الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

صناعة الدواء الوطنية فى خطر

صناعة الدواء الوطنية فى خطر
صناعة الدواء الوطنية فى خطر




تحقيق - داليا سمير
تتعرض الصناعة الوطنية للدواء للانهيار والتدمير بسبب عوامل كثيرة منها الروتين وانخفاض الدعم ومحاربتها من قبل مافيا الدواء والمخربون والمستهدفون لها سواء بكلامهم المعسول فى المؤتمرات التى ينظمونها للتلاعب على المواطنين والدولة، وبالرغم من أن مصر كانت تمتلك أكبر الشركات فى تصنيع الدواء فى العالم العربى منذ عام 1939، إلا أن الاستثمار الخاص وضعف إمكانيات القطاع الوطنى والمنافسة أدت إلى انهيارها، «روزاليوسف» رصدت حال تلك الصناعة فى السطور التالية.
بداية قال الدكتور أشرف بيومى - الأستاذ بكلية الصيدلة ورئيس الإدارة المركزية لشئون الصيدلة بوزارة الصحة سابقا - إن الدولة توفر 630 مليون جنيه لأدوية المستشفيات، وأنه توجد شركة إسرائيلية هى من أكبر شركات العالم فى تصنيع الدواء، بينما تنتج مصر 90 % لاستهلاك السوق المحلية، ورغم أنها توفر الأدوية التى تحتاجها السوق المصرية فإن بعض الأطباء يتجهون لتشجيع المستورد، مؤكدا وجود الكثير من الأدوية المصرية الفاسدة داخل المستشفيات المصرية، وذلك بسبب سوء التخزين حيث تصل درجات الحرارة داخل المخازن إلى 40: 45 درجة مئوية.
أما الصيدلى إبراهيم زكى - الباحث والصيدلى - فأكد أن اختفاء المادة الفعالة الخاصة بالدواء المصرى من السوق يعود سببها إلى بعض القائمين على صناعة الدواء فى مصر وأصحاب السلاسل الصيدلية الكبرى الذين يشجعون الأدوية المستوردة باتفاق مع الشركات الكبرى ومتعددة الجنسيات فى العالم، رغم أن المادة الفعالة الموجودة ببعض الأدوية المصرية أقوى بكثير من الادوية المستوردة، ومنها مثلا دواء «ماء غريب» الخاص بالتقلصات لدى الأطفال، مفيدا بأن المستورد هنا مغشوش ويسبب تسمما للأطفال وأنه عندما وجه هذا الحديث وأنه بعد أن أخبر مسئولا بغرفة صناعة الدواء بذلك رد الأخير عليه بأنه ليس مغشوشا ولكن به بعض الأخطاء وسوف تقوم الشركة الأجنبية المنتجة بتعديلها خلال 3 شهور، فى الوقت الذى كان يجب أن يدافع عن صناعة الدواء المصرية بهذا المنطق.
وأكد زكى أن الدواء المصرى تشتاق له دائما الدول الأخرى حيث إنه يحتوى على مادة فعالة جيدة، لكن مدمرى صناعة الدواء المصرية يسعون دائما للقضاء عليها تماما، مشيرا إلى أن الدواء المصرى فعال وآمن حيث توجد أدوية الفاشولا الكبدية والكلوية بأكفأ المواد الفعالة التى ليس لها مثيل وهذا باعتراف الدول الأخرى وكل دول العالم.
وأفاد بأن أعضاء غرفة صناعة الدواء المصرى التى تضم أباطرة صناعة الدواء فى مصر مسئولين عن انهيار صناعة الدواء الوطنية فى مصر، فكثير منهم يلجأ للاستيراد من الخارج ويروجون بأن الدواء المصرى ليس فعالا أو مغشوشا ونظرية جودة المستورد وكفاءته، مرجعا السبب الحقيقى وراء اختفاء مصانع المادة الفعالة للدواء المحلى هو الروتين داخل المؤسسات الحكومية، والذى يرفض فى النهاية إنشاء مصانع المادة الفعالة، وذلك للحفاظ على الاستيراد وذلك بالتعاون مع بعض أصحاب المصالح والفاسدين داخل المؤسسات، وتساءل: لماذا لم يطالب وزير الصحة بإنشاء مصنع للمواد الفعالة المحلية بمصر؟
لافتا إلى ظاهرة خطيرة وهى أن كبرى الشركات والمصانع المصرية الخاصة بصناعة الدواء تعقد مزادات لبيع ماكينات الخردة الخاصة بالصناعة بدلا من تكهينها، فتنتهز مصانع وشركات بير السلم الفرصة لشرائها بأقل الأسعار، وبعض الشركات تعيد تصنيع الأدوية منتهية الصلاحية «الإكسبير» ثم إعادة طرحها فى الأسواق مرة أخرى.
ومن أهم الأدوية المغشوشة والتى تطرح كميات كبيرة منها فى الأسواق هو حقنة وريد يطلق عليها اسم (هيومان البيومين) الخاصة بمرضى الكبد وتباع بسعر 320 جنيها ويستخدمها المريض على 10 مرات ويتم غشها بعد إضافة مادة «سافلون» المطهر التى تباع بـ 3 جنيهات فى الصيدليات، حيث إنه تأخذ نفس لون الدواء، ويمثل خطورة كبيرة على صحة المريض وتكون سببا فى قتله بعد تناول بضعة جرعات، وذلك فى غياب الرقابة على الصيدليات وإعطاء الفرصة لمصانع وشركات بير السلم للتلاعب بحياة المواطنين.
الدكتور محمد عوض تاج الدين - وزير الصحة الأسبق رئيس مجلس إدارة إحدى شركات الأدوية - أكد أن مصر لا يوجد لديها أى مشكلات فى المواد الخام والفعالة الخاصة بالدواء المصرى ولكن بشرط وجود سوق للمادة الفعالة، فمثلا دولة مثل الصين بها أكبر صناعة للمضادات الحيوية فى العالم لأنها دائما توفر السوق اللازمة لصناعة الدواء.
وأكد أن الصناعة الأردنية غزت السوق المصرية، وتستورد مصر بحوالى مليار دولار من التصدير الأردنى من الدواء، وأن الهند والصين لديهما ثلث سكان العالم ولكن يعتمدان على التصير وليس الاستيراد.
قال الدكتور أحمد العزبى - رئيس غرفة صناعة الدواء - إن مصر تستورد المادة الفعالة والخام الخاصة بصناعة الدواء المصرى من الأردن والهند، لأن الأردن عدد سكانها قليل جدا، ونجاحها فى تصدير 90% من صناعتها، ويمثل الاستهلاك لديها 10% فقط.
لافتا إلى وجود خلل فى بعض القائمين على قطاع الأعمال من وزارة الصحة التى يجب عليها أن تساند صناعة الدواء فى مصر، وقال: إن التجربة الهندية اهتمت بصناعة الكيماويات والمواد الخام الخاصة بالأدوية أكثر من مصر، حيث تقدم لها الدعم الكامل وتقف بجانب المصنعين.
وفى المقابل قال الدكتور أحمد ليلة - رئيس الشركة القابضة للأدوية - إن جميع المؤسسات الحكومية تحتاج لإعادة هيكلة حيث تعانى من زيادة العمالة والأعمار، حيث أن كبر سن العامل يعيقه عن الانتاج والعمل رغم احتياج الشركات لعمالة شباب ولكنها تعجز عن توفيرها بسبب عدم توفير الأموال.
وتشمل الأزمات الغش التجارى الذى صدر قانون الغش التجارى من أجله وفرض العقوبات والغرامة على الغش وممارسيه، موضحا أن الأسعار الخاصة بالدواء لم تتم دراستها حتى الأن وأنه يوجد منتجات تكون تكلفة بيعها أقل من تكلفة شرائها وإيجادها، فمثلا شركة النصر تصنع 30 مادة خام على رأسهم الباراسيتامول والإسبرين.
وقال الدكتور أشرف مكاوى - عضو مجلس نقابة صيادلة مصر - إنه كان يوجد 12 مصنع قطاعا أعمال عام 1999 ثم انخفضوا إلى 9 فقط منها مصنع أوشك على الافلاس والاغلاق فأصبح إجمالى المصانع الفعالة هو (8) مصانع فقط، موضحا أن حجم سوق الدواء فى عام 99 كان يغطى 77% من احتياجات السوق بينما الآن أصبح يغطى 4% فقط من احتياجات السوق، وبداية من عام 2005 تعدت خسائر شركات قطاع الأعمال الوطنية 1. 5 مليار جنيه، فى حين أنه فى عام 2014 خسرت هذه الشركات 148 مليون جنيه، وهذه الخسائر تسببت فى سحب الشركات الأجنبية لأسهمهم من الشركات الوطنية مما ساعد على تصاعد الأزمة.
وتابع بأن بعض المستثمرين هدفهم الحقيقى هو الربح ومصلحتهم الخاصة، لافتا إلى أن شركات قطاع الأعمال الوطنية تنتج 1380 عقارا، وأن إعادة التسعير وصلت لـ60 منتجا فقط، فى حين أنه ضرورة للنهوض بصناعة الدواء، وذلك لأن الأدوية الوطنية خاسرة ولم تغط تكلفة إنتاجها.
وأشار إلى أن الحل للنهوض بالصناعة الوطنية للدواء هو إعادة هيكلة جميع الإدارات بالشركات الوطنية، حيث إنها من ساعد على الانهيار، ويجب إعادة التسعير لتغطية تكاليف الانتاج، وأيضا خروج إدارة قطاع الأعمال الوطنى من عباءة وزارة الاستثمار والرجوع لوزارة الصحة.
وفى المقابل أكد الدكتور على عبد الله - المدير التنفيذى للمركز المصرى للدراسات الدوائية ومكافحة الإدمان - إن هدف مصانع وشركات الدواء الوطنية الأساسى هو الوطن وتطوير منظومة الدواء المصرية، وأن أسباب انهيارها سياسية وفنية، حيث ترتبط بالإدارة القديمة الموجودة منذ عشرات السنين، والتى لم تسع للنهوض بالصناعة، وترتبط أيضا بالعمالة حيث يوجد الكثير منها كبار السن، وتصل مرتباتهم إلى مليار و200 مليون جنيه سنويا، مما يؤدى إلى تقلص صناعة الدواء.
وأوضح عبدالله أن خسائر مصانع قطاع الأعمال الوطنية تصل سنويا إلى 150 مليون جنيه، بسبب المسئولين عن الشركات الذين ينظرون إليها على أنها مكان للربح فقط والحصول على الأموال، ويوجد 700 منتج دوائى بالشركات الوطنية يتراوح سعرهم بين 1 و 5 جنيهات، وأن هذه المنتجات لم تكف تكلفة إنتاجها، فيجب على الحكومة الالتفات لهذه المشكلة وتحريك الأسعار لتعويض الخسائر السنوية.
وطالب على عبدالله الحكومة بضرورة الالتفات إلى مشكلة الصناعة الوطنية للدواء والتى ظهرت منذ عهد حكومة عاطف عبيد وتوالت على جميع الحكومات التى أتت من بعده، مفيدا بأن الحكومة يجب أن تنظر لتلك الحلول للنهوض بالصناعة، وأن تلك الحلول هى إعادة تشكيل الإدارات واستبدالها بإدارات ذات خبرة وتثقيف، وخلق أسواق للمنتجات المحلية عن طريق وجود مكاتب علمية لتسويق الدواء المصرى للشركات والأطباء والصيادلة، وعلى الحكومة تدوير خطوط الإنتاج عن طريق تعاون والتفات وزير الصحة مع المصانع الوطنية لتصنيع الدواء.