الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تجربة إندونيسيا فى التنمية

تجربة إندونيسيا فى التنمية
تجربة إندونيسيا فى التنمية




كتب - أحمد عبده طرابيك

حققت بعض الدول نجاحا ملحوظا فى مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية خلال مرحلة التحول السياسى التى مرت بها، بعد فترة من الركود وضعف الأداء الاقتصادي، وتدهور البنية الاجتماعية والاقتصادية، وصلت فى بعضها إلى حالة الانهيار، ويعد دراسة تلك الحالات من الأمور المهمة، لأخذ ما يناسب منها لعلاج ضعف الأداء الاقتصادى فى مصر فى مختلف القطاعات، ومن تلك التجارب الناجحة فى آسيا التجربة الإندونيسية.
 خلال السنوات الخمس الماضية استطاع الاقتصاد الإندونيسى أن يحتل المكانة الأولى كأكبر اقتصاد فى جنوب شرق آسيا، والرابع آسيويا بعد كل من الصين واليابان وكوريا الجنوبية، ويحتل المركز السادس عشر على المستوى العالمي، وذلك بفضل التطور الكبير الذى شمل مختلف القطاعات الاقتصادية، فتمكن من القضاء على البيروقراطية، واقتلاع الفساد، وتحقيق مستوى متقدم من الشفافية، والتحول من الاقتصاد الريعى المعتمد على تصدير الموارد الطبيعية كالأخشاب والنفط والمعادن إلى اقتصاد يرتكز على الصناعة المتطورة والخدمات اللوجستية والتقنية الرقمية.
لقد مر الاقتصاد الإندونيسى بمراحل وتجارب عديدة وصعبة، خاض خلالها حروبا شرسة ضد البيروقراطية والفساد وترهل الجهاز الحكومي، ففى عام 1997 تعرض الاقتصاد الإندونيسى لهزة عنيفة ضمن الأزمة الاقتصادية التى شملت مجموعة دول «آسيان»، ثم كانت الأزمة النفطية حيث كانت اندونيسيا فى تلك الفترة أحد الأعضاء فى منظمة «أوبك» ويعتمد اقتصادها بشكل كبير على عائدات النفط، الأمر الذى أدى إلى ارتفاع نسبة الدين الخارجى لما يقارب 138 مليار دولار، وارتفاع نسبة التضخم إلى 60%، ووقع ربع السكان تحت خط الفقر.
استطاعت الحكومة أن تمتص تلك الصدمة الاقتصادية، وتعيد هيكلة الاقتصاد الإندونيسى من خلال عدد من الإجراءات، كان أهمها إصلاح المنظومة المصرفية بفتح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية فى هذا القطاع، واستقلال المصرف المركزي، وتبنى خطة اقتصادية للفترة من 2005 إلى 2011، وضع فى أولوياتها تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهيكلة قطاع الموارد الطبيعية، وإحداث ثورة فى القطاع الإدارى للدولة، وتحرير قطاع الاستثمار من القيود، والمساواة بين المستثمرين المحليين والأجانب.
 لم يشكل ارتفاع عدد السكان فى إندونيسيا البالغ عددهم 247 مليون نسمة عائقا أمام عملية التنمية الإقتصادية الإندونيسية، بل استفادت الحكومات المتعاقبة من عدد السكان الكبير فى صناعة سوق محلية ضخمة لزيادة دوران حركة رأس المال وحماية المنتجات الإندونيسية من تبعات الأزمة الاقتصادية، بالإضافة إلى الاستفادة من الكثافة السكانية كقوة بشرية فاعلة فى الاقتصاد الإندونيسي.
كذلك فإنه من عوامل نجاح تجربة اندونيسيا فى التنمية هو عدم اللجوء إلى الاقتراض الخارجى إلا فى حالات محدودة، وللضرورة الاقتصادية عند الحاجة إلى زيادة الثقة الدولية فى الاقتصاد الإندونيسي، وكان تشجيع الاستثمارات الخارجية، وجذب الشركات الكبرى إلى السوق الإندونيسية هو العامل المحفز لنمو الاقتصاد الإندونيسى بشكل كبير.
خلال زيارة رئيس الوزراء ابراهيم محلب إلى إندونيسيا فى شهر فبراير 2015، للمشاركة فى الاحتفال بمرور 60 عاما على تأسيس منظمة عدم الانحياز، زار موقعين من مواقع التميز الاقتصادى والاجتماعى فى إندونيسيا، واللذان يمكن الاستفادة منهما فى مصر، نظرا لكونهما يمثلان أهمية كبيرة للتطور الاقتصادى والاجتماعى فى مصر:
الأول: مركز الصناعات الصغيرة والمتوسطة، حيث ساهم هذا المشروع فى تنمية الاقتصاد الإندونيسى بشكل كبير، سواء من خلال انتاجه للمنتجات الوسيطة التى تدخل فى الصناعات الثقيلة والمتوسطة، أو من خلال إنتاج منتجات نهائية للاستهلاك المحلى أو التصدير، بالإضافة إلى العائد الاجتماعى المتمثل فى توفير تلك المشروعات لنحو 54 مليون فرصة عمل.
الثاني: حى «بلويت» العشوائى فى شمال العاصمة جاكرتا، والذى يعد من أكثر المناطق تسببا فى معاناة الانسان المعيشية، وقد جرى تطويره من خلال توفير 15 ألف وحدة سكنية، ونقل عدد من سكان الحى إلى أماكن أخرى لتخفيف الكثافة السكانية، وتطوير جميع المرافق والخدمات، الأمر الذى كان له أثر كبير فى تخفيف المعاناة عن المواطنين، وانخفاض مستوى الجريمة، والارتقاء بمستوى المناطق القديمة فى العاصمة وجميع المدن لردم الهوة بين مختلف الأحياء والمناطق.