السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الشاعر أشرف العنانى: سيناء تعيش الآن طفرة عاطفية بعد دهر من التجاهل




تماما كالصحراء التى يعيش بالقرب منها تجد مدونة الشاعر أشرف العناني ــــ أحد أدباء سيناء ــــ مفردات قليلة متناثرة، ولون واحد يملك الواجهة، ومقطع من ديوانه «صحراء احتياطية» إلى جوار صورة شخصية.


العنانى حمّل «هيرودوت» سبب التهميش الذى عانى منه أدباء الأقاليم بعد أن قال عبارته الشهيرة «مصر هبة النيل»، مشيرا إلى أن هذه الكلمات التى أكدت فضل النيل علينا لها جانب معتم، فقد دفعت هذا البلد ليكون بلدا مركزياً تحولت السلطة فيه من النهر إلى من يتحكم فيه لتكون العاصمة كل شيء ويتراجع ما عداها إلى الهامش.
 
ويرى أن سيناء أصبحت فى الواجهة فى صدر النشرات الإخبارية ولكن حتى الآن الاهتمام عاطفي، والمطلوب أن تفعل تلك الطفرة العاطفية ما عليها لتلحم سيناء بالنسيج الوطنى المصرى فعلاً وليس على الورق.. حول أعماله والتهميش كان لنا معه هذا الحوار..
 
■ تمر سيناء الآن بمرحلة صعبة.. ما دور المثقفين والأدباء تجاه هذا الجزء العزيز من ارض مصر؟
 
 - على العكس تماماً.. سيناء تعيش الآن طفرة عاطفية بعد دهر من التجاهل هى فى الواجهة فى صدر النشرات الإخبارية.. ثمة اهتمام باد بها من كل الجماعة المصرية بنخبها السياسية والثقافية وعامتها.. لكن المطلوب أن تفعل تلك الطفرة العاطفية ما عليها لتلحم سيناء بالنسيج الوطنى المصرى فعلاً وليس على الورق على مدى طبقات زمنية متراكمة عانت سيناء مثلما عانى غيرها – خارج العاصمة - من التهميش.. فقط وجود إسرائيل على حدودها الشرقية هو ما أضاف للمأساة هو ما رهن الناس هنا بتلك الجغرافيا السياسية المعقدة فى مثلث مصر / فلسطين / إسرائيل تبعاً لذلك سقطت سيناء فى ملف أمنى حالك السواد أظنها لن تنجو منه إلا إذا تخلت الدولة المصرية عن الرؤية التقليدية لأفكار عفى عليها الدهر من شاكلة العمق الاستراتيجى سيناء ستنجو بكل تأكيد لو تخلينا عن وضعها فى ملف أمنى أو على الأقل استبدلناه بملف تنموى وما يصلح للحديث عن سيناء يصلح للحديث عن كل مناطق مصر المهمشة خارج القاهرة.
 
■ عانى أدباء الأطراف والحدود الكثير من التهميش على مدى العقود الاخيرة .. كيف تنظر الى قضية المركز والهامش فى الثقافة المصرية؟
 
 - السر فى الوجه المعتم من جملة هيرودوت التى لا نملّ من تكرارها «مصر هبة النيل» حسناً فى الجانب المتعارف عليه من تلك الجملة سنظل فى تواتر مع حالة مديح أبدية لفضل النيل على البلد السمراء لكننا سنكتشف فى الجانب المعتم من هذه الجملة حقائق أخرى كيف ظل المصرى هكذا ملتصقًا بالنهر لا يفارقه؟ لماذا يترك أكثر من 99 % من أرضه ويظل ملتصقاً هناك فى شريط ضيق يتحامى بالنهر أو يتحامى النهر به؟ مصر ليست فقط هبة النيل بل تعيش تحت رحمته ورحمة من يتحكم به وفى التاريخ المصرى القديم الكثير الدال على ذلك، ليس هذا كل شيء هذه الحالة دفعت بهذا البلد ليكون بلدا مركزياً تحولت السلطة فيه من النهر إلى من يتحكم فيه لتكون العاصمة كل شيء ويتراجع ما عداها إلى الهامش.. الناس كل الناس – خارج العاصمة - وليس الأدباء فقط عانوا وعلى مدى طبقات تاريخية متراكمة من التهميش حتى بات المصرى هو من يعيش فى العاصمة وليس خارجها ليس من فراغ يسمى الناس فى كل المحافظات القاهرة بـ«مصر» إنه التجسيد المثالى للمأساة التى يعيشها الناس فى مصرخارج المركز .
 
■ إلى أى مدى أسهمت ثورة يناير فى كسر حاجز التهميش؟
 
- الثورة لم تكسر حاجز التهميش فقط كشفه أحد أعراض الثورة المصرية اهتزاز المركز الذى هو صُلب المأساة وفى وضع كهذا أمكن للهامشيين أمثالنا أن يطلوا برأسهم ليقولوا نحن هنا فيندهش العالم لوجودهم أين كان هؤلاء؟ لكن هل غير ذلك من الأمر شيء؟ لا كل شىء.. على حالة الدولة المصرية تعيد انتاج نفسها وبنفس الآليات هناك خطابات عاطفية لكتل هامشية مثل النوبيين وبدو سيناء لكنها تظل خطابات عاطفية ليس أكثر، بل أستطيع أن أقول إن النوبيين وبدو سيناء ليسوا وحدهم المهمشين مصر كلها خارج القاهرة مهمشة.
 
■ العلاقة بين المرأة والوطن والشعر وثيقة جدا فى شعرك... ما هى حدود هذه العلاقة بالنسبة لك ؟
 
- عندما قرأت «هكذا تحدث زرادشت» لنيتشه توقفت أمام «لا تذهب للمرأة إلّا والسوط معك» ليس فقط لأنها صادمة من فيلسوف بحجم نيتشه، ولكن لأن الخانة التى وضعتها فيها ضمت أسئلة أخرى عن علاقة شعراء مثل رامبو بالمرأة: «ذات مساء أجلست الجمال على ركبتيّ فوجدته حزيناً ودميماً» بودلير هو الاّخر مؤخراً قرأت مقالاً مطولاً عن الملهمات الروسيات وأثرهن على الأدباء والشعراء فى أوروبا وكشفت لى سر جملة نيتشه إنها «سالومى» الفاتنة الروسية التى تعلق نيتشه بها وصدته حتى هؤلاء الذين ينكرونها ينحرفون فى دروب أخرى عنها أبو نواس كفافى وغيرهم.. حسناً باستطاعتك أن تنكر وجود ظلك ولن تعدم من يصدقك لكن هذا لن يغير من الواقع شيئاً سيظل ظلك يتبعك أينما كنت أوطاننا كذلك ستظل تتبعنا مثل ظلنا حتى ولو ذهبنا إلى آخر الدنيا.. المرأة بيت وطن والوطن امرأة لا تستغرب عندما يمثل النحاتون والفنانون الأوطان بامرأة ثمة دافع عميق لذلك فقط عن أى امرأة وأى وطن ستتحدث هذه الرحيمة القديسة المخلصة! أم هذه التى بلغت سن اليأس!! أم هذه الشريرة الخئون! أم هذه الشيطانة الصغيرة! حتى العانس حاضرة هناك كسؤال وجودى يشرع شوكته فى «شعر» الوطن كذلك.
 
■ فى الماضى كان الشعر مبشرا باحلام عريضة فشلت على ارض الواقع .. هل كان الشعر كاذبا وبالتالى استعذبه الجمهور ام انه افتقد الى الرؤية الاستشرافية الصحيحة؟
 
- اسمح لى أن أختلف معك علاقة الإنسان بالشعر أو بالخيال إن شئت الدقة لا يمكن اختصارها هكذا الشعر قبل أن يكون إجابة هو سؤال الوجود وفى ظنى أن الشعر الأجمل فى التاريخ الإنسانى هو الذى التزم بذلك نعم فى مراحل عديدة التبس الأمر اختلط الشعر بالكهانة والنبوءة الإجابات المريحة إن شئت الدقة فى مراحل ثورية حدث هذا أيضاً وتلبس الشاعر الثورى دور الكاهن الذى يعطى إجابات يظل الناس يرددونها كحافز للأمل أو، أو قل ما يحلو لك فى مصر يحفظ المثقفون والثوار قصائد أمل دنقل الثورية مثل البكاء بين يدى زرقاء اليمامة والكعكة الحجرية وغيرها عن ظهر قلب أما أنا – ولا تنزعج – لا أعتبرها شعراً هى خطابات سياسية بالدرجة الأولى أمل شاعر جميل فى أوراق الغرفة رقم «8» ستكتشف ذلك بعد أن خلع زى الكاهن الثورى تخلى عن النبوءة وانحاز للسؤال.


■ هل انت شاعر ملتزم ؟
 
 - بحسب معنى الالتزام كلنا ملتزمون منحازون لفكرة ما لمنطق ما فى مشوار حياتنا.. القريبون منى يعرفون أننى مزاجى بشكل ما لا أميل إلى النمط لا أحب التكرار لا أصمد أمام مشهد ثابت يطلع لى لسانه هكذا ويغيظني حتى فى الكتابة لا يخرج الأمر عن ذلك وهذا بالذات ما يجعلنى مقلاً تستطيع أن تقول إننى أتوجس جداً من التكرار والإعادة حتى ولو كان هذا النص الذى أعيد انتاجه هو نصى الشخصي على جانب آخر لا أستطيع أن أنفى إعجابى بتلك الجملة العبقرية والفذة للأمام على « لولا أن الكلام يعاد لنفد» قد يبدو ذلك فى الظاهر ازدواجاً لكن فى جوهره ليس كذلك حقائق الوجود ثابتة كلمات الوجود تعاد كل يوم الشمس تطلع من شرفتى الشرقية كل صباح لكن هل أراها أنا هذا الصباح مثلما رأيتها أول أمس؟ هى نفسها هل ترانى مثلما رأتنى أمس؟ هذا هو السؤال هذا هو الشعر.
 
■ هل تؤمن بجود مناطق محظورة فى الشعر؟
 
- إحدى المشاكل التى يعانيها المبدع فى بلداننا لا أخص الشعر وحده بذلك هى تلك الفجوة الهائلة فى الوعى بينه وبين جماعته الشعبية بالتعبير الشعبى « هو فى وادى وجماعته فى وادي» وهذه مشكلة قديمة ولهذه المأساة وجه حسن لكن البعض يجلب لنفسه المتاعب وفى لحظة يأس يستفز العمى يقول للأعمى ألا ترى؟ بعضهم يرى فى ذلك بطولة عن نفسى لا تستهوينى تلك البطولة الكرتونية أنا شاعر بلا نياشين على صدرى وأظننى سأظل كذلك.