الأحد 22 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

يكفينا «تسليع» جسد المرأة.. ولجوء بعض الكاتبات إلى تعرية جسدها يزيد من استعبادها




 
تتمرد الشاعرة والكاتبة اللبنانية كامى بزيع فى كتاباتها على السائد والمطروق بكبرياء أنثى، تستخدم لغة رقيقة للتعبير عن أفكارها ورؤاها حيث فى البساطة يكمن الجمال، تقيم "بزيع" فى اسبانيا وتحضر للدكتوراه فى الانثروبولوجيا، ولها اهتمام خاص بقضايا المرأة، أصدرت مجموعة قصصية بعنوان (توكو رورو) وصدر لها حديثاًَ ديوان (فراشة الضوء) حيث تصطحبنا فى رحلة ممتعة من الانفعال والشغف والحب وكان العنوان موفقا، فالفراشة ليس لها أظافر ولا أنياب وإنما قوتها فى هشاشتها كما ترى هى.
 
عن ديوانها الأخير وغيره من الموضوعات الثقافية نصل إلى نص حوارنا معها.
 



■ "فراشة الضوء" هو عنوان أول دواوينك الشعرية.. والفراشة التى تقترب من الضوء مهددة بالاحتراق.. لماذا الدخول فى هذه المغامرة الخطرة؟
 
- إن ما يبدو خطرا ليس إلا الحب والشغف، والحياة ليست إلا هذه المغامرة نحو اللهب، نحترق بالقصيدة التى نكتبها، لأنها تشعل فينا نيرانا من الحرية والوجود، الشعر هو الذى يدفعنا للمغامرة ومعه لا نستطيع إلا الانقياد، نحيا لحظات دافئة لكنها كافية للاستمرار.
 
■ برأيك هل قوة الفراشة فى هشاشتها وما هى الذكريات التى يختزنها هذا الديوان؟
 
- لطالما جذبتنى بساطة الفراشات، التى لا تفرض نفسها ولا تعلن عن جمالها إنما تنتقل برشاقة من زهرة إلى زهرة، تلقى عليها تحية، تقبلها، وتغادر، ليست ملحة ولا متطلبة، وجمالها يكمن هنا، أما إذا أصر احدهم على التقاط الفراشات فلا شك أن أجنحتها ستبقى فى يديه بينما هى تحاول متابعة التحليق لأنها خلقت لتكون حارسة الحقول الملونة.
 
كل انفعال يختزن داخل الإنسان ليظهر بصورة ما، وما الذكريات إلا الأحاسيس العميقة الهاربة من الزمن والاندثار، والتى يحاول كل شخص أن يخرجها بطريقة ما، أما فى حالة الشعراء فتأتى بشكل القصيدة، وقد تأتى عند الرسام فى اللوحة وعند الموسيقى فى الأنغام، وهكذا فالإنسان لا ينفصل عن ذكريات بل تشكل له أحيانا نبعا للإبداع والعطاء. 
 
■لجأت فى ديوانك إلى الومضات التى لا يربطها خيط أحيانا.. ما الذى أردت قوله تحديدا، ألهذه الدرجة أصبحت حياتنا شظايا؟
 
- تنتشر هذه الومضات فى كتاباتى إجمالا، كما فى كتابى السابق "توكورور" أيضا سردت قصصا وامضة، لا اعتبر الأمر تشظى بقدر ما اعتبر الانفعال والإحساس يومض فيخف أحيانا ويقوى أحيانا أخرى، وأجد بمشهد النجوم فى ليلة صيف صافية أحد مشاهد حياتنا كبشر، نحن أيضا نومض ولكن من يرى؟
 
■ هل الحلم مرهون دائما بالخوف؟
 
- اعتقد أن الحلم يشكل احد الإلهامات الأساسية للإنسان، بأشكاله المنوعة، أحلام الرعب أو الكوابيس، أحلام النبوءة، أحلام الحلول، أحلام اليقظة، والحلم هو الذى يجعلنا كبشر نتوهج بالفرح للوصول، وفى كثير من الأحيان تبقى تلك المسافة التى تفصلنا عن الحلم، أهم من تحقيق الحلم نفسه، لذلك أجد لذة لا توصف بأحلامى بجميع صورها وتعابيرها، وربما الرهبة هى ما يميز طريق الحلم أكثر منه الخوف.
 
■ ما صورة الوطن الجديد فى غربتك؟
 
- ربما من ايجابيات الغربة أنها تجعلنا نرى أوطاننا بصورة أجمل، إنها تنقحه، تجمّله وأحيانا تجعله نموذجا ومثالا، لهذا يتحول إلى مكان جميل يشبه الجنة، المسافة التى تفصلنا عنه جغرافيا، تجعله متغلغلا فى أعماقنا، نعيش به فى الأماكن القصية، ويأكلنا الحنين فى الرجوع إليه، أى إلى الصورة التى رسمناها عنه.
 
■ تكتبين القصة القصيرة والشعر.. ما الأقرب إليك كمبدعة؟
 
- عندما أصدرت كتابى القصصى قالوا عنى أنى اكتب القصة بنكهة الشعر، فى الحقيقة قلما أكون من تختار الشكل الأدبي، لأن الومضات التى تحدثنا عنها هى التى تفرض شكلها، لكن الأكيد أن "نَفَسي" أو مزاجى الكتابى قصير جدا، والقصيدة لا تأخذ أكثر من خمسة دقائق، استطيع أن أقول أنها فلاشات تبرق أمام ناظرى أدونها ثم انتبه لاحقا إلى أنها خرجت فى قصيدة أو فى أقصوصة.
 
■ أقنع موضوع الجسد الكثير من الكاتبات العربيات وصار وصفة سحرية مثالية للنجاح والشهرة.. كيف تفسرين ذلك؟ وهل تراهنين ككاتبة على هذه الوصفة؟
 
- على العكس، لا أجد الجسد ينفصل عن الروح، كلاهما يشكلان وحدة لا تنفصل، فى الحقيقة لا أجد فى الابتذال إبداعًا، ولا أستطيع أن أعتبر الوقاحة جرأة، نعم هناك مشكلة تطال المرأة عموما، كرامتها فى الدرجة الأولى، وألا يعامل إبداعها على أعلى مستوى، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يكفى ما تقوم به وسائل الإعلام من تسليع جسد المرأة، ويكفى الأفكار المسيطرة على العقل الشرقى من خرافات حول الجسد النسائي، وان تلجأ بعض الكاتبات إلى تعرية المرأة فإن ذلك لن يساهم إلا بمزيد من استعباد المرأة وتبخيسها، والشهرة ليست هاجسي، وقناعاتى لا أتنازل عنها لأى سبب.
 
■ ما سر الهجرة النسوية إلى قصيدة النثر وقد فتحت لها الأبواب؟
 
- اعتقد أن لكل زمان أشكاله التعبيرية النابعة من صميم وجوده، والقصيدة النثرية فى هذا الوقت هى احد أشكال التعبير الفنية، يكتبها الرجل والمرأة على حد سواء، وربما قد تكون المرأة مستعدة أكثر لمواكبة الحداثة والتغيير، لن ننسى أن الديانات الكبرى إنما قامت فى المراحل الأولى على أيد النساء لأنهن آمن بها ومن ثم انتشرت بين الرجال، على كل حال تقلصت الأساليب لتناسب السرعة التى نعيشها آنيا.
 
■ متى تسافرين إلى عالم الرواية؟
 
- منذ زمن طويل بدأت بكتابة رواية، لكننى إلى الآن لم انته منها، -لا اعرف إن كنت سأنهيها- لأنى كما قلت "نَفَسى قصير جدا"، ولكن طالما سحرنى كتاب الروايات، حتى إننى أتساءل أحيانا إن كان هؤلاء الروائيون ينتمون إلى البشر العاديين أم أنهم أشخاص خارقون؟ لذلك غالبا ما ارغب بمعرفة سيرة حياتهم، كيف يكتبون، أين يكتبون، ومن أين يستمدون هذا "الَنفَس"؟
 
■ برأيك هل قام الإعلام الثقافى العربى بدوره فى تسويق تجاربنا إلى الآخر؟
 
- أنا ممن لا يعترفون بأن هناك واحدًا مقابل الآخر، هذا وهم، فى الحقيقة كلنا واحد، والمبدعون العرب فى بلاد الاغتراب متألقون وفى كثير من الحالات لا نسمع بهم فى بلداننا العربية، التى تحاول أن تقتل الإبداع عند شعوبها بشتى الطرق، أين المكتبات، أين النوادى الثقافية، أين الجوائز للمبتدئين؟ بل فى الأساس أين الحرية، كثر هم المبدعون وخصوصا الشباب الذين لا يجدون صحيفة تسمح لهم بالنشر، لأن ليس هناك من يعرف عنهم، للأسف ليس إبداعنا هو من يعرف عنا فى بلادنا، وهذا مؤلم، اعتقد إن فى كل بيت عربى هناك مبدع ما، فى مختلف الفنون والعلوم، ولكن من يفتح الطريق؟ فالمسألة إذن ليست فى تسويقنا إلى الغرب، بل الاعتراف بنا فى بلداننا.
 
■ كيف تفاعلت إبداعيا مع ثورات الربيع العربى؟
 
- يزلزلنى الخطر، وأنا التى عشت الحرب الأهلية اللبنانية، واعرف تماما ماذا يعنى عدم الأمان، يؤلمنى أن يخاف الأطفال ويختبئون فى الملاجى وعيونهم مليئة بالدموع، يؤلمنى عويل الأمهات المفجوعات، يؤلمنى تفجع الأحبة لخسارة أحبتهم، متى يحين دورنا أن نعيش بأمان لنستطيع أن نعيش الحلم والحرية، لا أعرف.
 
■ هل تؤمنين بالنجومية خارج الحدود؟
 
- إذا كنت تقصد خارج الحدود الجغرافية لأوطاننا، فأنا أعتقد أن الفرصة متاحة لنا أكثر، أما إذا كان المقصود أن نكون محليين، فإن أى كاتب عربى سيحمل الوجع العربى أينما كان، والنجومية معياره القارى وحده، يقرر لمن يمنحها، لأن الكتابات عندما توضع فى الكتب وتنشر تصبح ملكا للقارئ، والحقيقى وحده هو الذى يدخل القلب ويلامس الروح.