الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

أثر تاريخى «مغلق» بالأخشاب منذ 23 عاما

أثر تاريخى «مغلق» بالأخشاب منذ 23 عاما
أثر تاريخى «مغلق» بالأخشاب منذ 23 عاما




 علاء الدين ظاهر


فى عام 1992 شهدت مصر وتحديدا القاهرة زلزالا وصف حينها بأنه مدمر، حيث كان مركزه بالقرب من دهشور على بعد 35 كيلومترا جنوب غرب القاهرة،وأدى حينها لتصدع وتدمير مئات المنازل حيث بلغت قوة الزلزال 5.8 درجة على مقياس ريختر،كما تسبب فى وفاة 545 شخصا وإصابة 6512 آخرين وشرد حوالى 50000 شخص أصبحوا بلا مأوى.
 لكن الخسائر الناجمة عن الزلزال لم تكن فى البيوت والبشر فقط بل أصابت التاريخ ممثلا فى آثار كثيرة تعرضت  للتصدع والانهيار وكانت الكارثة فى القاهرة التاريخية التى تضم كنوزا كثيرة بلغت حينها حوالى 560 أثرا،حيث تعرض 212 أثراً للانهيار، ناهيك عن تصدع أعداد أخرى بحكم قدمها على المستوى الزمنى.
 المفاجأة التى اكتشفناها وجود آثار ما زالت «مصلوبة» بالشدات الخشبية منذ تاريخ الزلزال وعلى مدار أكثر من 23عاما حتى الآن، ولم تقدم لها عبر تلك السنوات أى مشاريع ترميم أو إنقاذ من حالة التصدع التى أصابتها حتى ساءت حالتها وتدهورت بشكل بات يمثل خطورة كبيرة عليها.. نتحدث عن «مسجد ومدرسة أبوبكر مزهر» فى حارة برجوان المتفرعة من شارع المعز لدين الله، حيث كان مفهوم المسجد يتخطى كونه مجرد مكان للعبادة ليصبح مركز علم وتدريس، وهو ما يفسر إطلاق مسمي «مسجد ومدرسة» عليه وغيره من منشآت أثرية كثيرة.
وتاريخياً ينتمى الأثر لدولة المماليك الجراكسة، وصاحب المسجد هو زين الدين أبوبكر محمد بن محمد بن أحمد بن مزهر المعروف بابن مزهر،ناظر ديوان الإنشاء (884 - 885 هـ، 1479 - 1480م)، ويتوسطه صحن مستطيل مساحته (10 ×8.25) وارتفاعه 9.5 متر، ويغطيه سقف خشبى تتوسطه فتحة مثمنة الشكل (شخشيخة) طول كل ضلع منها 2.5 متر وارتفاعها 1.7 متر فتح بكل ضلع ثلاث نوافذ مستطيلة.
روزاليوسف زارت المسجد، وقبل الدخول إليه كان لافتا للنظر تلك الخرابة التى تلاصقه تماما بالخارج وتمتلئ بكل أنواع القمامة والمخلفات، ناهيك عن الروائح الكريهة التى تخرج منها، مما جعلها بيئة خصبة لنموالحشرات والذباب، ورغم تلك الأضرار الناجمة عنها خاصة مع ضيق مساحات الشوارع فى المنطقة، ما زالت تستقبل الخرابة يوميا الكثير من القمامة والمخلفات التى يلقيها الأهالى المحيطون بالمسجد دون أدنى وازع أو رادع.
 وقد رصدنا حال المسجد من الخارج لتزداد دهشتنا، حيث إن مئذنته ومنذ حدوث الزلزال وهى مائلة بشكل يمكن ملاحظته بسهولة عند الوقوف أسفلها فى الشارع، كما أن بابه المجاور للخرابة مغلق تماما وتتوسطه «صلبة» خشبة قديمة تكاد تكون مهترئة وتوشك أن تتداعي، وهذا الوصف لحال الباب يتطابق مع نافذة علوية للمسجد، حيث كانت مصلوبة هى الأخرى بقطعة خشبية، كما أنها مفتوحة تماما نظرا لاهتراء الخشب والسلك الذى كان موضوعا عليها، هذا غير تفكك الأحجار أعلى وأسفل النافذة بشكل خطير ينذر بعواقب أخطر.
وفى الداخل كان الوضع سيئا جدا ومخيفا بل وخطيرا،جيث كانت الأتربة تملأ جنبات المسجد حتى أنها غطت على بعض زخارفه القيمه، والأعمدة الخشبية المستخدمة فى صلب المسجد منذ أكثر من 20عاما دون تغيير مهترئة بشكل كبير، وتبدوعليها علامات القدم، كذلك الأحبال التى تربطها قديمة جدا وفقدت قوة ربطها للأخشاب معا، كما وجدنا أحد أبواب المسجد المغلقة من الداخل وقد تجمعت خلفها أتربة ممتزجة بالمياه الجوفية بشكل سيئ جدا، وهوما يهدد حياة المصلين به، والذين علمنا من مصادرنا أنهم يصلون بالمسجد على عهدتهم الشخصية،خاصة أن المسجد مهدد بالانهيار فى أى لحظة،كما أن ذلك يجعل محتويات المسجد من الداخل مهددة بالسرقة خاصة منبره الأثرى والذى يحتوى على حشوات من العاج قيمة جدا.
 وقد كشفت مصادر بالآثار أن كلاً من وزارتى الأوقاف والآثار تمنعان الصلاة فى المسجد نظرا لخطورة حالته الإنشائية والمعمارية مما يهدد حياة المصلين، إلا أنه من المثير حصول أحد جيران المسجد ويدعى شاذلى وهورجل مسن على مفتاحه وفتحه لأداء الصلاة، وهومتواجد دائما لفتح المسجد خاصة أمام مفتشى الآثار بالمنطقة، وأشارت المصادر إلى أنه فى وقت سابق حدثت مشكلة ما بالمسجد وكان لا بد من فتحه وهوما قد يفسر وجود المفتاح مع شاذلي، ونظرا لخطورة المسجد فقد لفتت المصادر إلى أن إدارة القاهرة التاريخية تدرس إدراج المسجد فى مشاريع الترميم التى تقوم بها خاصة أن حالته المعمارية السيئة تزداد بمرور الوقت.
سألنا الدكتور مختار الكسبانى أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة عن المسجد فقال: هوتحفة من تحف العمارة الإسلامية، وأنا حزين لما آل إليه حاله، خاصة أنه كان هناك مشروع ترميم للمسجد قبل 25 يناير، لكن العجيب أن بعض مسئولى قطاع المشروعات تسببوا فى وقف المشروع بطريقة إدارتهم الخاطئة للقطاع ومشاريعه، خاصة أننى عندما كنت عضوا بلجنة إدارة القاهرة التاريخية أردت ضم ترميم المسجد  للمشروعات التى ترممها الإدارة لكن مسئول قطاع المشروعات حينها تسبب فى وقف الأمر.
 وكشف لنا أن هذا المسجد يحتوى على واحدة من الظواهر النادرة جدا فى العمارة الإسلامية، وتتمثل فى أن المسجد من الداخل يحمل توقيع الشخص الذى بناه وتحديدا من قام بعمل النقوش والزخارف، وهذا موجود على المنبر فى عقد أحد شبابيكه واسمه «عمل عبد القادر النقاش»، مشيرا إلى أن أعمال الصلب الموجودة حاليا فى المسجد ليس لها فائدة خاصة أنها موجودة منذ أكثر من 15عاما وهوما يعزز احتمال سقوطه فى أى وقت، حيث  أنه من الناحية العلمية أى أعمال صلب مبنى بعد عام من إقامتها تصبح ضعيفة وبلا فائدة ويجب تغييرها.
من جانبه قال الدكتور محمد عبد اللطيف رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية بوزارة الآثار أن المسجد قيم بالفعل،كما أنه عمل فيه عام 1992 مع البولنديين لتنفيذ مشروع ترميمه، ولم يكمل معهم حيث انتقل للعمل فى منطقة أخرى، مشيرا إلى أنه سيتحدث مع المهندس وعد الله محمد رئيس قطاع المشروعات بالوزارة لمعرفة وضع المسجد والحالة الراهنة له وإلى أى مدى وصلت مقايسات ترميمه.