران على مقترحات الاتحاد الاوروبى لمدة مؤقتة وعلقت أنشطة تخصيب اليورانيوم الايرانى مع الحفاظ على حقها القانونى فى إطار معاهدة حظر الانتشار النووى (NPT) باستئناف تخصيب اليورانيوم فى إطار تطبيق الضمانات الدولية لبرنامجها النووى المدني.
 
ومع ذلك، فى الوقت نفسه شرعت الولايات المتحدة فى التخطيط لتوجيه ضربات عسكرية ضد ايران وكانت هناك بعثات استطلاعية تستهدف منشآت البرنامج النووى الإيراني. وقد اصرت الولايات المتحدة على إحالة الانتهاكات الايرانية المزعومة لمعاهدة حظر الانتشار النووى الى الامم المتحدة لكى يفرض مجلس الأمن عقوبات على الرغم من أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) لم تثبت أى دليل ملموس وموثوق يفيد بأن إيران تطور سرا أسلحة نووية فى أراضيها. هذه السياسة المزدوجة تشبه المزاعم التى لا أساس لها حول برامج العراق لأسلحة الدمار الشامل (أسلحة الدمار الشامل) التى اسفرت فى عام 2003 عن تدخل الولايات المتحدة العسكرى فى ذلك البلد.
 
هذه السياسة المزدوجة تنقل أيضا إشارات مربكة للمستفيدين المعنيين بين القيادة الايرانية ويمكن ان يأتى بنتائج عكسية من ناحيتين. أولا، يمكن لإيران تسريع برنامجها السرى لتطوير قدرة أسلحتها النووية إذا كان هذا البرنامج.
 
موجودا بالفعل.ثانيا،التدخل العسكرى الامريكى سوف يعزز من تواجد عناصر متحفظة داخل القيادة الإيرانية، وسوف تؤخر الإصلاح الإيرانى والحركة المؤيدة للديمقراطية.
 
لقد اضعف الغزو الأمريكى للعراق القوات العسكرية الامريكية الى حد كبير والتى انهكت فى حملة مكافحة الارهاب فى افغانستان.كل هذه الحملات لم تنجح فى اقتلاع تنظيم القاعدة فى أفغانستان.
 
 
عدم وجود تنمية اقتصادية فى أفغانستان يعمل على تحويل البلاد الى "دولة مخدرات" حيث تزدهر الحرب الاهلية بين تنظيم القاعدة وزعماء الحرب المتنافسين. هذا التطور يؤدى على الأرجح الى تعقيد بعثات مكافحة الارهاب ومهام قوات الولايات المتحدة العسكرية والتى يمكن ان تعوق جهود مكافحة الارهاب فى الدول المجاورة من آسيا الوسطى حيث الجماعات الاسلامية المتطرفة النشطة منذ 1990 بعد الوجود العسكرى للولايات المتحدة فى الشرق الأوسط ومنطقة الخليج.
 
لقد نفذت الإدارة الأمريكية تحت قيادة الرئيس كلينتون بشكل فعال فى انشاء مشروع خط أنابيب نفطى من باكو (أذربيجان) – الى جيهان تبليسى (جورجيا) (تركيا) حيث يذهب النفط الى الاسواق الغربية. هذا المشروع يتجاوز الشبكات الخطوط النفطية الروسية والإيرانية ومع ذلك، فإنه يزيد من التزامات القيادة المركزية الأمريكية فى منطقة غير مستقرة.
 
هناك نقص أساسى من التفاهم والتواصل بين السياسة الخارجية لادارات الولايات المتحدة والأنظمة السياسية والمجتمعات والثقافات فى الدول العربية فى الشرق الأوسط. هذه الفجوة فى التفاهم والتواصل تفاقمت منذ الهجمات الارهابية فى 11 سبتمبر عام 2001 وبعد التدخلات العسكرية الأمريكية فى أفغانستان والعراق. يمكن تفسير هذه الفجوة عن طريق تحديد معايير معينة تؤثر على تصورات الولايات المتحدة حول الشرق الأوسط. أولا، صناع سياسة الولايات المتحدة يعملون فى نظام ديمقراطى علمانى صارم حيث يتم فصل الدين، فى حين ان الدول العربية مترابطة بقوة الدين الإسلامى .على الرغم من أن العديد من حكومات العرب تعمل على أساس من القوانين المدنية القانونية، لا يزال الدين الإسلامى له تأثير مواز وقوى على المؤسسات الحكومية. الامر الثانى هو ان الأنظمة العربية عموما لا تعترف بمبادئ الحكم الديمقراطى على عكس الحكومات الغربية.
 
تنافض أمريكى
 
فى الوقت الحالي، تحمل الولايات المتحدة وإدارة الرئيس بوش الانتخابات العراقية 2005 كمثال لدولة عربية ديمقراطية فى الشرق الأوسط.
 
ومع ذلك، تناقض الولايات المتحدة نفسها فى تصريحاتها حول المسيرة الديمقراطية فى الشرق الأوسط عندما يتعلق الأمر بمصالحها الاستراتيجية فى المنطقة. على سبيل المثال، نظمت الجزائر انتخابات متعددة الأحزاب المحلية والوطنية فى عامى 1990 و 1991. أسماء الفائزين فى هذه الانتخابات كانوا اعضاء فى الجبهة الإسلامية للإنقاذ والتى كانت تدعو إلى فرض الشريعة الإسلامية فى القانون الجزائري. قام الجيش الجزائرى بانقلاب فى عام 1991 ودخلت الجزائر فى حرب أهلية طويلة خلال الفترة 1992-1999. قتل هذا الصراع ما يقرب من 150000 شخص وتسبب فى ما لا يقل عن 2 مليار دولار وأضرار فى البنية التحتية. وقفت الولايات المتحدة مع التحالف الراغب فى القضاء على الاسلام الراديكالى حتى وان كان ذلك مخالفًا لمبادئ الديمقراطية.
 
كما ايدت الولايات المتحدة تنظيم القاعدة عندما حارب الاتحاد السوفياتى ودعمته حتى نالت هدفها ثم تحاربه حتى الان فى كل شبر من مناطق الشرق الأوسط .كما ساندت الولايات المتحدة الانظمة العربية الصديقة مثل مصر فى حربها على الارهاب خلال التسعينيات ولكن الحقيقة هى ان الولايات المتحدة فشلت وتنامت هذه الحركات الاسلامية الراديكالية فى الشرق الاوسط واصبح لها استراتيجية وهى تحرير فلسطين والضفة الغربية وقطاع غزة الامر الذى ادى الى ظهور حركة حماس والتى تناضل حتى الآن من اجل الوصول الى هذا الهدف.
 
وقد وضعت حماس فى تحد خطير لتحقيق سلام دائم بين الفلسطينيين حاولت الادارة الأمريكية ايجاد توازن بين القوتين.على سبيل المثال، فى خطابه فى فبراير 2005 أمام الكونجرس الأمريكى ،دعا الرئيس بوش إلى الديمقراطية فى المملكة العربية السعودية ومصر رغم أن ذلك كان يهدف الى تنامى الاسلام الراديكالى بشكل تدريجى وكانت التجربة الجزائرية والعراقية نموذجا .
 
الخلاصة والتوصيات
 
التحديات المستقبلية وآفاق الوجود العسكرى الأمريكى فى الشرق الأوسط بشكل عام والخليج على وجه الخصوص جزء لا يتجزأ من الاستراتيجية الأمريكية الشاملة للأمن القومى فى هذه المنطقة. هذه الاستراتيجية قد يكون هدفها النفط او سياسة الاحتواء تلك السياسة التى عفا عليها الزمن.
 
هذه الاستراتيجية لن تؤدى الى حل المشاكل السياسية التى لها جذور عميقة لأسباب أيديولوجية أو دينية، وثقافية. والولايات المتحدة وشركاؤها على استعداد لمواصلة الوجود العسكرى على المدى الطويل من دون أهداف سياسية وأيديولوجية واضحة.
 
النتائج والتصورات لسياسات الولايات المتحدة فى العالمين العربى والاسلامى تخلق حركات مسلحة ارهابية مثل تنظيم القاعدة.ولا بد من الاعتراف بأن تنظيم القاعدة اصبح من الحركات التى لا بد من مواجهتها من خلال المزيج المناسب السياسات الأيديولوجية والسياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية ، كما ان التواجد الامريكى ليس سوى أداة واحدة لا يمكن استخدامها فى هذه الحملة. لذلك، أختتم وأوصى بانسحاب دائم للتواجد العسكرى الأمريكى فى منطقة الشرق الاوسط وينبغى ان تحقق الولايات المتحدة أهدافها الاستراتيجية فى المنطقة من خلال تطبيق وسائل اجتماعية واقتصادية نزيهة والالتزام بالقانون الدولي".