الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الهوية قضيتى الأولى.. والشقاء الإنسانى موضع اهتمامى

الهوية قضيتى الأولى.. والشقاء الإنسانى موضع اهتمامى
الهوية قضيتى الأولى.. والشقاء الإنسانى موضع اهتمامى




حوار - خالد بيومي
ناصر الظفيرى من أبرز الأصوات الروائية والقصصية فى الكويت هو من مواليد عام 1960 ويقيم فى كندا منذ فترة طويلة.
أصدر أول أعماله القصصية تحت عنوان «وليمة القمر» عام 1989 بعد أن منعتها الرقابة من النشر لمدة عامين فى الفترة التى توقفت فيها الحياة البرلمانية وفرض الرقابة المسبقة على النشر بشكل عام. ونشر روايته الأولى «عاشقة الثلج» عام 1992 عن تجربة أكراد العراق تحت حكم صدام حسين رغم أنه لم يقم بزيارة العراق حتى اليوم وجميع أحداثها متخيلة ومبنية على قراءات تاريخية.
ونشر باكورة مجموعاته القصصية عام 1993 تحت عنوان «أول الدم» عن التجربة الإنسانية للغزو العراقى للكويت بعيدا عن التشنج الذى صاحب كتابات تلك الفترة. وصدرت روايته «سماء مقلوبة» عام 1995 عن حياة الشقاء فى قرية الجهراء رغم ثراء البلد النفطى صغير الحجم. وصدرت روايته «أغرار» عام 2008 فى المنفى. وصدرت روايته الأخيرة «الصهد» عام 2013 عن تجربة البدون فى الكويت وضياع حقوق مواطنتهم على مدار حكوماتهم المتعاقبة.. هنا حوار معه:

■ عاشقة الثلج هو عنوان روايتك الأولى.. لماذا اخترت هذا الاسم؟ وما مدلول هذه التسمية عندك؟ وإلى أى مدى ذاتك حاضرة فيها؟
كان ذلك عام 1990 /1991 بعد تجربة الغزو العراقى للكويت وهى تجربة مريرة دون شك، ولكننى كنت فى غمارها وكان علىَّ أن ابتعد عنها لأكتب عنها برؤية أشمل ودون انفعال مباشر. اخترت أن أكتب عن النظام الشمولى وقسوته مع شعبه أولا قبل أن ينقل لنا عنفه. كان أكراد العراق أكثر من عانوا مباشرة من نظام صدام حسين وتجربة السلاح الكيماوى فى حلبجة.. تجربة مؤلمة تكتم عليها الاعلام العربى لصالح النظام العراقى حينها، ولأننى لم أزر العراق فى حياتى كان على أن أعتمد على الوثائق والأشرطة التى سجلت الحدث. نقلت كل شيء عبر شخصيات أبتكرت أغلبها فى حكاية روائية محورها حادثة حلبجة.
■ «سماء مقلوبة» هو عنوان روايتك الثانية.. حدثنا عنها؟
سماء مقلوبة الرواية الأقرب الى حياتى تتحدث عن شخصيات مهمشة فى قريتى الجهراء الحدودية. كانت تلك الفترة هى فترة النشوء الحضارى فى الكويت التى نسيت مجموعة من الأفراد وهم غالبا من البدو خارج النظرة الحضارية. كان هؤلاء الناس يعيشون زمن النفط وبداية الثراء الا أنهم يسكنون عششا من الخشب والصفيح بلا كهرباء أو ماء أو شوارع، لا عناوين لبيوتهم وهم أقرب الى العشوائيات يعيشون تحت خط الفقر وأغلبهم مجندون فى الجيش الكويتى يفتقرون للتعليم والصحة. كانت سماؤهم غير السماء التى يعيش فيها أهل الحاضرة فى العاصمة وضواحيها.. تلك البيئة القاسية فرضت قسوتها على شخوص الرواية التى توحشت فى ظل غياب الثقافة المؤسسة لمفهوم الدولة. وحين نشأ البطل الطفل وبدأت حياته تتحسن بعد تغير المناخ واهتمام الدولة بهم كان ذلك متأخرا وفشل فى أن يكون انسانا سويا.
■ كيف ترصد حركة شخصيات رواياتك؟ هل يتم ذلك من خلال مشاهداتك اليومية أم من خلال ما تلتقطه شفاهيا؟ أم تقدم هذه الشخصيات انطلاقا من مسئولية الكاتب أمام التاريخ والإنسان؟
عشت فى بيئة قدمت لى الشخصيات على أطباق من ذهب، لم أجتهد كثيرا فى خلقها كنت كمن يتحرك فى رواية، كل ما حولى يدهشني، الناس والمكان ومفارقات الزمن، وكل ما أفعله هو تطوير هذه الشخصيات بما يخدم النص الروائي. كان لزاما على وأنا ابن هذه البيئة الدرامية أن أكون لسانها وروايتى هى تاريخها الذى أعتقد أنه لن يكتب فى يوم ما.. انها بالتأكيد مشروعى الذى أعمل عليه حاليا.
■ تتعدد الامكنة فى رواياتك.. ماذا يعنى المكان بالنسبة لك؟
المكان فى سماء مقلوبة كان أحد أبطال القصة والمؤثر الرئيسى فى حركة الشخصيات وتحديد أنماط أفعالها. المكان هو الذى يصنعنا ويحدد طبيعة الحسن والقبيح فينا. وربما لأننى عشت خليطا مكانيا غريبا وغامضا فانتقلت من صفيح وخشب الجهراء الى باريس وعدت الى العاصمة فى الكويت وخرجت الى كندا حيث أقيم الآن فلا بد أن ذلك خلق لدىَّ ما يسمى بالصدمة الحضارية من جهة والصدمة المكانية أيضا. وفى أغلب أعمالى يتحرك الزمن والمكان بخطوط غير متناسقة ومتضاربة أحيانا. منحنى المكان مساحة كبيرة من الحركة التى تحتاجها الشخصيات والاحساس بالمكان بما يساعد على مزج المتخيل والواقعى فى السرد.
■ ما القضية الرئيسية عندك؟
بالتأكيد الهوية هى قضيتى الأولى، لم أنتم لأى بلد منذ ولادتى حتى اكتسابى الجنسية الكندية فى الأربعين من عمري، ذلك خلق بداخلى غربة خاصة، لم أتمكن من القبض على شعور المواطنة الكاملة ولا الاحساس بها كشريك للآخرين بها وطنى كبير. فخرجت من دائرة المحلية الى القومية الدائرة الأكبر. ربما كان ذلك ما منحنى فرصة ألا أكون ضيق الأفق فى انتمائى فأنا مواطن لكل بلد عربي. القضية الأخرى هى قضية هؤلاء البسطاء الذين قاسمتهم حياتهم وبؤسهم ولفظتهم الحياة الجديدة فى زمن النفط الى أصقاع الأرض ومن بقى منهم يعانى غربة أخرى فى المكان الذى يعيش فيه.
■ ما الرواية التى تعبر عن نفسك وعن أفكارك؟
أعتقد أن رواية أغرار هى أقرب الروايات بالنسبة لى وهى رواية تناولت فكرة السلطة من منظور أعمال ميشيل فوكو وصراع الانسان مع هذه السلطة ومحاولة التمرد عليها رغم حاجتنا اليها واقتراننا بها اجتماعيا وسياسيا. تناولت الرواية حياة شاب يجهزه والده لثأر أخيه القتيل غدرا، ولكنه يسلك طريقا آخر حين تتغير ظروف حياته.
■ هل تعانى مأزق الورقة البيضاء؟ وكيف تبدو لك لحظة الكتابة؟
لا أستطيع أن أحدد لحظة الكتابة الفاعلة ولكننى أكتب بشكل يومى غالبا، أحيانا أكتب تعليقا لا أحتفظ به، وأحيانا أكتب عملا لا يكتمل ويتوقف لأسباب فنية. لا أمارس طقوسا للكتابة، فى أغلب الأحيان تتغير الرواية وأنا فى منتصفها وتسلك مسلكا آخر لم يكن فى ذهنى بداية. ولكنى بالتأكيد أعرف الفكرة الرئيسية التى أريد تناولها قبل بداية الكتابة، ما يتغير هو سلوك بعض الشخصيات وتفاصيل تجسيدها والذى لا يؤثر على الخط الدرامى للعمل. فى أغلب الأحيان أحلم بشخصيات رواياتى التى أعمل عليها وأراها كأشخاص طبيعيين أحاورهم وأستعير منهم جملا كاملة.
■ ماذا أعطتك الغربة وماذا أخذت منك؟
هذا من أقسى الأسئلة! أخذت منى الغربة أكثر مما أعطت. أخذت منى الناس الطيبين والأصدقاء ولقاءاتى الأسبوعية ومتابعة الحركة الثقافية، أخذت منى قربى من قرائى وكتّابى الذين كنت ألتقى معهم، أخذت الغربة أجمل أيامي. حولتنى الى شخص غريب حتى حين أعود الى مسقط رأسي. وخذلتنى حين لم أجد الا القليل من العرب المهتمين بالحراك الثقافي. أعطتنى الغربة الهدوء وأسكنت الضجيج الذى عشته فى فترات بحثى عن ذاتي. أعطتنى الغربة أطفالا لا يفكرون بما مرّ به والدهم وأعطتنى أصدقاء جدد بالتأكيد ولكنها أشعلت الحنين الى الماضي. وأكثر ما أعطتنى اياه الغربة هو العيش فى مدينة تتناقض حضاريا وثقافيا مع مدينتى ولكنها تضيف لى بعدا ثقافيا جديدا.. بالتأكيد ذلك بالاضافة للفرصة التى منحتها لى الدولة هنا بالحصول على بكالوريوس وماجستير الأدب الانجليزى وفرصة اطلاعى على الأدب الكندى وأدب الهنود الحمر السكان الأصليين لأمريكا الشمالية.