الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

رحيل زهران سلامة عاشق الحارة والوجوه المصرية




فقدت الحركة التشكيلية المصرية مؤخرا الفنان زهران سلامة وهو واحد من أهم روادها عن عمر يتخطى السبعين عاما، وقد غيبه الموت فى أول أيام عيد الفطر المبارك بعد صراع طويل من المرض إثر غيبوبة عميقة رقد خلالها فى غرفة العناية المركز بأحد المستشفيات الخاصة جراء إصابته بجلطة فى المخ للمرة الثالثة.
 
تنقل «سلامة» بين ربوع مصر وأرجائها المختلفة، فقد كان ميلاده فى قرية زاوية جروان بمحافظة المنوفية عام 1939، ومنها استلهم العديد من مشاهد لوحاته عن الريف المصري، ومنها تنقل فى ربوع مصر بين القاهرة، الواحات، سيوة، وقد ساهم مع آخرين من الفنانين فى الذهاب لرسم الأماكن النائية والبيئات المتميزة فى الواحات الخارجة والداخلة وسيوه وفى مدن الصعيد خاصة الأقصر وفى شبه جزيرة سيناء جنوبها وشمالها فى ثمانينيات القرن الماضى.
 
وقد حصل على البكالوريوس من قسم التصوير بكلية الفنون الجميلة عام 1963 شارك بعدها وحتى وفاته بشكل فاعل فى العديد من المعارض المختلفة، وهو عضو مؤسس لمجلس إدارة أتيليه القاهرة للفنانين والكتاب، وعضو مؤسس بجمعية فنانى الغورى، وله العديد من الكتابات الفنية سواء من خلال العمل الصحفى أو من خلال كتب، وكانت له العديد من المشاركات الفنية سواء بمعارض خاصة أو جماعية، ظل خلال معظم سنين عمره شديد الالتصاق بفرشاته وألوانه يمارس بهما حبه للفن التشكيلي.
 
وقد برع زهران سلامة فى رسم المناظر والشوارع والحوارى بحرفية شديدة ناقلا تفاصيله وأزقته، ونرى فى لوحاته الفنية سيطرة اللون الرمادى على مسطح لوحاته ينازعه اللون الأزرق بدرجاته، ورسم فى لوحاته كل ما وقعت عليه عيناه، فقد رسم الحمام والحيوانات والحقول والفلاحين والفلاحات، رسم أسواق الصعيد بكل تفاصيلها، وتناولت لوحاته الصيادين والحرفيين
 
على أن لقصر «المسافرخانة» هذا المكان الذى كان قبلة المثقفين والتشكيليين أثر كبير فى تغيير مسيرة الفنان الراحل، ذلك الأثر الذى بناه أحد كبار تجار القاهرة فى نهاية القرن الثامن عشر مقرا لإكرام المسافر عبر التاريخ الإسلامى الطويل، غنيا بزخارفه وعناصره المعمارية الرائعة، كان المكان خلالها ينقل صورة حية لطبيعة الحياة الاجتماعية لطبقة التجار فى أواخر عصر المماليك، وهو طراز يعالج خصوصية البيئة بكل مستوياتها الطبيعية والاجتماعية والنفسية، وكان هذا القصر شاهدا حيا على جوانب من هوية طبقة التجار المصرية.
 
على أنه مع مرور الوقت واختلاف الزمن والحكام، تحول «المسافر خانة» إلى موقع أثرى يتبع وزارة الآثار المصرية والتى قامت بدورها بتحويله إلى مجمع لمراسم الفنانين، ليتم بعد ذلك طرد الفنانين من مراسمهم تلك ومنهم زهران نفسه الذى كان مراقبا للمراسم داخل هذا الأثر.
 
وقد تعرض قصر المسافر خانة لحريق هائل أدى إلى تدمير معظم معالمه فى أكتوبر 1998، وكانت تلك الحادثة صدمة أخلت بتوازن الفنان الراحل وكانت سببا فى إصابته بمرض السكر بعد أن أتت النيران على كل أرجاء المبنى الأثرى العتيق واحترقت معها ذكريات مئات السنين.
 
فى العقد الأخير من عمره عانى «سلامة» من المرض فاختار العيش فى منفاه الاختيارى معتزلا الحركة الثقافية والتشكيلية بما فيها من صراعات فى مدينة رأس سدر على ساحل البحر الأحمر فى بيت متواضع أشرف على بنائه بنفسه، رسم من حديقته زهور عباد الشمس والخضروات والورود.