الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

النساء يجلسن فوق المقابر ويبكين على فراق الأحبة

النساء يجلسن فوق المقابر ويبكين على فراق الأحبة
النساء يجلسن فوق المقابر ويبكين على فراق الأحبة




تقرير – حجاج سلامة
اهتم المصريون بالأعياد عبر التاريخ، وجعلوا أيامها عطلات رسمية لا يذهبون فيها إلى العمل، وتعددت الأعياد فى مصر القديمة ووصلت إلى 282 عيدا تسجل تفاصيلها رسوم ونقوش معبدى هابو غرب الأقصر، وإدفو فى محافظة اسوان، وكانت الأعياد لدى الفراعنة موسما للخطبة والزواج والفرح والسرور.
وتلعب الأعياد دورا مهما فى حياة الناس وعرفت شعوب العالم الاحتفال بالأعياد منذ آلاف السنين، وكانت الأعياد مناسبة للبهجة والفرح والتخلص من الآلام وسط الضحكات والتهليلات والموسيقى وكانت الحواجز الاجتماعية تنهار فى الأعياد، فيستطيع الإنسان نسيان وضعه الاجتماعى وان يصبح شخصا آخر تتحرر مواهبه الخلاقة من القيود التى تغلها معظم الوقت فى الحياة اليومية العادية.
وللعيد فى مدن وقرى صعيد مصر بينما للأقصر التاريخية بوجه خاص طابع متفرد فهنا عادات وتقاليد ترجع لعهود الفراعنة ويكفى أن نعرف أن أعمدة وجدران معابد مدينة هابو غرب مدينة الأقصر سجلت طقوس 282 عيدا عرفتها مصر القديمة.
ولأهالى الأقصر والصعيد طبيعتهم الخاصة حتى فى الاحتفال بالأعياد. وذلك لما يتمتعون به موروثات شعبية كبيرة لاتزال متوارثة وحاضرة حتى اليوم.
وتنقسم تلك الموروثات والعادات الشعبية التى يحتفظ بها المصريون فى الأقصر  وقرى الصعيد، هى قضاء أول أيام العيد فوق مقابر الموتى، وفى صحبة من رحل من الأهل والأحبة. حيث يبدءون أول أيام العيد بارتداء الجديد ثم الصلاة والتكبير ، ثم التوجه إلى مقابر القرية رجالا ونساءًا وشبابًا وأطفالًا، ويجلسون فى محيط قبور من رحلوا، فالرجال يستمعون لقارئى القرآن الكريم، والنساء يرددن بكائيات على موت الأعزة ومن رحلوا صغارا وشبانا، أو رحلوا فجأة ، أو رحلوا فى بلاد الغربة. فيرددن: «مال المصلى اليوم ماصلى بريقه انكسر والا استخار الله» و«داركم واسعة وبابها كويس يا ميت ندامة صبحت بلا ريس». وللبكاء على الغريب الذى مات بأرض غير موطنه يرددن: «يا شيخ البلد يا صاحب الخيمة طلع حريمك بدوا للغريب ليلة».
والبكائيات والندابات موروث شعبى مصرى يرجع تاريخه لعهود الفراعنة، ففى مقبرة «راموزا» ترى صورة لم تتغير طوال أكثر من أربعة ألاف عام ولاتزال ترى فى بعض الجنازات فى الأقصر وكأنها مأخوذة اليوم.
وظاهرة زيارة الموتى التى يقوم بها المصريون فى صعيد مصر مع حلول أول أيام العيد عادة متأصلة فى نفوسهم منذ القدم ولم تستطع عوامل المدينة وارتفاع نسبة التعليم أن تقتلها ألا وهى «زيارة المقابر» فرغم بهجة وفرحة العيد لا ينسون من رحلوا من الأحباب والأهل والأصدقاء وهذا الطقس عنوان للمزاج المتعدد الذى يعيشه الإنسان المصرى فمن فرحة وبهجة إلى زيارة القبور وما يتبعه من حزن وألم ودموع.
كما أن للعيد مظاهره المبكية فى صعيد مصر فإن له مظاهره المبهجة أيضا، فهناك الاحتفال بـ«يوم الخبيز» الذى يسبق يوم العيد، حيث تحرص النساء وربات البيوت فى الأقصر على الاستعداد للاحتفال بالعيد مبكرا «بيوم الخبيز» والكحك إذ تقيم نساء كل نجع احتفالية جماعية لإعداد البسكويت و«الشريك» أو «الناعم» أى الغربية. أما الشريك فهو يجمع بين البسكويت والخبز العادى ويجهز على شكل أصابع ثم يحمص فى الفرن لتناوله مع الشاى فى الصباح. وذلك قبل العيد بعشرة أيام.. ويروى أن كعك العيد فى مصر هو عادة ترجع للعصور الفرعونية حيث كانوا يضعونه مع الموتى داخل المقابر وكان الفراعنة ينقشون على الكعك رسم الشمس ، آتون ، التى عبدوها لزمن طويل وكانت المصريات يشكلن الكعك على هيئة عرائس. ومازال هذا التقليد متبعاً حتى اليوم فى قرى الأقصر حيث تصنع الأم عدداً من العرائس بعدد أطفالهن وفى «طلعة العيد» - أى زيارة النساء لمقابر الموتى -  تحرص المصريات على تقديم كعك العيد على هيئة حلقات مغطاة بالسكر ليفرق على الفقراء ففى معتقداتهن المتوارثة أن «ملاك الرحمة» يقوم بتعليقها فى أحد فروع شجرة الحسنات ولا تنسى الأسر الأقصرية فى ليلة العيد إرسال «عشاء»  من اللحوم والخضراوات والفاكهة لكل بنات الأسرة المتزوجات وإلى خطيبات الأبناءـ أيضا ـ وهو عرف لا يتجاهله غنى أو فقير. وكذلك لهفة وشوق الأطفال الصغار لشراء ملابس وأحذية العيد الجديدة.. وربما الآن لم يعد الصغار فقط الذين يحرصون على شراء الملابس الجديدة ولكن الكبار أيضا.. والطريف أن أهل القرى فى صعيد مصر يشترون ملابس العيد الجديدة ليرتدوها عند الذهاب لزيارة موتاهم فى أول أيام العيد.
وفى صبيحة يوم العيد تقتصر مظاهر الاحتفالات بالعيد فى القرى على ارتداء الجديد والصلاة وزيارة الأقارب ومصافحة الأهل والجيران وتوزيع العيدية على الصغار، ويحرص البعض على تناول الإفطار فى ديوان العائلة ـ أى دار المناسبات ـ ثم التوجه إلى المقابر لزيارة الموتى، الأهل. كما يفضل البعض قضاء صبيحة العيد فى حلقة ذكر بإحدى الساحات مثل ساحة أبو الحجاج والشيخ الطيب والساحة الرضوانية. أيضًا فان ليلة العيد مازالت هى ليلة السهر والبهجة والأنس وكما قالت أم كلثوم فى أغنيتها يا ليلة العيد آنستينا وجددت الأمل فينا فهى ليلة الإنس والأمل ونسيان الآلام والأحزان. ومع فجر العيد وتصاعد التكبيرات تمتلئ الساحات والمساجد فى كل مكان بمجموع المسلمين من نساء ورجال وأطفال فى أبهى حلة لأداء صلاة العيد ثم بعد ذلك يتسابق الكل من أجل تقديم التهنئة للأهل والجيران. وفى ثانى ايام العيد تشهد بعض القرى مثل قرى المطاعنة فى جنوب الأقصر سباقات للخيل لاختيار افضل الفرسان والخيول وتشهد تلك السباقات منافسات قبلية للفوز بسباقاتها.
ويتشوق كثير من المصريين إلى مظاهر العيد العتيقة، ومظاهر الأعياد فى الماضى، ويحرصون على العودة بذاكرتهم إلى الوراء لاستعادة ذكريات العيد الجميلة  حيث «الأيام الخوالى وزمن البراءة والنقاء والقناعة»..
ومن الصور التى يتذكرها المصريون من ذاكرتهم  تقديم ما يسمى بـ«التمرية» وهو البلح الناشف والذى يتم تسويته فى الفرن وتضاف له القرفة والمكسرات, وكان الجميع يحرص على الذهاب بالصوانى وعليها «التمرية» والكعك والبسكويت للدواوين و«المنادر» – أى دور المناسبات بكل عائلة - ولكنها غابت وتوارت ألان وتشير إلى أن أطعمة العيد تختلف ما بين الريف والحضر.. وأنه مازال الريف المصرى يرى أن اللحم هو سيد الطعام ومازالت أطعمة العيد هى أنواع الكفتة واليخنى والفطير ومن بينها الفطير بالسخينة، كلها مأكولات العيد أما المدينة والبندر فهم لا يهتمون بذلك ولكن غالبا ما يتم إعداد أطباق من السمك وأحيانا الفسيخ كما أنه مازال فى الريف يتم تقديم أنواع الحلوى والفول السودانى والترمس للزائرين والمهنئين بالعيد وهى أساسيات ولايخلو منها كل بيت طوال أيام العيد.. كما أن العيد مرتبط دائما بعادة وطقس رائع وهو العيدية وكانت ومازالت موجودة.. ربما تغيرت قيمة النقود والأشياء فى زمننا المعاصر ولكنها مازالت باقية شاهدة على صلة الرحم والمحبة والتراحم من اجل إسعاد الأطفال بل والكبار أيضا فمازال العديد من الأسر تمنح العيدية لأبنائها من الصغار والكبار على السواء ولم يفلح الغلاء وظروف المعيشة فى تغيير هذه العادة الجميلة.