السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إعادة ترتيب البيت المصرى

إعادة ترتيب البيت المصرى
إعادة ترتيب البيت المصرى




كتب - د.محمد محيى الدين حسنين

شهد علم الادارة فى الاربعينات والخمسينيات من القرن الماضى تطورا كبيرا قام بالتنظير له عدد من العلماء وكان أحدهم فريدريك تايلور الذى أتى بنظرية بسيطة ولكنها كانت مدخلا لما سمى بعد ذلك بـ«الإدارة العلمية»، وتقوم نظريته على ربط الوقت بالحركة، وكان أساس نظريته أن هناك هدرا كبيرا فى وقت العامل نتيجة عدم التنظيم والكثير من الحركات غير الضرورية، بعد أن لاحظ أن العامل لا يهتم بترتيب أدواته بعد كل عملية إنتاجية ليقوم بالبحث عنها فى كل مرة يحتاجها ومن ثم انخفاض فى انتاجيته وزيادة فى تكلفة المنتج، وكان الحل الذى اقترحه «تايلور» هو وضع العامل لأدواته بطريقة يسهل الوصول إليها وتحديد وقت نموذجي لإنجاز كل عمل سيؤدى إلى زيادة الإنتاج وتخفيض التكاليف فى المصانع والشركات.
حالة الفوضى التى يعيشها المجتمع المصرى تتشابه مع حالة ذلك العامل الذى يبعثر أدواته ثم يعود ليبحث عنها، وبدون مبالغة، فإن معظم مشاكلنا فى مصر تعود إلى أن الحكومة تتصرف بنفس المنطق الذى يتصرف به هذا العامل والذى أدخلنا فى حلقة مفرغة.
ولعل مشكلة المرور المزمنة خير مثال لتلك الحلقة المفرغة التى أدخلنا فيها سوء التخطيط، فجاءت احياؤنا وشوارعنا وحياتنا تعيش حالة من الفوضى ولنا ان نتخيل معاناة الموظف الذى يسكن فى احد أطراف القاهرة الكبرى ويعمل فى الطرف الآخر ويحتاج إلى ساعات للوصول إلى مكان عمله والعودة منه، والنتيجة انخفاض فى الإنتاجية وتكدس مرورى وتلوث سمعى وبصرى بالإضافة إلى استهلاك للطرق وتضخم فاتورة الوقود وقطع الغيار، لندفع قيمتها بالعملات الصعبة، واذا احتسبنا تكاليف ذلك لتعدت المليارات من الجنيهات المهدرة بدون فائدة.
وتدور أفكارنا وخططنا لحل تلك الأزمة حول انشاء المزيد من الكبارى وتغليظ قوانين المرور، ونشر الآلاف من افراد الشرطة تحت ظروف جوية متقلبة، ومع ذلك لم يتم حل المشكلة، بل، زدنا القاهرة تشويها واضفنا اعباء مالية وبيروقراطية نحن فى غنى عنها، ونعتقد ان الوقت قد حان لاعادة ترتيب البيت المصرى لنصل إلى الاستخدام الأمثل لمواردنا وحتى يعود للوقت لدينا قيمته وفائدته.
رحم الله الاقتصادى الكبير طلعت حرب حين أراد انشاء مصانع للغزل والنسيج قام ببناء مدينة متكاملة بعيدا عن القاهرة، وأنشأ فيها مساكن للعمال والمهندسين واماكن للترفية ومدارس ورياض اطفال وكانت النتيجة طفرة عمرانية لمدينة المحلة الكبرى، دون ان يضيف اعباء على القاهرة، ومن الغريب ان احفاده من المصريين نشروا ما يزيد على سبعمائة مصنع على طريق القاهرة حلوان دون توفير مساكن لعمالها ومهندسيها بالقرب منها واستمر النهج على نفس الوتيرة لعقود تالية ببناء مجمعات سكنية فى اطراف القاهرة واماكن العمل على الاطراف الأخرى، ولنا ان نعجب عندما نعلم ان هناك مشروعا لبناء نحو ألف مصنع فى منطقة القاهرة الجديدة التى تسكنها الطبقة المتوسطة دون التنبه إلى أن معظم العمال الذين سيعملون بها هم فى الغالب يسكنون خارج تلك المنطقة.
إن زيارة سريعة للمدن فى الدول المتقدمة يلاحظ الزائر أن مكان العمل لا يبعد كثيرا عن مكان سكن الموظفين والعمال، وان المصالح الحكومية لها فروع فى كل الاحياء السكنية والمدن الصغيرة لانجاز اعمال سكانها بدلا من الرحلات الطويلة التى يقطعون فيها البلاد من شرقها إلى غربها، ناهيك عن استخدام الهواتف والكمبيوتر بشكل فعال.
تقسيم القاهرة إلى مدن متكاملة أصبح ضرورة للتصدى لتلك الازمة ولا نعنى هنا تقسيمات ادارية فقط على ان يستتبع ذلك توفير بدائل مناسبة للاسر التى تريد الانتقال بالقرب من اعمالهم ونأمل أن تكون العاصمة الادارية هى الخطوة الاولى لتحقيق ذلك ولا ندعى ان هذا الحل سهل التنفيذ أو أنه من الممكن أن يتم بين ليلة وضحاها ولكن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة والمهم أن تكون على الطريق الصحيح لمستقبل أفضل.