الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

آمال قناوى.. ورحلة التمرد على الواقع





بعد مسيرة فنية لها خصوصيتها وتفردها وغرابتها آثارت فيها جدل وهجوم من الفنانين ومن النقاد، رحلت الفنانة التشكيلية امال قناوى. «آمال» فنانة اختارت ان تتحدث بجرأة عن الواقع الانسانى وتبحث فى قضايا النفس الإنسانية، وتؤمن بان هناك وجودا آخر مستقلا باعماق الانسان يختلف عن الواقع المرئى ،هذا الوجود له مجموعة من القوانين التى تحكم الجسد وتسيطر على الانسان بوصفه وجودا ملموساً.
 

 
أعمالها تصور فيها البشر والمجتمعاتِ التى ينتمون إليها، وكيف يواجهون القضايا التى تتعرض لها هذه المجتمعات. قدمت اعمالا تعبر عن مشاعر إنسانية وموضوعات اجتماعية تهم الإنسان ، وركزت على كشف تأثيرات المجتمع على علاقة الفرد الذى يعيش فيه بنفسه وبمن حوله.
 
 من حيث العناصر الفنية والرموز استخدمت عناصر خاصة وموتيفات لها صفه الغرابة ان نجدها فى اعمال فنية لكن كانت تجد لها مضمونا داخل العمل . ففى احد اعمالها استخدامت «الفأر» كموتيف مثلاً فالفأر كما ينظر إليه الناس، حيوان جبان، وضعيف، يثير الاشمئزاز ، ولكنها وضعته فى أعمالها على أنه حيوان قوى يقوم بالتهام أجزاء من جسد بطلة فيلم «غابة بنفسجية اصطناعية». وهذه وجهة نظر قدمتها الفنانة فى تحول صفات العناصر من قوى وضعيف. كما استخدمت الشرنقة وربطتها فنيا وفكريا بفكرة الحياة والموت. انتشرت اعمالها بوجود العناصر المعبرة عن (العنف – السلطة) . 
 
كما استخدامت الموتيفات المرتبطة بالحلم، باعتبارها موتيفات قادرة على التعبير عن الذات واستفزاز اللاوعى. تعرض لهجوم مستمر من النقاد ان اعمالها وتقنياتها الفنية ومضمونها هو شكل من أشكال التحايل على الرقابة المفروضة على الأعمال الفنية.
 
من اهم اعمالها التى أثارت جدل عمل تحت عنوان «سوف تقتل» ـــ فيديو آرت ـــ حيث ركزت هذا العمل على فضاء مكانى متخيل، تحاول الكشف عن الصورة السطحية للمجتمع، وتعاملت مع المكان الحقيقى والمتخيل على حد سواء، وحتى أبرز التناقض بين الشكل الخارجى وبين الداخل، قدمت صورتين للمكان، يظهر فى إحداهما حقيقياً وفى الأخرى متخيلاً.
 
هذا الفضاء المكانى يعبر عن مستشفى عسكرى للجيش الإنجليزى، فى الفيديو فضاء مكانى متخيل وليس حقيقياً، لكنه حمل ملامح تدل على انه حقيقى، أرادت الفنانة التعبير عن القوة التى تتجلى مباشرة فى مفردات عناصر الحرب، الجيش، والقتل.
 
من اكثر الاعمال هجومًا عليها ما قدمته الفنانة فى بينالى القاهرة الدولى الثانى عشر 2010 والتى حصلت فيه على الجائزة الكبرى فى البينالى، قدمت عرضا فى قاعة فى قصر الفنون هى عبارة عن غرفة أعدت لتكون مطبخًا يحتوى على عناصره وأدواته وبعض ادوات الزينة مع وجود بعض المرايا، ثم ثلاث شاشات عرض للفيديوهات عرض بها عملان.
 
العمل الاول يصور رجلاً جالس على كرسيه عاجزاً عن الحركة فى حالة صمت وضيق مما يدور حوله، والفيديو الآخر «صمت الخرفان» صورت مجموعة من البشر البسطاء وكأنهم قطيع من الخرفان يزحفون على ايديهم وارجلهم فى شوارع القاهرة محاولين الوصول الى هدف. نتذكر ان الفنانة اثناء تصويرها هذا الفيديو تعرضت وقتها للمنع من تصويره من قبل الشرطة المصرية (عام 2010) . هذان العملان اختلف عليهما النقاد والفنانون باعتبارها اعمالا تهين وتجرح الشعب المصرى.
 
 ولكن بعد ثورة 25 يناير تذكر الجميع اعمالها المتفردة والتى هوجمت عليها، واخذت هذه الاعمال رؤية مغايرة تماما واعتبروا الوسط التشكيلى ان الفنانة سبقت الاحداث ووصفت حال الشعب ومعاناة المصريين ولم تقصد اى تجريح وإهانة فهى فنانة مصرية وعاشقة لمصر، وان حاله القهر يمكن ان نجدها فى شعوب أخرى.
 
 ومن وجهة نظر أخرى راى النقاد ان هذا العمل ليس فقط تعبيرًا عن البسطاء من الشعب ولكن يمكن ان يعبر عن المتحولين والمتسلقين والطماعين الى سلطة ومناصب على حساب الشعب. وان تصورها الواقعى لاشخاص حقيقيين من الشارع اكسب العمل واقعاً وتأثيرا وان اختلفت التفسيرات منها أن العمل يمكن تفسيره بأنها تطالب بالعدالة الاجتماعية وهى احد مطالب ثورة يناير.
 
هذا العمل من الجانب الفنى هو عمل إنشائي مفاهيمياً متعدد الأوجه استخدمت فيه وسائط مابين التجهيز فى الفراغ البرفورمانس والفيديو آرت. 
 
ويعد لغة بصرية وصياغة متراكبة ومتداخلة هذه الوسائط عبرت بها عن رسالة جوهرية ومضمون كان يعيش الشعب فى صمت. لذلك تلامس العمل مع الواقع الانسانى. وبعد كل ماقدمته رحلت وتركت لنا اعمالها الفنية وكأنها تعاقبنا على اننا هاجمناها ولم يقدر البعض انها صاحبة تجربة ابداعية مستقبلية.
 
ومن اهم ما قالته الراحلة آمال قناوى فى اعمالها: لا أتطلع إلى عملى الفنى بوصفه نسوياً بالمعنى التقليدى للكلمة، وإنما أنظر إليه على أنه عمل من إنتاج فنانة أنثى، فأنا بشكل ما، معنية بالذاكرة وبالمشاعر الإنسانية الدفينة كالرغبة والعنف، من بين المشاعر الأخرى، أسعى أن يكون عملى أداة تعبيرية أكثر من كونه عملاً يتوق إلى الكمال، كما إننى أحاول، على المستوى التقني، إيجاد لغة بصرية قادرة على الوصول إلى المتلقي، لغة لا تخضع لثقافة معينة، شرقية أو غربية».