الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

أجبان بطعم الموت

أجبان بطعم الموت
أجبان بطعم الموت




تحقيق: مروة عمارة

«جبنة سايبة لو سمحت».. عبارة يستخدمها الكثير من المصريين فى محلات البقالة لشراء أجبان بيضاء.. رغم أنهم لا يعلمون مصدرها، ومدى مطابقتها للمواصفات وصلاحيتها للاستهلاك الأدمى من عدمه، ومكوناتها، وطبقا لضبطيات الإدارة العامة لمباحث التموين، حسب تصريحات اللواء مدحت عبدالله - رئيس مباحث التموين - أن الإدارة ضبطت منذ بداية العام الجارى 2015 عدد 128 قضية منتجات ألبان مغشوشة، بحجم مضبوطات 99 طنا منتجات ألبان، عبارة عن 315 ألف عبوة جبن وألبان و77 ألف قطعة جبن و7 آلاف عبوة زبادى فاسد، و1. 4 طن لبن بودرة، فضلا عن 5 أطنان مستلزمات تصنيع، وتنتشر تلك المعامل بالمحافظات، والعقوبة تجاه المخالفين تشمل غلق المنشأة طبقا لقانون الغش التجارى رقم 67 لسنة 2006 وفرض غرامة تتراوح بين 5 آلاف و100 ألف جنيه.. «روزاليوسف» تنقل للقارئ مدى خطورة تلك المنتجات غير الصالحة، وتلقى الضوء على مخالفات تصنيعها وأضرار استخدامها فى السطور التالية.


الأضرار
وتوضح دكتورة سحر شلبى - خبيرة التغذية - أن الأجبان عبارة عن لبن طبيعى وملح ومواد إنزيمية يتم إضافتها إلى اللبن والتى تصل به إلى التجبن فى درجة حرارة معينة ومقدار محدد من الملح واللبن الجاف المعاد استرجاعه وفصل المواد الإنزيمية عنه، ومن المفروض ألا يتم إضافة أى مكونات أخرى، ولكن إضافة الفورمالين الذى يدخل فى صناعة الجبن الأبيض رخيص الثمن يدمر خلايا الكبد التى تعمل كمصفاة للسموم داخل الجسم، فتتراكم هذه السموم وتؤدى إلى تليف الكبد‏، ويتحول الجبن لكتلة بيضاء من الكيماويات والفورمالين والملح واللبن، والأفضل الامتناع عن شرائه، حيث إنها السبب الرئيسى فى زيادة عدد مرضى الفشل الكلوى والالتهاب الكبدى.
يدافع منير محمد - أحد صناع الأجبان - عن معامل الجبن بمحافظة دمياط قائلا: «نحن صغار المنتجين ونسعى للنهوض بالمهنة بالرغم من عدم مساندة الدولة لنا، ونعمل طبقا للمواصفات والمعايير، وهناك معامل غير مرخصة ولكنها تراعى أصول المهنة، وأرجع سبب عدم ترخيصها إلى أن إجراءات الترخيص معقدة، حيث يستغرق عدة شهور، ويجدد كل عام، ويتطلب الحصول على عدة موافقات من جهات مختلفة منها الأمن الصناعى والبيئة والصحة والإشغالات وإدارة المبانى، والسجل التجارى والصناعي، ولكن برغم ذلك فالجبن الدمياطى سمعته معروفة»
4 آلاف معمل
أغلب تلك المعامل تعمل بخامات ومستلزمات تصنيع غير مطابقة للمواصفات، حسب أحمد صقر - عضو غرفة الصناعات الغذائية - وقال إن أغلب المعامل المنتشرة بالمحافظات، ويزيد عددها على 4 آلاف معمل غير مرخص، رغم أن المصانع المعتمدة لا يتعدى عددها الـ25 مصنعا، وتعمل من خلال ملح السياحات المحظور صحيا، ويتم تصنيع الجبن باستخدام «شرش اللبن» وكيماويات وصودا كاويا وفورمالين، وتعبأ فى صفائح مجهولة المصدر بشكل بدائى وغير صحى، ويعلوها الصدأ وبطرق تخزين غير ملائمة مما يعرضها للتلف السريع، كما أن اللبن المستخدم لا يتم معالجته حراريا وهو ما يعنى أنه تعرض للتلف قبل عملية التصنيع.
واستطرد: مرحلة إنتاج الجبن فى المعامل الصغيرة التى تستخدم الطرق البدائية فى عملية التصنيع، تقوم أولا بتجميع اللبن من مزارعى الريف، وهم لا يتوافر لديهم الإمكانيات الحديثة لبسترة اللبن أو معاملته حراريا ليتم القضاء على البكتيريا الموجودة فيه، ثم يتم الاستعانة بمواد كيميائية لقتل البكتيريا والجراثيم، ومن أخطر تلك المواد التى يتم إضافتها دون علم بتأثيرها السلبى على صحة الإنسان هى مادة الفورمالين، التى يتم إضافتها بسبب إهمال تلك المعامل لعنصر التبريد بعد مرحلة حلب اللبن، ثم يقطع مسافات طويلة ليصل إلى الموزعين والتجار، وتنتج تلك المعامل قرابة 800 ألف طن من الجبن سنويا.
وتابع: تضم غرفة الصناعات الغذائية 700 عضو، والمنشآت الغذائية تزيد على 12 ألف منشأة، وتتحكم الصناعات العشوائية فى 80٪ من حجم سوق الغذاء.
وقال «صقر» إن معامل ومصانع بير السلم تنتج 250 ألف طن جبن بيضاء و80 ألف جبن رومى، والقطاع الرسمى لا ينتج سوى 100 ألف طن من الأجبان، ويدفع فاتورة الترخيص والرقابة والتصنيع طبقا للمواصفات والمعايير والتوعية ضد مخاطر الجبن السايب، ويكفى أن مصنعا للجبن قد يتكلف 120 مليون جنيه لتأمين خطوط الإنتاج والتصنيع، بينما معمل الأجبان المغشوشة لا تتعد تكلفته 20 ألف جنيه، ولا تدفع مستحقات الدولة من ضرائب ورسوم وتحقق أرباحاً طائلة وتتحمل الدولة فاتورة أمراض السرطان والكبد والكلى التى تسببها.
طرق تصنيع غير صالحة
الدكتور مرسى السودة - خبير صناعة الألبان - قال إن هناك قطاعين لمنتجات الألبان، الأول القطاع الرسمى وهو كبار المنتجين وبعض المصانع الصغيرة والتى تعمل بشكل رسمى وبعضهم عضو فى شعبة الألبان، والقطاع الثانى هو المصانع غير المرخصة وتنتشر أغلبها فى محافظتى دمياط والدقهلية، ومتخصصين فى إنتاج الجبن الرومى والبراميلى والإسطمبولى ولا يخضعون لرقابة الجهات الرسمية، ويعتمدون على التلاعب بالخامات لتخفيض تكاليف الانتاج، ومنها استخدام الشرش «ماء يفرزه اللبن بعد وصوله لمرحلة الرايب» وبودرة السيراميك وغيرها من المواد الخطرة، ويتم الاعتماد على اللبن دون معالجة أو بسترة، ويتعرض للتلف، وبالتالى يؤدى لتلف الجبن المصنوع منه.
وواصل السودة: لا نريد غلق تلك المصانع والمعامل لأنها المورد الأساسى لمنتجات الألبان، ولكن نريد إخضاعهم للجهات الرقابية والترخيص وضمان عملها طبقا للاشترطات والمعايير التى نصت عليها هيئة المواصفات والجودة، وعليهم السعى لتشكيل كيان يجمعهم، وتحديد اسم تجارى معروف لهم حتى لا يتم إغراق السوق المصرية بمنتجات ألبان مجهولة المصدر وغير مطابقة للمواصفات، وعلى الدولة الوقوف بجانبهم وتسهيل الإجراءات لهم، وعلى أصحاب تلك المهنة السعى لتطويرها وليس للقضاء عليها، خاصة أن المعمل الواحد يستهلك من 10 إلى 20 طن لبن يوميا، و500 ألف طن سنويا أى ما يمثل 80٪ من كمية اللبن المتاح للصناعة.
شعبة الألبان
ولفت محمد الدماطى - رئيس شعبة الألبان - إلى تناقص حجم استهلاك «الجبن السايب» بسبب حملات التوعية، ووصلت لـ 30٪ من حجم الاستهلاك، وأغلب المعامل المنتجة لها تتهرب من دفع الرسوم والضرائب، وتقدر اقتصاديات سوق والألبان ومنتجاتها بـ 4 مليارات جنيه، وتنتج 1. 7 مليون طن، وتصدر 30 ألف طن أجبانا بيضاء و540 ألف طن من اللبن المبستر، والحل الأساسى للتخلص من تلك الأزمة وغيرها من مشاكل مصانع بير السلم، هو تشكيل هيئة سلامة الغذاء.
بلغت إحصائيات الجمعية المصرية لأمراض وزراعة الكلى عن مرضى الفشل الكلوى فى مصر 44 ألف مريض، أغلبهم دون سن الـ50عاما، ومنظمة الصحة العالمية أفادت أن مصر بها 42 ألف حالة فى حاجة ملحة لزراعة الكبد، حيث إن مصر تحتل المرتبة الأولى فى قائمة مرضى الالتهاب الكبدى «سي» على مستوى العالم، ونسبة مرضى السرطان فى مصر تتراوح بين ١٠٠ و٢٠٠ حالة جديدة لكل ١٠٠ ألف نسمة فى العام.
وحذرت الغرفة التجارية فى دراسة لها حول أسواق الألبان من وجود منتجات ألبان وأجبان فاسدة يتم تداولها بالأسواق، وتصنع من ألبان مغشوشة أو شرش اللبن، ومضاف إليها مواد ضارة لحفظها مثل الصودا الكاوية وزهرة الغسيل والأكسجين والفورمالين لإكسابها القوام المميز، واستدلت على ذلك بالسعر الزهيد الذى تباع به هذه المنتجات، ويصل إلى 6 جنيهات للكيلو.
ووضعت هيئة المواصفات والجودة المواصفتان رقمى 1007 و1008 عام 1970 للجبن الرومى والدمياطي، ثم حدثت عدة تعديلات آخرها عام 2005، والمواصفة رقم 1008 - 1/ 2005 وشملت نسب محددة من البروتين واللاكتوز وكلوريد الكالسيوم والدهن وملح الطعام مع السماح بإضافة المطعمات الطبيعية المصرح بها، لكن الهيئة تراقب فقط على المصانع التى لديها سجل صناعى وأعدادها لا يتجاوز 250 مصنعا، بينما معامل بير السلم فهى مسئولية المحليات ومباحث التموين.
وحدة سلامة الغذاء
الدكتور حسين منصور - رئيس وحدة سلامة الغذاء - أكد أن فى مصر قرابة ألفى تشريع للغذاء و15 جهة رقابية ومع ذلك لا رقابة على سلامة الغذاء، ولهذا لابد من تدشين هيئة سلامة الغذاء ليكون لها الدور الرقابى والتنفيدى لإلزام كل المنتجين والمصنعين بمراعاة الاشترطات الصحية والفنية للمنتج الغذائى وتطبيق (الهاسب) وهو نظام وقائى يعنى بسلامة الغذاء.