الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

محمد عبلة:الحركة الثقافية منهكة بكم هائل من الاستقطابات والضبابية




خلال الأعوام الماضية لم يكن الفنان محمد عبلة بعيداً عن المجتمع المصرى وما يموج به من أحداث سياسية زلزلت عرش الماضي، وكان نزوله إلى ميدان التحرير فى الأيام الأول للثورة المصرية خير دليل، يعبر برسومه وآرائه عن مشكلات المجتمع وهمومه، يطوف ومعه أعماله التى لا تقل عن آرائه وأفكاره إثارة للجدل والاحترام فى آن واحد، يرى فيها مصر والعالم بعينه الفنية وتنقلها فرشاته، يرقبها بنظرة شمولية كأنه يراها بمنظور «عين الطائر»، وهو أيضا أحد فنانى الحركة الثقافية المصرية الواعين، يمارس السياسة من خلال أعماله الفنية وآرائه مسلطا الضوء على المهمشين، ناقلا أوجاعهم وهمومهم، وهو أيضا صاحب «الفن التفاعلي»، ذلك الأسلوب الذى ابتدعه لتبسيط الفن وفك رموزه وطلاسمه، يتيحها لم أراد سلوك دروبه وحواريه.
 
عن الوضع الراهن للحركة الثقافية المصرية ومعترك أحداثها السياسية حاورناه فى روزاليوسف فإلى نص الحوار.
 

 
■ ما رأيك فى الحركة الثقافية المصرية فى وضعها الراهن وما سبل تنشيطها؟
 
- الحركة الثقافية المصرية أصابها الاضطراب الشديد فى الفترة الأخيرة، خصوصا بعد الثورة، ففترة مبارك وعمليات التجريف التى مارستها السلطة  بشراسة للقضاء على أى بذور للاختلافات  فى الرأى عن المقولة الرسمية جعل المشهد عبثيا خصوصا أن الجانب الرسمى فى إنتاج الثقافة كان يمتلك معظم المقدرات، وبعد الثورة الحركة الثقافية  منهكة بكم هائل  من الاستقطابات والضبابية.
 
■ كيف ترى صعود الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم وهل لذلك تأثير على الحركة الثقافية بوجه عام، والحركة التشكيلية بوجه خاص؟
 
- صعود الإخوان سببه الرئيسى الخراب الذى حل بالمشهد الثقافى، كما لم تؤد مؤسسات الدولة دورها، علاوة على تخاذل القطاع الأكبر من المثقفين عن الالتحام بالناس، كما لم يكن أمام القطاع العريض من البسطاء سوى الخطاب الديني، بالطبع ذلك سوف يؤثر سلبا على الحركة الثقافية، وسوف نعود إلى الأسئلة البديهية  التى تصورنا أن حركات التنوير  قد حسمتها منذ عقود، يعنى «هانبدأ من أول السطر».
 
■ كأحد المثقفين والفنانين الواعين كيف ترى تصور صياغات بنود الدستور المصرى الجديد وكيف تتمنى أن تراها؟
 
- من المهم الآن القتال فى معركة الدستور حتى نحافظ على مكتسب حرية الفكر والبحث العلمى وحرية الرأى والتعبير، وهى معركة ليست سهلة، حياة أو موت ولابد. من القتال فيها بشراسة، ولابد أن نكافح من اجل توضيح أهميه الفن والإبداع
 
■ ما رأيك فيما يحدث الآن من منع لبعض مقالات الرأى فى الصحافة المصرية من الصدور؟
 
- إن ما يحدث من منع للمقالات فى الصحافة، شيء خطير جدا يجب على الجميع التصدى له بكل قوة، و على الكتاب والصحفيين أن يدافعوا عن وجودهم ومهنتهم، ولابد أن يدرك الجميع أن أى انخفاض مستوى الحريات، سوف يؤدى إلى ضياع كل شيء.
 
■ ما الأسباب التى تدفع عبلة للتجريب فى الفن؟
 
-أنا أجرب لأننى لدىَّ طاقات كثيرة وأفكار وعوالم، وأشعر أنه من الظلم أن أرفض خروجها، فهى لو خرجت ستكون مفيدة لى أو لأحد أخر، كما أننى لا أحب الاستسهال فى الأشياء، فالأسلوبية أعتبرها نوعاً من الاستسهال، ولذلك فأسلوبى «أنى مليش أسلوب»، وهذا اتجاه فى الفن، البحث عن إمكانيات أخرى لما هو متاح، وهو جزء من دور الفنان، والتجريب عندى أيضا يرجع إلى عدم حرصى على أشياء كثيرة، فأنا لست حريصا على تاريخى الفنى ولا على مال أو شهرة، باختصار «معنديش خوف».
 
■ لكنك بعد حريق مرسمك ودمار الكثير من أعمالك فى «المسافر خانة» ظللت ترسم كثيرا، مما خفت؟
 
- التاريخ احترق، وشعرت بالعرى لعدم وجود لوحات، فهى أكثر شيء يشعرنى بالدفء، وأكثر شيء يؤنسني، وفجأة أذهب إلى المرسم وكان كبيرا فلا أجده ولا أجد لوحاتي، وبعدما انتقلت إلى جزيرة «القرصاية» أقمت مرسماً كبير هناك، وكانت الحوائط خالية، فشعرت بالرعب من فكرة عدم وجود لوحات، لذلك رسمت كثيراً، وكنت أشعر أن الرسم هو ما سيخرجنى من الأزمة.
 
■ ألم تحاول إعادة إنتاج أى من أعمالك التى احترقت؟
 
- لا أفعل ذلك، فلم أقم يوما برسم اسكتش ونفذته، وإنما أواصل البحث عن فكرة أخرى، فكل عمل فنى له ظروفه الخاصة، وعندما تأتى الفكرة أنفذها سريعا، حتى أننى كنت «اشتغل وخلاص» لا موضوع ولا أى شيء، كنت أرسم فقط كى يكون حولى لوحات، وكنت أرسم كل يوم لوحة، وفى معظم الأحيان أرسم ولا أرى اللوحات إلا بعد عرضها، وأعرف أخطائي، وأكون سعيداً لو أن المشاهد رأى نفس الأخطاء، وأرى أن جمال العمل الفنى فى عدم اكتماله وشعور الفنان بعجزه، وأن يكون للمشاهد دور فى تجميع بعض نقاطه، فنحن نرسم اللوحات ونموت، وبالتالى لو لم تكن تحكينا هذه اللوحات تصبح تافهة جدا، بعيدا عن ثمنها.
 
■ «الفن التفاعلي» جانب من تجريبك حدثنا عنه؟
 
- درّست فى النمسا بأكاديمية الفنون لمدة ثلاث سنوات، وكنت أريد تقديم فكرة فى خيالى تقول إن الفن ليس أسراراً، وأنه بسيط ويمكن لأى إنسان أن يرسم، وتساءلت كيف نعلم الأطفال الرسم، وقلت وأنا صغير كنت أحضر شفافاً وأشف الخرئط، وقلت بدلا من أن أشف الخرائط ممكن أشف الدنيا، وسرحت ثم نمت، وقمت فجرا وأمامى المشهد كامل، وذهبت فى الصباح الباكر واشتريت «مشمع» كبيرا، وفردته فى المرسم الخاص بي، وجمعت الطلبة وطلبت منهم إحضار أناس عاديين من الشوارع، وكانت متعة، خاصة أننى كنت أفكر منذ زمن فى وسيلة تحبب الناس فى الفن، وتجعل بينهم فى نفس الوقت تواصلاً وحواراً، وأنا لدى خلفيات فى هذا الأمر، فقد كنت أعالج بالرسم.
 
■ ما الفارق بين الجرافيك الذى يقدمه «عبلة» وبين ما يدرس فى الكليات؟
 
- درست التصوير الزيتى فى مصر، وفى النمسا وسويسرا درست الجرافيك والنحت، طبعا الفارق كبير بين التعليم فى مصر والخارج، هم يتعلمون «التكنيك» بشكل صحيح، وهذا الأمر كان مفيدا جدا بالنسبة لي، ولكنى كنت أتعلم التكنيك كى اكسره، أو أقوم بعكسه، والجرافيك الخاص بى قائم على فكرة التجريب أيضا، آخذه بعيدا عن قواعد اللعبة، وأرى أن التكنيك خادم للفكر والمشاعر وليس العكس، أما الفنان فى مصر فهو ينفذ التكنيك «كما أُنزل» مما يؤدى إلى جمودها.
 
■ ما رأيك فى أسلوب التدريس الأكاديمى فى مصر؟
 
- متخلف جدا، فمثلا عندما كنت أدرس كان الطلبة هم من يختارون الأستاذ، فنرى أستاذاً يدرس لديه 100 طالب وآخر لديه ثلاثة طلبة، ونجد هذا الأستاذ يتابع الطلبة جيدا وينصح أحدهم بأن يكمل فى أسلوب معين، وأخر أن يترك الكلية، وهكذا، فتتكون علاقة بين الطالب والأستاذ ولا تتوقف الأمر عند تعليمهم التكنيك فقط، ولكن الحياة أيضا، أما فى كليات الفنون عندنا فالطالب لدية 4 أساتذة أحدهم يقول له: «برافوا» وآخر يقول: «شغلك وحش مش عارف ترسم إيدين»، والثالث يقول «كويس أنك بتشتغل باهمال كده مترسمهش الأيدى كويس»، أخر يقول «التشريح فين يا ابني»، وفى النهاية الطالب يقدم شغل يرضى جميع الأذواق، وفى داخله يقول بعدما انتهى من الكلية سأختار الأسلوب، ولا يدرك أن أمره قد انتهي.
 
■ مسألة خروج الفن من جدرانه، هل الناس يمكن أن تتفاعل معه، وهل العزلة الموجود فيها الفن فرضها الفنانون على أنفسهم أم المجتمع؟
 
- فهناك تصور خاطئ المرسم وينظر الأفكار تهبط عليه، وكذلك صورته فى وسائل الإعلام، كما أن بعض الفنانين لديهم تصور خاطئ، أن الناس يجب أن تحب لوحاته، وآخر يكون لديه تصور أن هناك من يكره شغله، فى حين عليه أن يعرف أن بعض الناس ستحب أعماله والبعض الأخر سيكرهها، لأنه ليس فناناً لكل الناس، هو فنان فئة معينة، وليس بالضرورة أن تكون الصفوة، أو الغلابة، وعلى الفنان أن يعرف عمن يعبر، فلا يوجد فنان يمكن أن يعبر عن أحلام وهموم الجماهير كلهم، ولكن هناك بعض الفنانين يحملون على عاتقهم أن يمدوا الجسور، فنحن فى مجتمع به نسبة أمية وجهل فنى عاليه جدا، وهناك من الفنانين من يقول «أنا مش وزارة تربية وتعليم»، وهناك من يرى أهمية الانغماس مع الناس، والأخذ بأيدهم، وأنا من النوعية الثانية التى ترى أن الفنان له دور يجب القيام به، فى النهاية هى مسألة «موروث».
 
■ ما رأيك فيمن يردد مقولة «الفن للفن»، وليس لنا علاقة بما يحدث فى المجتمع؟
 
- أرى أن الفن من غير سبب قلة أدب، فأنت فنان ويجب أن يكون الفن فى خدمة أفكارك، وأن يكون لك موقف تدافع أو تهاجم، ووسيلة الهجوم ليست المسدس أو القنبلة وإنما هى أعماله، وما يحدث فى المجتمع له تبعاته السيئة التى تنعكس على الفن، فإذا كانت الحالة الاقتصادية متردية، فلن يبيع لوحات، ولو كان هناك جهل يزيد ينعكس أيضا عليه، والفنان يحتاج إلى جو حرية، وهى ليست هبة أو منحة، بل يجب أن يتنزعها، فكيف يوافق أن يتنزعها شخص آخر بالنيابة عنه كى يستمتع بها.
 
■ ما رأيك فى أداء قطاع الفنون التشكيلية والوزارة وهل هم مكملون للحركة؟
 
- مازالت وزارة الثقافة هى اللاعب الرئيسى فى أمور الفن التشكيلي، فلديهم إمكانيات كبيرة وينفقون ولا ينتظرون العائد، بعكس القاعات الخاصة التى تقدم النشاط وتنتظر العائد، طبعا هناك سلبيات ومحاباة فى الوزارة، ولكن هذا لا يمنع أنه اللاعب الرئيسى بالايجابيات التى يملكها، وأنا شخصيا مقتنع بأنه لا بد من خصخصة قطاع الفنون التشكيلية، ولننظر للصين و هى بلد شيوعية، لكن الحركة الفنية ازدهرت فيها بشكل رهيب وأغلى فن الآن هو الفن الصيني، فالحكومة تنشئ «جاليرهات» وتمنحها لفنانين يديرونها، فدخل الصين الآن من الأعمال الفنية بالمليارات، وللأسف الشديد قطاع الفنون يدار بالمحسوبية ولا تهم الكفاءة ولا الخبرة، المهم أن يكون الوزير راضاً عنك.
 
■ هل يمكننا القول بأن هناك قصدية فى ذلك؟
 
- مقصود أن يكون لديك حركة ثقافية، لكن شكلية، و إلا لم نكن لنسمح بأن تضيع منا أفريقيا ثقافيا وآسيا وأمريكا الاتينية، لم يكن العالم العربى ضاع منا ثقافيا، هل كل ذلك سوء تقدير؟، بالطبع لا، هى مقصودة، هناك أوامر بألا نعلب فى أفريقيا، فهذه مخططات، وقد سبق واقترحت عشرات الأفكار لأنشطة فى أفريقيا.