الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

لينا هويان الحسن: وصولى للبوكر يعنى نجاحى فى الكتابة بلغة حرة

لينا هويان الحسن: وصولى للبوكر يعنى نجاحى فى الكتابة بلغة حرة
لينا هويان الحسن: وصولى للبوكر يعنى نجاحى فى الكتابة بلغة حرة




حوار- خالد بيومى
لينا هويان الحسن كاتبة وروائية سورية من مواليد عام 1977، درست الفلسفة بكلية الآداب جامعة دمشق ،كرست معظم إنتاجها الروائى للكتابة عن البادية ووصف النقاد كتابتها بالتاريخية السحرية رغم انتقالها بيسر وسهولة بين الأزمنة بطريقة تضفى على السرد عمقاً وخصوبة، أصدرت أكثر من عشر روايات منها: معشوقة الشمس، التفاحة السوداء، بنات نعش، سلطانات الرمل، نازك خانم، «ألماس ونساء» التى وصلت للقائمة القصيرة لجائزة البوكر هذا العام. عن أعمالها وعن حال الثقافة العربية كان حوارنا معها فإلى نصه:
■ ماذا يعنى لك وصول روايتك «ألماس ونساء» إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر هذا العام؟
- البوكر تقريبا هى الجائزة الوحيدة التى ترعى النصوص التى تكتب بحرية كبيرة، أى أن يمارس الكاتب مهامه الصعبة بنقد المجتمع والسلطة والدين، وهذا غير متاح فى جوائز أخرى. اختيار روايتى للبوكر يعنى أنى نجحت فى الكتابة بلغة حرة.
■ كيف ترين الأعمال الخمسة الأخرى التى وصلت إلى القائمة القصيرة؟
- جميعها تستحق القراءة والوقوف عندها، ولعلى أتواطأ مع الرواية التاريخية، مثل رواية شوق الدرويش، من المهم  أن يكون التاريخ منصة قوية لأجل نقد الحاضر. فالعمل الفنى الجيد هو على الدوام، تركيب جدلى للواقعى واللا واقعي، الأدب هو نتاج لجميع الذين يحسون بتلك الحاجة المكدرة والقلقة واللحوحة إلى إعطاء شهادة على شقائهم وحزنهم، انهم «الشهود/ الشهداء» معذبو العصر الذين يكتبون.. تحدياً للذات، وللزمن، وللمعتاد.
■ برأيك هل الجائزة تصنع مبدعاً؟
- الجوائز ليست حكرا على المبدع الحقيقى فاللحظ دوره أيضا، وهنا المحك الصعب للكاتب الحقيقي، الوصول للقمة سهل مقارنة بالحفاظ عليها. كل كاتب بحد ذاته هو مشروع لمؤسسة عقلية وإبداعية، تمتلك مخزونا من المعارف والرؤى، والإدراكات المختلفة عن سواه. لهذا من الصعب على مشروع أدبى أن يرتهن لجائزة.
■ ما سر انجذاب القراء لروايتك «ألماس ونساء»؟
- الرواية هى خلطة سحرية، إما أن ننجح بقياس المقادير أو تفشل. لعل ألماس ونساء امتلكت تلك النكهة التى تجذب القارئ، فحتى لو صُنفت كرواية تاريخية لكنى عملت على أن تحظى بالكثير من «السحرية».
الرواية قبل كل شيء هى فكرة تومض لنا عن بعد، ويلزمنا الكثير من الجهد لنقترب منها، انجاز هذه الرواية اخذ منى وقتا وجهدا كبيرين، لكن يظل أمر الثقة بالمنجز، أمرا غير متحقق حتى نضمن إقبال القارئ على الرواية، وبنفس الوقت يترتب على اختيارى لفكرة ونسق هذه الرواية أن انتمى كليا لها، أى أن أتبنى وجهات نظر أبطالها ومصائرهم ومآثرهم وجرائمهم، أى خيرهم وشرهم يعنيني. لايمكن للرواية ان تدافع عن حضورها إلا من خلال قدرتها على جذب القارئ، فكل رواية هى مشروع يشبه شبكة العنكبوت التى تبنى لتعلق فيها الفرائس. والنص الذى يقُرأ ثم ينسى هو نص محكوم عليه بالموت.  
■ لماذا سلطت الضوء على الحضور النسائى فى بداية القرن العشرين؟
- هنالك القول الشهير: «ان الرواية التى لا تغير المؤلف ولا القراء.. ليست ضرورية».
أى إذا أردت أن امتلك طموح التغيير أو التأثير، لابد ان ابدأ من النساء، المرأة هى الكائن الفعال على هذه الأرض، هى التى تلد الرجل وتربيه، وإن لم نؤثر بها ونعبث بأفكارها فإن النصوص التى نكتبها خاوية.
روايتى «ألماس ونساء» استفزت النساء، وإلا كيف تبرر حوالى خمسة أقلام نسائية صحافية هاجمت روايتي؟! كل النساء الناقمات على بطلاتى هن أسيرات لأصفادهن. المرأة كائن غيور وحقود شئنا ذلك أم أبيناه، هذا أمر واقع، وسعدت جدا أنى نجحت بتحريك الشر لدى المثقفات، ذلك يعرى حقيقية أن الثقافة رداء مزيف لكثير من الوجوه الثقافية الشهيرة. نسائى واجهتهن هجمة شرسة من النساء. وهذا دليل على اننا نحتاج لأشواط زمنية طويلة قادمة حتى يمكننا ان نشيد بنساء مثقفات لايحاربن المرأة. كيف نطالب الرجل بتحريرنا والنساء يوزعن الأصفاد بين سطورهن؟!
■ هل غادرت عالم الصحراء للأبد؟
- منذ اللحظة الأولى التى قررت بها الكتابة، اعتنقت منطق «الانطلاق»، أى لا تخوم للأدب، لا حدود، لا مقاسات.كل كاتب يفترض أن يكون مجربا بشكل ما، لابد أن يصقل تجربته بثقافة ممتدة، عريضة، تتقبل كل الاحتمالات، وأن يمتلك رؤية العرّافات، مع الكثير من اللين فى المنطق، أى غير مسموح للكاتب بتبنى آراء صلبة لاتتغير، هذا مقتل حقيقى لأى أديب، وكل ماذكرت يساهم بامتلاك حساسية عالية، الأمر الذى يجعل من النص المكتوب حياً، فاعلاً، ومؤثرا.
■ لغتك مضمخة بالشاعرية.. ماذا تقولين؟
- كل النصوص التى أسرتنى قراءتها هى نصوص تقدم مظهرا جميلا تكمن فى داخله أفكار ومضامين فعالة، والشعرية هى ضمانة لهذا المظهر الجميل، الرواية جنس أدبى شاسع يمكنك أن تضمنها الشعر والنثر والقصة وحتى الرسم بشكل ما، أى الروائى يمتلك أدوات متنوعة أكثر من الشاعر والقاص. أيضا للشعر ميزة يمكن للروائى استثمارها بقوة إذا أراد فالشعر لغة واللغة متعددة المعانى وتسمح بتفسيرات متنوعة وحتى المتناقضة منها.
■ مالذى يغريك بالعمل الروائى؟
-العمل على رواية جديدة أشبه بحفريات مضنية على أرض تتوقع ان يبزغ منها ما يفاجئ.
تستهوينى تلك المناطق المظلمة التى تستحق أن نسلط عليها الضوء. الكتابة تشعرنى أنى بعيدة عن الرتابة، مثل أيام العطل.. وأيام العمل.. والأعياد.. وأشياء كثيرة تسير وِفقَ إيقاع واحد، أى تبعدنى عن كل ما يمكن أن يولد إحساسا مضنيا بالاغتراب والعداء لهذا العالم، أن تكتب رواية يعنى أنك تنغمس فى حقيقة ومعنى الحياة.
■ كيف تصنفين كتاباتك.. ألاحظ أنها قريبة من الواقعية وبعيدة عنها فى نفس الوقت؟
- صُنفت عدة مرات بالتاريخية السحرية، لا أنكر مطلقا تأثرى بالأدب اللاتينى.
ولا أنسى ابد ما قاله ذات يوما ساباتو: «ان لا احد ينام فى العربة حين نقله من الزنزانة إلى المقصلة، لكننا ننام جميعاً من الولادة حتى القبر»، إحدى مهام الأدب العظيمة، إيقاظ الإنسان السائر صوب المقصلة، الأدب هو تنبيه، أحيانا يمكن للرواية ان تشبه لمسة هادئة تنبه إنسانا غافيا، وبعض الروايات تكون، بمثابة زلزال فتاك. كلما كتبت أتوخى أن أكون شيئا يشبه الهزة الأرضية المباغتة، فليس الخراب دائما علامة على النهاية، إنما قد يكون نبوءة لبداية جديدة.