الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

المتكبرون يتجرعون الذل والهوان يوم القيامة

المتكبرون يتجرعون الذل والهوان يوم القيامة
المتكبرون يتجرعون الذل والهوان يوم القيامة




يعد الكبر هو الوجه الآخر لقيمة التواضع، وهو نوعان: كبر على الله تعالى، وذلك مثل استكبار إبليس حين رفض الامتثال لأمر الله بالسجود لآدم عليه السلام، وهو أشد أنواع الكبر؛ لأن المتكبر يستنكف أن يكون عبدا لله تعالى، ولذلك ارتبطت به آيات الوعيد، قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ» {غافر: 60} - وكبر على العباد، وذلك بأن يستعظم العبد نفسه، وينظر لغيره نظرة ازدراء واحتقار وترفع، وهو أقل إثما وجرمًا من النوع الأول، إلا أنه يبقى كبيرة من الكبائر التى توعد الله أصحابها بالنار، لأن المتكبرين ينازعون الله فى صفة من صفاته، فهو سبحانه: « الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ» (الحشر 23).
 والكبر صفة تفرد الله تعالى بها؛ فكل ما عداه سبحانه حقيرٌ وضئيلٌ وقليلٌ، بالنسبة له، فإذا شذ عبد أيًا كان هذا العبد عن عبوديته وتكبر فإنه حينئذ كأنه يريد أن يكون شريكاً لله، ولذا توعَّده الله بالعذاب الأليم، يَقُولُ جلَّ وعلا فى الحديث القدسي: «الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، مَنْ نَازَعَنِى وَاحِدًا مِنْهُمَا أَلْقَيْتُهُ فِى جَهَنَّمَ» فهو سبحانه الجبار المتكبر، وهذه المنازعة قد تسبب العقوبة فى الدنيا قبل الآخرة، فعن ابْنَ عُمَرَ- رضى الله عنه -
 قال: قال النَّبِيَّ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ خُسِفَ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِى الْأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، أى هو يغوص فيها، والعياذ بالله، وكذلك يُحشر المتكبرون يوم القيامة  فى حجم الذر، يقول - صلى الله عليه وسلم: «يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِى صُوَرِ الرِّجَالِ، يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، يُسَاقُونَ إِلَى سِجْنِ جَهَنَّمَ، يُقَالُ لَهُ: بُولَسُ، تَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ، يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ: طِينَةِ الْخَبَالِ»؛ أى أن الإنسان الذى كان ينظر للناس نظرة اشمئزاز يأتى يوم القيامة فى حجم ذرَّة صغيرة، وفى رواية «يَطَؤُهُمُ النَّاسُ بِأَقْدَامِهِمْ»؛ أى تدوس عليهم الناس، لهوانهم على الله تعالى، ثم يسقون - والعياذ بالله – من عصارة أهل جهنم، وهى العصارة التى تسمى بــ «طينة الخبال» إمعانًا فى احتقارهم؛ لأنهم كانوا يحتقرون الناس فى الدنيا، فهذا الحديث تقشعر منه الأبدان، ومعناه أن حجمهم فى الدنيا لا يساوى شيئًا، ويُرَدُّوا إلى حجمهم الطبيعى الحقيقى الحقير يوم القيامة، تطؤهم الناس لهوانهم على الله سبحانه وتعالى، ويتجرعون الذُّلُ من كل مكان، فلا يحشرون مثل الذر فحسب، وإنما أيضا أذلاء يبدو عليهم الذل ويظهر عليهم، ثم بعد ذلك إمعانًا فى احتقارهم يسقون من عصارة أهل جهنم وهو الذى سمى بــ «طينة الخبال».
وعلى كل مسلم أن يحفظ هذا الحديث: «يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِى صُوَرِ الرِّجَالِ، يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، يُسَاقُونَ إِلَى سِجْنِ جَهَنَّمَ، يُقَالُ لَهُ: بُولَسُ، تَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ، يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ: طِينَةِ الْخَبَالِ» ويتذكر هذا الحديث كلما حدثته نفسه بأن يكون فى وضعٍ متميزٍ على الناس، أو فى وضعٍ يريد أن يعلو بنفسه على الآخرين، فإن هذا الحديث سوف يرده إلى حقيقته وإلى طبيعته كعبدٍ من عباد الله تعالى.