الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إرهاب الجوع

إرهاب الجوع
إرهاب الجوع




كتب -  عاطف بشاى

قال لى صديقى «النخبوى» العتيد فى انفعال بالغ وسخط شديد:
أنا غير مقتنع بتاتاً البتة أن تغيير القوانين وسرعة البت فى الإجراءات القانونية فى البنية التشريعية والحسم فى تطبيق العقوبات وتنفيذ أحكام الإعدام الصادرة ضد الإرهابيين هما  الطريق الصائب والحل الحتمى للقضاء على الإرهاب.
ما أن هممت بالتساؤل عن الأسباب التى دعته إلى الرفض القاطع حتى أسرع مردداً بنفس النبرة:
أنا غير مقتنع بتاتاً البتة أن لمشاريع التنمية فى المجالات المختلفة الصناعية والتجارية والزراعية أولوية فى هذه المرحلة الفارقة التى نعيشها الآن بعد التصاعد الخطير لنشاط الإرهابيين فى الأيام الماضية والذى بدأ باغتيال النائب العام «هشام بركات» وحتى أحداث سيناء المروعة و...
ما أن هممت بالتساؤل عن الأسباب التى دعته إلى عدم الاقتناع بذلك حتى أسرع أيضاً منتقلاً لنقطة أخرى مردداً بنفس الطريقة وقد تصاعد سخطه وانفعاله:
أنا غير مقتنع بتاتاً البتة أن الفقر يؤدى حتماً إلى الإرهاب وأرفض الانزلاق إلى تلك الأفكار والتصورات التى مازال يروجها اليساريون والماركسيون عن التفاوت الطبقى والظلم  الاجتماعى.
ده كلام «شمال» خالص.. ها.. ها.. ها..
 (فهمت فيما بعد أن كلمة «شمال» هذه يقصد بها فى لغة وفقه شباب هذه الأيام كل ما هو منحرف وحقير وسيئ السلوك).
أسرعت فى نفاد صبر وغيظ مردداً:
أنا أتفهم جيداً أنك «نخبوى» عظيم الشأن والنخبويون يتميزون عن العامة البسطاء من أمثالى بأنهم يبدأون حديثهم دائماً بكلمة «لا» ويقتادون فى ذلك باستهلال قصيدة للشاعر الراحل «أمل دنقل» يقول فيها:-
(المجد للشيطان معبود الرياح / من قال لا فى وجه من قالوا نعم)
دعنا نناقش بهدوء كل اعتراض على حدة.. لماذا أولاً أنت غير مقتنع بتغيير القوانين وسرعة البت فى تنفيذ  أحكام الإعدام ؟؟
هتف فى ثقة واعتداد:
أرجع إلى التاريخ واسأل نفسك هل الردع بإعدام الإرهابيين أدى إلى نتيجة مباشرة بالقضاء على الإرهاب؟
سيد قطب مثلا صدر حكم باعدامه فى عهد «عبدالناصر» وفى خلال أسبوع واحد وقبل أن يفكر فى استئناف تم تنفيذ الحكم، فهل انتهى فكره من الوجود؟ إطلاقاً بل أعتبره أنصاره شهيداً (كحسن البنا) ومفكراً إسلامياً عظيماً وإماماً دينياً ورعاً، وها هم «القطبيون» يكملون رسالته الإرهابية وينفذون مبادئه الإجرامية.
هل أرهب إعدام قتلة السادات الجهاديين؟
واجهته مردداً: مهما قلت يظل الردع السريع ضرورة أساسية من ضرورات مواجهته الإرهاب والإرهابيين فى هذه المرحلة الدقيقة و إلا ازداد توحشهم وأتوا على الأخضر واليابس.. ألم تقرأ عن آخر ما تفتق عنه عقول أشرار « داعش» فى ابتكار أحدث أساليب قتل الأسرى .. إنهم يربطون رءوسهم بشرائط الديناميت ويفجرونها، وهم يهتفون و يكبرون.
قال:
لا تنسى أن هناك تخوفاً  مشروعاً من انحراف التطبيق من هدف عظيم وهو القضاء على الإرهاب باسم الدين – وهو أفظع أنواع الإرهاب على مدى العصور – وانتهاك الحقوق الإنسانية
قلت بغضب:
حقوق الوطن وسلامته وأمنه أولى وأهم وأجدى.. ثم أنه أى حقوق إنسان تلك التى يمكن تحقيقها فى وطن منهار متداعى خائف لا يملك إرادته -لا قدر الله – لو نجح الإرهابيون فى التمكن منه ؟
أما ما أثرته من علاقه الإرهاب بالفقر فيبدو أنك لا تدرك إدراكاً كافياً أن مواجهة الإرهاب تنجح عبر التنمية ومواجهة الفقر والبطالة وتحقيق العداله الاجتماعية.
بل يبدو أنك قد نسيت أسباب قيام ثورتى 25 يناير و30 يونيو، أنهما ثورتا الطبقة الوسطى والفقيرة ابتداء من الإرهاصات الأولى وحتى قيامهما.
هل أذكرك «بعبدالمنعم جعفر» الرجل البسيط صاحب كشك بيع الفول و الطعمية لسائقى النقل فى طريق مصر  والذى سكب البنزين على رأسه وأشعل النار فى جسده أمام مبنى مجلس الوزراء  قبل ثورة 25 يناير بعدة أيام لأن المسئولين تعنتوا معه فى صرف عدة أرغفة خبز زائدة.
أن المجتمع الطبقى والهوة الشاسعة بين الفقراء والأغنياء وعلى رأسهم لصوص المال العام وأراضى الدولة وأموال البنوك فى مجتمع فاسد هم الذين عجلوا بقيام ثورة يناير، فلما وصل بعد ذلك الإخوان للحكم زاد الفقر والعوز والاحتياج  فكانت  ثورة 30 يونيو.
قال:
أنت لم تفهمنى، أنا أقصد أنه لا توجد أسباب اقتصادية مباشرة للإرهاب وليس قيام الثورات بمعنى أن الإرهاب يوجد فى السعودية والكويت وفرنسا وألمانيا، وهى شعوب غنية، ولا تنسى ثراء «أسامة بن لادن»، و«الظواهرى»، بل ومعظم الإخوان.
قلت:
فى النهاية نحن لا يمكننا أن ننحى المشاريع الكبرى للتنمية جانباً بحجة أننا نواجه الإرهاب، والمشروع الأكبر وهو الحرب ضد الإرهاب لا يتناقض مع الاستثمار، وبناء الوطن، وإلا خلقنا نوعاً آخر من الإرهاب، لن يكون مصدره الإخوان أو السلفيون أو الداعشيون أو الجهاديون، أو سائر التنظيمات التى تتخذ من الدين ستاراً لها، بل هو إرهاب الجوع، هل فهمت؟!، إرهاب الجوع.