الخميس 26 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

العرب وملف إيران النووى

العرب وملف إيران النووى
العرب وملف إيران النووى




كتب - أحمد عبده طرابيك

أثار الاتفاق الذى وقعته إيران مع الدول الغربية المعروفة بمجموعة 5 + 1 (الدول الدائمة العضوية فى مجلس الأمن وألمانيا) فى الرابع عشر من يوليو 2015، حول برنامجها النووى، الكثير من ردود الأفعال ما بين مؤيد ومعارض ومتحفظ على ذلك الاتفاق، وقد تناولت كثيرا من الكتابات بفيض من التحليل والدراسة أرباح وخسائر الطرفين وخاصة إيران التى تضررت كثيرا من العقوبات خلال 12 عاما الماضية.
للتذكرة يمكن القول إن البرنامج النووى الإيرانى لم يبدأ مع إثارة المشكلة بين إيران والدول الغربية، أو منذ قيام الثورة الإسلامية فى إيران عام 1979، ولكن بدأت إيران فى برنامجها النووى منذ عقد الخمسينيات من القرن الماضى، وبتشجيع من الدول الغربية فى إطار برنامج «الذرة من أجل السلام» الذى أطلقه الرئيس الأمريكى أيزنهاور، وقد لاقى ذلك البرنامج كل الدعم والرعاية من الدول الغربية خلال تلك الفترة التى كان شاه إيران رضا بهلوى حليفا مخلصا للدول الغربية.
الدول الغربية كما هو متبع فى سياستها تجاه دول العالم الثالث لا تعترف بشىء سوى تحقيق مصالحها وحسب، وهذا ما يفسر هرولة قادة ومسئولى الدول الغربية على طهران فور توقيع الاتفاق النووى معها، وتأهب الشركات الغربية للحصول على أكبر حصة لها من السوق الإيرانية الواسعة، وخاصة أن الخزينة الإيرانية سوف تستقبل حوالى 150 مليار دولار من الأرصدة المجمدة لها فى الغرب، وذلك بعدما استنزفت أموال الدول العربية وحولتها إلى مصارفها لتنمية بلادها ورخاء شعوبها.
لقد أتاحت العقوبات على إيران فرصة كبيرة لها فى الاعتماد على الذات، والاستفادة من إمكاناتها الذاتية فى تطوير قدراتها العلمية والصناعية والعسكرية أيضا، وهذا ما شعرت بها الدول الغربية ودفعها إلى إنهاء ذلك الحصار، والبحث عن سبل للاستفادة من قدرات إيران بعدما فشلت فى عقابها بالحصار، وصعوبة ردعها عسكريا.
لقد اضاعت الدول العربية وخاصة دول الخليج التى تمتلك وفرة فى رءوس الأموال فرصا متعددة لأن تضع العالم العربى فى مكانة مهمة على خريطة الدول الكبرى، حتى إن الدول الخليجية لم تستفد من فائض عائدات النفط فى إقامة نهضة علمية ترتكز عليها فى تطوير بنيتها الصناعية، وتنويع مصادر اقتصادها بدلا من الاعتماد على عائدات النفط كمصدر وحيد للدخل القومى، كما أنها لم تساهم فى تطوير اقتصاديات الدول العربية والاستفادة مما لديها من قوى بشرية وكفاءات علمية كان بوسعها تحقيق نهضة عربية شاملة تتكأ عليها فى مواجهة كل الأخطار التى تواجهها الأمة العربية فى الوقت الراهن.
عملا بالقول المأثور «أن تصل متأخرا خير من أن لا تصل أبدا»، فإن الفرصة مازالت سانحة أمام الدول العربية لأن تستعيد مكانتها، وتفرض هيبتها وسط الكبار، وأن تكون طرفا فاعلا فى معادلة توازنات القوى فى أكثر مناطق العالم أهمية، وإذا كان العالم العربى قد أضاع فرصة من أجل بناء قوته السياسية والاقتصادية والعسكرية منذ حرب أكتوبر 1973، فإن الظروف التى يمر بها العالم العربى اليوم أكثر إلحاحا لاستغلال الفرصة من أجل إقامة تعاون فى مختلف المجالات بين الدول العربية واستثمار جميع القدرات والامكانات العربية.
إن إقامة تعاون عربى - عربى، قائم على التنسيق والتعاون السياسى، والتكامل الاقتصادى، واستغلال كافة الامكانات الجغرافية والتاريخية والثقافية، والموارد البشرية والكفاءات العلمية، والموارد الطبيعية الهائلة، من شأن كل ذلك أن يجعل من العالم العربى قوة ليس على المستوى الإقليمى وحسب، وإنما على المستوى الدولى أيضا، فما تملكه الدول العربية من قدرات وإمكانات، إضافة إلى المصالح اللامتناهية للدول الكبرى فى العالم العربى، يجعل من تلك القوى فى حاجة إلى إقامة علاقات متكافئة مع العالم العربى، قائمة على الندية وتبادل العلاقات والمصالح دون إخلال بالحقوق العربية المشروعة.
أصبح العالم اليوم لا يعرف سوى لغة القوة، ومن لا يملك القوة لن يجد له مكانة تليق بحضارته وثقافته وتاريخه وتراثه وإمكاناته وقدراته بين الدول والقوى الكبرى، فالقوة ليس معناها العدوان على الآخرين أو فرض الهيمنة على الصغار والضعفاء، وإنما القوة هى للردع وفرض الهيبة، والحفاظ على الحقوق، ومنع الآخرين من استغلال النفوذ للاعتداء، ونهب الثروات والمكتسبات.