الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

وليد علاء الدين: أقاوم فساد نفسى وأحميها بكتابة الشعر

وليد علاء الدين: أقاوم فساد نفسى وأحميها بكتابة الشعر
وليد علاء الدين: أقاوم فساد نفسى وأحميها بكتابة الشعر





حوار - خالد بيومى
وليد علاء الدين مبدع يجمع بين الممارسة والنقد والتنظير حيث زاوج بين الشعر والمسرح والنقد والمقالة الصحفية متسلحاً بثقافة مزدوجة ورؤية منفتحة تنهل من منابع مختلفة، متأصلة فى جذور الماضى ومساءلة للواقع الحاضر ومنفتحة على الثقافات المختلفة .أصدر ديوانين شعريين هما: تردنى لغتى إلى، تفسر أعضاؤها للوقت، وحصلت مسرحيته «العصفور» على جائزة الشارقة فى الإبداع المسرحى، وصدر له مؤخراً كتاب «واحد مصرى» الذى يلتحم بقضايا الواقع المصرى ومشكلات الطبقات المهمشة والمسحوقة فى سعيها للبحث عن نقطة ضوء فى نهاية النفق المظلم.
هنا حوار معه:

■ لنبدأ من المربع الأول لشعرك، من هو محرضك؟
- هل تعرف أن كلمة «حرض» تعنى مرض أو فَسَد! ربما لم تخترها مصادفة لأنها تتفق مع مفهومى عن الشعر باعتباره مقاومة لفساد النفس وحمايتها من المرض، أقاوم فساد نفسى وأحميها بكتابة الشعر لأنه يشبه عملية التصفية والتنقية.
■ برأيك.. هل ما زال الشعر صوت من لا صوت له رغم ظهور أجناس إبداعية منافسة له مثل الرواية والدراما التليفزيونية وعصر الصورة؟
- لم أكن حاضرًا عندما كان الشعر صوت من لا صوت له، ولا أثق فى كتابات النقاد، كما أن الشعر لم يعد هو نفسه الذى تتحدث عنه، وإن ثبت اسمه الذى يعرفه به الناس: الشعر.
ثمة كيان اسمه الشعر ولكن لا يجوز أن نثبت لقطة زمنية له ثم نتحسر عليها، ما كتبه شعراء الخمسينيات مثلًا لم يعد شعرًا فى عصرنا، المقالة الصحفية اليوم أكثر شاعرية منه – هذا من باب المبالغة.
قد يكون الشعر اليوم فى الرواية مثلًا، فهل ظلت الرواية العربية على حالها كما كتبها روادها الأوائل سواء أكانوا مصريين أم لبنانيين؟ أبدًا، مسّتها نار الشعر فنضجت، وكذلك الدراما، لذلك فإن الكائن الحقيقى المسمى شعرًا يُولد فى كل عصر فيكون مناسبًا لعصره، وينمو فى نفوس الناس فترقى درجات تطلب معها المزيد منه فينمو بدوره ويتطور وإلا سقط فى مساحة الأرشيف والتأريخ، ولا يبقى منه إلا ما نجح فى لمس المشترك الإنسانى بصياغة خاصة وفريدة تلك هى الجمرة التى لا تبرد مع الأيام.
■ ديوانك الأول بعنوان «تردنى لغتى إلى»، ما علاقتك باللغة؟ وهل نجحت اللغة فى مسعاها؟
- خارج الشعر نحاول أن نتوافق على أسماء الأشياء ومعانى الكلمات، اللغة خارج الشعر «كتالوجية» ومهمتها تأسيس ذلك، لأن مسعى اللغة أو هدفها فى الشارع، وفى الإعلام، وفى المستشفى، وفى قسم الشرطة، وعلى غلاف المنتجات التجارية، أن تنقل إليك ما يريده منك الآخرون حتى لا يحدث خلاف أو نزاع أو خطأ.
أما الشعر فهو يسعى إلى عكس ذلك، يدعوك لأن تفكر فى احتمالات جديدة ودلالات أرقى، إنه يسعى إلى تخليص المفردة من أسرها القاتل وإطلاق أسر العقول من استقبالها المحنط للأفكار والكلمات، هنا يصبح الشعر لغة من لا لغة له، لأنه لا يضطرهم إلى الكتالوج الذى يمجده البشر فى يومهم العادى، إنما يقول لهم امرحوا فى هذا الحقل الوسيع وافهموا وقوموا بالتأويل وسوف تعودون من هناك بشرًا مختلفين.
■ جاء ديوانك الثانى بعنوان «تفسر أعضاؤها للوقت»، فهل تأثرت بتجربة الشاعر الكبير الراحل محمد عفيفى مطر فى ديوانه «أنت واحدها وهى أعضاؤك انتثرت»؟
- الكبير «مطر» أحد القلة الذين أدركوا أن اللغة فى الشعر ليست لغة الكتالوج، لذلك نحت لغته الخاصة، وهو ما كنت أبحث عنه فى ديوانى الأول «تردنى لغتى إلي» الذى ضم مختارات البدايات كلها منذ أن كنت طالبًا فى الثانوية إلى ما بعد التخرج فى الجامعة، توقفت بعد ذلك طويلًا عن كتابة الشعر، وجربت المسرح، والقصة، وقرأت بنهم فتطورت علاقتى باللغة وبتُّ أراها بشكل مختلف قادنى إلى طرق تعبير وصياغات مختلفة ظهرت فى «تفسر أعضاءها للوقت».
■ فى شعرك غنائية تنتمى إلى الزمن السريع يشبه غناء الراب، هل هو إيقاع حياتك؟ أم نزعة غاضبة؟
- إذا كنت تقصد بالغنائية الشكل أو الإيقاع السريع، فأنت تتحدث عن عدد من قصائد الديوان الأول التى انشغلت فيها بالانتقال بين الأوزان فى محاولة لمسرحة الفكرة، وإن كنت تقصد الغنائية أى التعبير عن الذات الشاعرة، فلا أرى سوى أن ذات الشاعر هى كل العالم، فإذا كان بالأساس لا شىء فى العالم متفق عليه فمن الأحرى أن يعبر الإنسان عن الأشياء وفق ما يراها هو، وفق ثقافته ومعارفه ورؤاه وأحلامه ومفاهيمه واعتقاداته، لا وفق ما يدعى الآخرون، وإلا أصبح أى شىء غير شاعر.
■ لك تجربة مميزة فى المسرح حيث حصلت مسرحيتك «العصفور» على جائزة الشارقة للمسرح، أين تجد نفسك أكثر فى الشعر أم المسرح؟
- «الشعر» هو الشكل الأكثر تجريدًا لكل فنون الكلمة، إذا فككت التجريد وتلاعبت به صنعتَ أشكالًا إبداعية أخرى بداية من القصة والرواية والمسرح ... إلخ.
مادتك الخام هى الكلمة التى تحاول أن تفك أسرها لتعيد تقديمها باحتمالات أكثر حرية فتترك أثرًا أبقى وأكثر عونًا على التفكير، لذلك لا أقف كثيرًا لأسأل نفسى أين أنت فى الشعر أم فى المسرح أم فى الرواية أم فى المقالة، أكتب وأحصل على متعتى أثناء الكتابة ويأتى التصنيف لاحقًا أو لا يأتى.
■ لماذا اختفى المسرح الشعرى بعد رحيل عبد الرحمن الشرقاوى وصلاح عبد الصبور؟
- لم يختف المسرح الشعرى بعد الشرقاوى وعبد الصبور، إنما لم يعد هذا هو الشعر ولا ذاك هو المسرح، المصطلحات تشبه مقابض الأبواب، ولكن ليست كل الأبواب تؤدى إلى الأماكن نفسها، هل ينبغى أن يظل المسرح الشعرى على النموذج الذى كتباه هما أو غيرهما لكى نقول إنه استمر؟ ثمة استسهال شديد فى حياتنا الآن، نضع أنموذجًا لكل شىء ونقيس عليه كل ما يأتى بعده من دون اعتبار لجمالياتها الخاصة، ثم نصرخ: لم يعد لدينا من هذا. وننشغل بالبحث عن السبب، ونجتهد فى تدريس طرق تنفيذ النموذج وندور حوله كالكعبة، بينما نماذج أخرى كثيرة تستحق الانتباه ماتت مختنقة بأنفاسنا.  
■ «واحد مصري» آخر كتبك يتناول مشكلات المواطن المصرى الأزلية وخاصة الطبقات الفقيرة والمطحونة، هل تعتقد أن الكتابة هى الملاذ الأخير لهذه الطبقات المهمشة؟
- لا أعرف إن كانت ملاذًا أم لا، ما أعرفه هو أننى أكتب فى الشأن المصرى بصدق، متشبثًا بشىء واحد، هو أن مقالة مثل هذه كانت سببًا فى تغيير حياتى قبل أكثر من 25 سنة، لأنها ألهمتنى فكرة أو طريقة للتفكير فى الأمور، أكتب دائمًا لهذا الشاب الذى ربما تعثر به مقالتى فتلهمه فكرة يعيش عليها حياته، لو سقط هذا الرابط من ذهنى لتوقفت عن كتابة المقال.
■ هل يقلقك قلقك؟
- ربما أنا من يقلقه، فى ظنى أن القلق هو الروح، والجسد بإدارة العقل هو الآلة المكلفة بتدبير أمر القلق والإجابة عن تساؤلاته وطمأنته ودفعه إلى الأمام نحو قلق مختلف دائمًا.
■ هل لهذا الواقع أن يحررك من أمر ما؟
- مطلوب أن نسعى دائمًا للتحرر من الواقع أيًا كانت صورته، فكيف يحررنا الواقع!