الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«الزواج بين العيدين مكروه» أحدث تقليعات الفتاوى على الإنترنت

«الزواج بين العيدين مكروه» أحدث تقليعات الفتاوى على الإنترنت
«الزواج بين العيدين مكروه» أحدث تقليعات الفتاوى على الإنترنت




كتب - عمر حسن
سادت لفترة من الوقت بعض المعتقدات الدينية الخاطئة التى تم توارثها عبر الأجيال على أنها حكم دينى وهى لا تتعدى كونها عادة خاطئة أُلصقت بالدين، والغريب أن بعضها هى فى الأساس معتقد نُقل عن قوم الجاهلية ومع ذلك يسرى حتى الآن فى بعض المجتمعات الإسلامية أو على الأقل يتوارد ذكره عندما ينوى أحدهم عقد قرانه ويبقى لديه تحديد الميعاد «الزواج بين العيدين مكروه» جملة تناقلها العوام على المواقع الإلكترونية والمنتديات الإسلامية، وعليه هرع الكثيرون من الجنسين للتأكد من صحة تلك الفتوى خاصة أنها تشعبت فى كثير من الملتقيات الإلكترونية التى يسكنها الشباب ليل نهار ويسلمون بحديث من فيها، لكن قبل أن نتعرف على رأى علمائنا فى حقيقة هذه الفتوى، نستعرض عينة من آراء الشباب عن الميعاد المفضل للزواج، وأسباب اختياره، وهل سمع أحدهم من قبل عن هذه الفتوى الغريبة؟
فحول رأى الموطنين فى هذه الفتوى يقول محمد حامد، 23 سنة أن شبكات التواصل الاجتماعى تعج بصفحات متخصصة فى إصدار الفتاوى الشاذة بدون رقابة عليها، وبذلك فإنها سبب رئيسي فى تشويه المعتقدات الدينية الأساسية لدى الناس واستبدالها بمعتقدات خاطئة تُستقى بنسبة 90% من رواد المنتديات الإسلامية التى يديرها مجموعة من الجهلاء ممن ليس لهم علاقة بالدين من قريب أو من بعيد، وهنا توقف ليتساءل «أين دور الأوقاف فى مواجهة منتديات النصب الديني؟».
وبسؤاله عن الميعاد الذى يفضل الزواج فيه، قال «هبعد قدر الإمكان عن شهور الشتاء... أخاف إن الدنيا تمطر ويحصل برق ورعد زى ما حصل قبل كده مع واحد صاحبي»، لافتا إلى أنه يستبعد أن يكون الإسلام قد أوصى أهله بعقد القران فى ميعاد معين دون غيره.
نرمين أغا، فتاة فى الثانية والعشرين من عمرها، لم تقرأ شيئا عن ذلك من قبل، وقالت «لكن حتى لو سمعت بيها مش هتأثر عليا.. لأن طالما الحاجة دى مش مذكورة فى القرآن أو فى حديث صحيح مش هيكون ليها وزن»، مشيرة إلا أنها لو خُيرت فى ميعاد الزواج لاختارت شهر يناير لأن بداية العام تكون بداية جديدة لكل شىء، والإنسان فى هذا الوقت يكون لديه الاستعداد لتغيير حياته للأفضل، ويكون مفعما بالطاقة الإيجابية، وبذلك يصبح كل عيد زواج فرصة لتجديد الذات استعدادا لمواجهة صعوبات السنة الجديدة.
أما مى النمر، وهى فى مقتبل العشرينيات من عمرها، فقد أشارت إلى أنها قرأت تلك الفتوى من قبل على أحد المواقع الإلكترونية الشهيرة والمتخصصة فى شئون الإسلام والعقيدة وتفاجأت بها، ولكن استنكرتها جملة وتفصيلا قائلة: «ده كلام خرافى.. يعنى ايه الجواز بين العيدين مكروه؟ وأين دليل هؤلاء الذين أصدروا تلك الفتوى على ذلك؟»، متابعة: «أفضل الزواج مع بداية الصيف ولن أربطه بمناسبة دينية».
عبد الرحمن بدر، 25 سنة، لم يسمع عن هذه الفتوى بهذه الصيغة ولكنه قرأ ذات مرة أن الزواج فى شهر شوال أفضل من أى شهر آخر، مؤكدا عدم ثقته فى هذه المعلومة، واستطرد قائلا: «لم أرَ يوما أن الزواج مرتبط بميعاد ولكن على حد علمى فإن هذه العادة تطبق فى بعض المجتمعات الإسلامية التى تفتقر إلى الثقافة الدينية، ربما لدى البدو أو بعض قرى الريف سواء داخل مصر أو خارجها».
على صعيد آخر أبدى الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا، استياءه الشديد من حالة الفوضى التى تسيطر على المواقع والمنتديات الإسلامية فى إصدار مثل هذه الفتاوى، لافتا إلى أنه سمع من قبل عن ذلك الأمر، وعليه نفى تماما صحة هذه الفتوى قائلا: «هذه فتوى لا أساس لها من الصحة والزواج سنّة عن النبى (صلى الله عليه وسلم) ولم يربطها بوقت محدد»، وتابع قال (رسول الله صلى الله عليه وسلم ): «مَن رغِب عن سُنتى فليس مِنِّي»، وهذه الفتوى تحريم لما أحله الله، كما يجوز للمسلم أن يتزوج فى رمضان، والزواج بين العيدين لا شىء فيه وهو جائز فى كل وقت وذكر الأطرش المواقع التى يحرم فيها الزواج، وأولها أن تكون المرأة فى فترة الحيض، وهذا أتت به الآية الكريمة فى قوله تعالى: «فاعتزلوا النساء فى المحيض»، وكذلك فترة الإحرام فى الحج، بعد ذلك فلا مشكلة فى الزواج، لافتا إلى أن الزواج يمكن ربطه بمتطلبات أو بمقومات أولى من ربطه بميعاد، وهذا بالفعل نصت عليه الأحاديث النبوية، فالزواج فى مجمله مرتبط ارتباطا كليا بحديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) حينما قال: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج»، وهنا ربط الرسول الزواج بمقومات مادية وجسدية تتلخص فى القدرة على المعاشرة الجنسية، فأما إن كان يعانى الشاب من مرض فينتظر الزواج حتى إتمام العلاج.
وتطرق الأطرش إلى الحديث المنسوب للسيدة عائشة - رضى الله عنها - زوجة الرسول (صلى الله عليه وسلم) الذى يتعارض جملة وتفصيلا مع تلك الفتوى، والذى يقول: «تزوجنى صلى الله عليه وسلم فى شوال ودخل بى فيه، وأى نسائه كان أحظى عنده مني»، فقال هذا الحديث وإن ثبتت صحته فهو لا يقضى بأفضلية الزواج فى شوال والدليل على ذلك أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يتزوج باقى نسائه فى شوال، وظروف زواجه بعائشة كانت تتعلق بحيثيات أخرى ألزمت زواجه فى شوال ليس أكثر.
فى سياق متصل قال الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر السابق، إن الفتوى سالفة الذكر منقولة عن الجاهلية وقد أتى الإسلام ليهدم كل معتقدات الجاهلية ويرسى معتقدات قويمة من جديد فهل يعقل أن نعود بفكرنا إلى ما قبل الإسلام ونسترجع ما خلفته الجاهلية من معتقدات مغلوطة!، مشيرا إلى أن شبكة الإنترنت مليئة بـ«القنابل الموقوتة» التى يجب أن تنفجر ولكن بعيدا عن شبابنا، فعقد القران مستحب فى جميع الأيام ولا فضل لأيام على غيرها فى ذلك.
وأوضح عاشور أن الزواج ليس مستحبا فقط فى شهر رمضان، فرغم أن الجماع جائز بين الرجل والمرأة طوال فترة الإفطار إلا أن الشاب حديث الزواج ربما لا يملك نفسه وقت الصيام ويجامع زوجته فيبطل صيامه، وعليه فالأولى أن ينتظر لما بعد رمضان.