الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«تسوية المؤهل» كابوس يهاجم الحكومة

«تسوية المؤهل» كابوس يهاجم الحكومة
«تسوية المؤهل» كابوس يهاجم الحكومة




تحقيق: علياء أبو شهبة - نهى عابدين
فى الوقت الذى يعانى فيه الجهاز الإدارى للدولة من تضخم عددى وصل إلى نحو 7 ملايين موظف، بعد تثبيت العمالة المؤقتة، يعانى من قلة أعداد العمالة المعاونة؛ وهى المختصة بأعمال النظافة؛ والسبب وراء تلك المشكلة هى عمليات التسوية التى تمت بعد ثورة 25 يناير، وهو ما رصدته دراسة بحثية نشرها الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، وهى مشكلة تعانى منها الجهات الحكومية على اختلافها.

التسوية بالمؤهل الأعلى وفقا للقانون 47 لسنة 1978 وهو قانون الوظيفة العامة المعمول به حاليا لحين العمل بقانون الخدمة المدنية الجديد، تعنى أن يتم ترقية الموظف إلى الوظيفة الأعلى إذا حصل على مؤهل دراسى أعلى أثناء الخدمة، وهو ما جاء فى المادة 25 مكرر، وذلك مع استثنائهم من شرطى الإعلان والامتحان اللازمين لشغل هذه الوظائف، إلا أن هذه التسوية كانت متوقفة تماما قبل ثورة 25 يناير بقرار من دكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق، وعقب الثورة أجرى الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة تسوية لما يقرب من 10 آلاف موظف من الخدمات المعاونة وفقاً لإحصاءات جهاز التنظيم والإدارة، شملت من لم يحصلوا على مؤهل عال أثناء العمل وذلك بالمخالفة للقانون وتم تحت ضغوط الوقفات الاحتجاجية.
فى مشروع قانون الوظيفة المدنية الجديد المنتظر إقراره نهاية العام الجاري، جاء مبدأ التسوية، لكن بشكل مختلف لأنه لا يتضمن ضم مدة الخبرة السابقة، وجاء فى المادة (23) من القانون أنه يجوز للموظفين الحاصلين على مؤهلات أعلى قبل الخدمة أو أثنائها، التقدم للوظائف الخالية بالوحدات التى يعملون بها، أو غيرها من الوحدات، متى كانت تلك المؤهلات متطلبة لشغلها، وبشرط استيفائهم الشروط اللازمة لشغل هذه الوظائف.
كما يمنح مشروع القانون الجديد الموظف الحاصل على مؤهل أعلى أثناء الخدمة علاوة تميز علمى قدرها 2.5% من الأجر الوظيفى، ولكن بدون تسوية.
وأدت زيادة أزمة نقص الخدمات المعاونة إلى اشتراط وزارة الأوقاف فى المسابقة التى أجرتها مطلع هذا العام لتعيين عمالة الخدمات المعاونة، أن يقوم المتقدم للوظيفة بالتوقيع على إقرار أنه سوف يعين بحد أقصى بالإعدادية، وعدم التسوية فى درجات وظيفية أعلى، حيث يتعمد بعض الحاصلين على مؤهلات عليا التسلل إلى بعض الوظائف عن طريق التعيين بشهادات دنيا، ثم يقومون بالتسوية بعدها وترك المساجد تعانى من نقص العمالة، علاوة على أن يكون التعيين بمحافظة يقيم بها المُعين أو يعين بمحافظة تعانى من نقص فى عمالة المساجد دون نقله إلى محافظة أخرى، باعتبار أن البعض من أبناء الريف والصعيد ينزحون إلى القاهرة ويفضلون العمل بها أكثر من المحافظات الأخرى.
ولم تقتصر المشكلة على محافظة القاهرة فحسب وإنما ظهرت فى مختلف محافظات الجمهورية فقد أكدت ألفت عبدالرحيم فرغلى- وكيل وزارة التربية والتعليم بمحافظة القليوبية- أنه نظراً لمعاناة المدارس من نقص العمالة بها والعجز الشديد فى عمال الخدمات المعاونة والذى يزيد على 8 آلاف عامل تم تشغيل عدد 2500 عامل خدمات بالتعاقد بناء على موافقة المحافظين السابقين.
كما أعلنت جامعة المنصورة عن استمرار استعانتها بأفراد أمن وعمال خدمات معاونة وبعض التخصصات الأخرى التى يوجد بها عجز خلال العام الدراسى المقبل 2015-2016، وأكدت فى بيان لها، أن تشغيل العمالة سيكون بنظام الأجر اليومى، فى وحدات الجامعة منذ أشهر قليلة.
وصرح رئيس هيئة قصور الثقافة السابق بأن لديهم نقصا شديدا فى عمال الخدمات المعاونة حيث يوجد مسارح ينقصها فنيو صوت وفنون إضاءة.
عبدالعال السروجى واحد من المستفيدين من التسوية الوظيفية عام 2011، وهو الآن موظف فى مستشفى حميات الإسماعيلية، قال:  «ده حقى، أنا قدمت على الشغل عامل نظافة بالشهادة الإعدادية بدل شهادة المعهد».. مضيفا أنه عمل فى مهنة أقل من مستواه التعليمى لسنوات طويلة والتسوية هى حقه، مضيفا أن أجره أقل بكثير من احتياجه وهو ما يضطره للعمل فنى تركيب أطباق استقبال فضائية «الدش» إلى جانب عمله الذى أعاد له حقه.
نادية الدكرورى التى تعمل فى إحدى مديريات الزراعة، قالت إنها تقدمت للعمل بشهادة الثانوية العامة بعد خروج والدتها للمعاش، وأخفت شهادة بكالوريوس التجارة، وقبل حصولها على درجة البكالوريوس مرة أخرى من معهد فنى خاص يمنح المؤهل العالى من أجل التسوية جاءت رياح التغيير عقب ثورة يناير لتنقذها من الرسوب المتكرر لأنها لا تملك الوقت الكافى للدراسة إلى جانب عملها ومهامها الأسرية.
على عبدالله- عامل نظافة سابق فى مستشفيات جامعة عين شمس- تخرج فى كلية الحقوق ولم يجد فرصة عمل ثابتة، ولكن عندما جاءته فرصة الميرى لم يتركها، وأخفى الأمر عن أصدقائه وجيرانه حتى اكتشف أمره، وأصبحت مهنته معروفة، لذلك يعتبر التسوية ملاذه الذى انتظره حتى لو كان وجوده غير فاعل نظرا لكثرة أعداد الموظفين.
فى المجلس المحلى لمحافظة المنوفية اعتاد عماد عادل ممارسة أعمال النظافة فى الفترة الصباحية، ويستكمل أعمال النظافة فى أحد المطاعم، وبمرور الوقت نسى ما تعلمه من علوم الحاسب الآلى فى المعهد المتوسط الذى تخرج فيه، وعقب التسوية انتقل إلى ممارسة الأعمال الإدارية على الأوراق فقط، ومازال يمارس عمله الإضافى فى النظافة.     
«روزاليوسف» توجهت إلى الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة والذى يعانى من قلة العمالة المساعدة ما أثر بدوره على مستوى النظافة فيه، وفى دراسة أعدتها ألفت إمام كبير الباحثين فى الإدارة المركزية لشئون وحدات التنظيم والإدارة جاء فيها: «أدى تثبيت العمالة الخدمية على درجات دائمة بالموازنة العامة للجهاز الإدارى للدولة إلى تضخم الجهاز الإدارى مع استمرار العجز فى عمال الخدمة»، وجاء فيها أيضا أن وظيفة الخدمة فى وحدات الجهاز الإدارى وظيفة مهمشة ولا تحظى بأى اهتمام من الإدارة العليا.
كما لفتت الدراسة إلى ضرورة تحسين ظروف عمال النظافة وذلك بتغيير الثقافة ورفع مستوى الأجور، من أجل التحفيز على العمل فيها، وهو ما انتهجته عدة دول منها اليابان ومن الدول العربية الجزائر والتى لها تجربة مميزة فى التشجيع على العمل فى مهنة عامل النظافة.
وحول تأثير عملية التسوية الوظيفية أشار الدكتور محمد حسن- مدير مستشفيات جامعة عين شمس- إلى أن الشكوى من تردى حالة النظافة فى مستشفيات جامعة عين شمس سببها الأساسى التسوية بعد ثورة 25 يناير، من خلال صدور قرار يسمح بالتثبيت والتسوية، وهى نقل العامل إلى درجة وظيفية أعلى لحصوله على مؤهل عال أثناء عمله، ما أدى إلى نقل أكثر من نصف العمالة إلى جداول الإداريين وهو ما شكل ضغطا على ميزانية المستشفى بما لا يفيد حاجة العمل، وبالتالى قلت العمالة الفنية التى تقوم بالنظافة ورفع المخلفات، وأصبحت العمالة الموجودة من متوسط أعمار كبيرة لا تتحمل مشقة العمل الإضافية، وزادت أعداد الإداريين، فى حين أن المعامل ووحدة الأشعة يجب أن تعمل على مدار 24 ساعة تجد عجزا فى أعداد الفنيين.
يؤكد د.سمير علام- أستاذ الاقتصاد والعلوم الإدارية- أن أزمة العمالة المعاونة مشكلة متراكمة منذ عدة سنوات، ويعد نظام التعليمى الحالى أحد أهم الأسباب الذى ساعدت فى ظهورها، لأنه نظام يعتمد على وضع الأولوية للشهادات الجامعية فى مقابل إهمال الشهادات الفنية وتهميش حقوق وضعف رواتب الحاصلين على شهادات متوسطة ما أدى إلى تفاقم الأزمة، كما أن ثقافة المجتمع المصرى ساهمت فى تطلع الكثير من الحاصلين على دبلومات فنية او تجارية إلى رفع درجاتهم العلمية سواء للحصول على البكالوريوس أو الليسانس.
وأشار علام إلى أن مؤسسات الدولة فى حاجة مُلحة للعامل ذى الكفاءة العالية لأنه اليد التى تنفذ وبدونه لن يصلح العمل، وعلى الرغم من ذلك فالدولة لا تقدرالعمال المساعدين ولا تعد لهم برامج تدريبية تؤهلهم لوظائفهم، علاوة على أن هناك عمالا غاية فى المهارة لا يحصلون على حقوقهم أو أى مزايا تشجعهم على الاستمرار فى أعمالهم، فتجد المدير يجلس فى مكتب غاية فى الفخامة ويُقدر من جميع العاملين فى حين أن عامل النظافة أو كبير الاخصائيين على سبيل المثال يطالبون بتحسين أوضاعهم الوظيفية والحصول على حقوقهم المهدرة.
وشدد على أن الجهاز الإدارى للدولة فى حاجة إلى صحوة لرفع كفاءة العمالة المساعدة من خلال توفير الرعاية الاجتماعية والصحية وزيادة الحوافز وتغيير الكادر الحالى الخاص بهم وإعداد برامج تعريفية خاصة بأهمية عملهم حتى يشعر العامل بقيمته ويفخر بعمله ولا يلجأ إلى التسوية بالمؤهل العالى.
بينما أوضح الدكتور سمير عبدالوهاب- أستاذ ورئيس قسم الإدارة العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة- أن السبب فى المشكلة عدم توافر فرص العمل بالنسبة للحاصلين على شهادات عليا أو متوسطة ما دفعهم للعمل فى مهن تتطلب مؤهل أقل، والأزمة ليست فى لجوئهم للعمل فى هذه المهن؛ لكن الأزمة تبدأ فى تطلعهم للعمل فى وظائف إدارية وتحت ضغوط اجتماعية وسياسية كانت الجهات تستجيب لهذا التطلع.
وأكمل قائلا: ليس من حق العامل شغل وظيفة إدارية إلا إذا أعلنت الجهة عن حاجتها لوظيفة إدارية يحق له التقدم لها مثل أى شخص ولا يعتبر ذلك إلزاما على الجهة، وهو ما جاء فى مشروع القانون الجديد، لأن الوضع الحالى أدى إلى تضخم الوظائف التخصصية والإدارية وعجز فى الخدمات المعاونة، وهو ما يخلق مشكلتين لأن أعداد الموظفين فى الجهاز الإدارى للدولة أكثر من حاجته الفعلية وأكثر من عدد السكان، كما أن التأثر بالاعتبارات السياسية والاجتماعية من المواطنين زاد من الأزمة.
ويرى الدكتور سمير عبدالوهاب الحل فى تطبيق القانون بدون أى استثناء وأن يكون التعيين بناء على الاحتياج وبمعايير فنية ومهنية، كما يرى أيضا ضرورة تحسين ظروف العمال فى الخدمات المعاونة وذلك برفع أجورهم وزيادة المميزات الممنوحة لها ما يؤدى بدوره إلى الإقبال على العمل فى مهنة عامل النظام وتأكيد أهميتها ما يؤدى بدوره إلى تغيير الثقافة والنظرة الدنيا لهذه المهنة المهمة.
ودعا أستاذ العلوم الإدارية إلى إيقاف التعيينات الجديدة فى الجهاز الإدارى للدولة، وتدريب الكفاءات الموجودة لتحقيق أقصى استفادة منهم، فضلا على الجدية فى تطبيق الضوابط القانونية فى العمل حتى لا يكون مجرد عمل صورى يقتصر دور الموظف فيه على تسجيل الحضور والانصراف بدون تقديم عمل حقيقى، مشيرا إلى استمرار ثقافة الإقبال على العمل فى الحكومة للاستفادة من التأمين الصحى والمعاش وغيرها من المميزات المفقودة فى القطاع الخاص، وهو ما يزيد من أعباء الجهاز الإدارى للدولة وينعكس بالسلب على كفاءة الخدمات المقدمة وأيضا على مستوى الأجور.