الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الوزير بين المثقفين والعمائم

الوزير بين المثقفين والعمائم
الوزير بين المثقفين والعمائم




كتب - عاطف بشاي

على غرار فيلم «يوم ملوش لازمة» بطولة محمد هنيدى يبدو للمثقفين أن وزارتهم أضحت لا أهمية لها، فهى دائما آخر الوزارات التى يتم اختيار وزير لها فى أى تشكيل وزارى بعد أن يتم استكمال تسكين كل الوزارات، فيأتى الوزير إليها بالصدفة أو الإحراج، ويرحل دون مبرر أو العكس، وما بين المجىء والرحيل يعمل بلا خطة أو هدف واضح، ويعانى من فساد إدارى متراكم يعرقل أى رغبة فى الإصلاح والتطوير، بالإضافة إلى ميزانية هزيلة لا تكفى لتغطية مشرفة لنشاط واحد فقط من أنشطتها المتعددة..
وحينما تنفسنا الصعداء بعد قيام ثورة 30 يونيو التى أشعلها المثقفون بدورهم الإيجابى - ربما لأول مرة فى تاريخ مصر الحديث بداية من الاعتصام رفضا للوزير الإخوانى وحتى القضاء على حكم الإخوان حيث أغلق المثقفون وزارة الثقافة بالجنازير فى وجه القبح والتخلف والدمامة وأشعلوا مصابيح التنوير والخلق والإبداع، ورقصوا وغنوا وعزفوا للنهر المستباح والوطن الجريح ودماء الشهيد، ولأن المشكلة لم تكن مشكلة وزير ثقافة ينفذ أجندة نظام يكره الثقافة والفنون ويشيع ثقافة التحريم والتجريم والوصاية والإقصاء والمصادرة، ويكفر المبدعين والمفكرين فقد تحول الاعتصام إلى قوة دافعة جبارة ضد نظام حكم فاش يمثل ردة حضارية، تعود بنا إلى عصور محاكم التفتيش وزمن العصور الوسطى فضيقوا علينا الوطن، وجاءوا يحملون التوكيلات الإلهية لفرض فتاويهم المسمومة وتجريماتهم المفزعة واحتكروا كتابة التاريخ وتغيير مناهج وعلوم الحضارات ليدونوا أسماؤهم فى قوائم المبشرين بدخول الجنة بدأوا بقتل الكتب وذبح التماثيل، ليمضوا بنا فى قطارات صدئة إلى كابول.
أقول إنه حينما تنفسنا الصعداء بعد قيام ثورة 30 يونيو وقيادة المثقفين لكتيبة التمرد والغضب ليساهموا فى إشعال الثورة الجديدة.. مؤكدين أن الإبداع لا يموت وثقافة التنوير لا تحتضر وحرية الرأى والفكر لا يمكن لأعداء العقل سحقها وحركة التاريخ تنحاز للمدنية والحداثة والتجديد وحرية الاختلاف والتنوع ولا تنتصر للجهل والجمود والإرهاب والمتاجرة بالدين.
جاء جابر عصفور كنتيجة مباشرة لتلك الثورة التى تقدم فيها المثقفون الصفوف وفى ظل أول مرة تهتم فيها الحكومة بتلك الوزارة المسكينة فتسعى إلى الرجل المناسب للمرحلة التى رفعت شعار التنوير، فهو المهموم بتلك القضية وصاحب المؤلفات التى تدعمها وآخرها كتاب نقد ثقافة التخلف، وما أن بدأ يعمل ويخوض معركة شرسة ضد الرجعية والتشدد وفلول الإخوان والسلفيين حتى طرد بسرعة وحسم دون أن نفهم على وجه الدقة الخطايا التى اقترفها، اللهم مواجهته المباشرة لشيوخ الأزهر.
وجاء خلفه د. عبد الواحد النبوي وبدأ عهده بتصريحات تبعث على القلق، فهو يدعو إلى انتاج أفلام سينمائية تدعو إلى الأخلاق الحميدة والقيم التربوية والانتماء الوطنى وهو بذلك ودون تعسف يعيد الاشتباك بين الدين والفن، المبدع والشيخ فى صدام تتعدد فيه وقائع النزال وتتصاعد إلى حدود التكفير والتحريم والمصادرة وفرض الوصاية وإهدار دم المبدعين، ويعيدنا الصدام أيضا إلى ما كان قائما فى علاقة الفنانين بشيوخ الفتاوى ودعاة التكفير، والإخوان والسلفيين الذين يريدون سينما نظيفة ومسرحا معقما وأغنية محجبة وشعرا منتقبا وموسيقى مجففة، وهو بذلك ينحاز - دون أن يدرى - إلى موقف متشدد من الفن والفنانين مرجعه يتصل بالفهم الخاطئ لمعنى الفن، ومغزاه فيؤدى اختلاط الخطاب الدينى والأخلاقى بالخطاب الفنى الجمالى إلى إصدار أحكام دينية على مصنف فنى وهو ما يعيدنا من جديد إلى تكريس ثقافة «الحلال والحرام» وتكريس جريمة التكفير.
 ثم ها هو فى زيارته لمتحف الفنان التشكيلى الراحل محمود سعيد بالإسكندرية تعرض عليه أمينة المتحف المشكلات التى يعانى منها القائمون على المتحف للمبادرة بحلها، كما عرضت عليه مجموعة من الأفكار للنهوض بالمتحف منها إقامة ورش فنية ودورات تدريبية للأطفال، فإذا به يبادرها: «لازم تخسي، عاوزك تلفى المتحف ده كل يوم 20 مرة وتطلعى وتنزلى السلم كل يوم عشرين مرة برضه».
هذه الواقعة المؤسفة تعكس استهزاء الوزير من الفتاة وتدينه كوزير فكر وتنوير فى دولة تخلفت فإذا به تسيطر عليه فكرة عنصرية، ويفتقد المبادئ البسيطة للياقة والكياسة ويقدم مثالا سيئا للفظاظة والغلظة فى التعامل الإنساني.
وكان أولى به أن يشغل وقته المهدر فى الهذار بدراسة المنظومة الثقافية الجديدة التى تقدم بها د. جابر عصفور لرئيس الوزراء بالإضافة إلى مشروع هيكلة لقطاعات وهيئات وزارة الثقافة كى تدخل العصر الجديد الذى نعيشه.. ومتابعة تجهيز متحف «جمال عبد الناصر» لافتتاحه وقد كان مقدرا أن يكون ذلك مع احتفالات ثورة يوليو الماضي، وتكريس خطاب ثقافى وإبداعى حر يواجه ثقافة الظلاميين والإرهابيين.
كما أنه أقام مؤتمرا صحفيا مع الدكتور «مختار جمعة» وزير الأوقاف أعلن من خلاله عن حلمه الثقافى الكبير فى تدشين مشروعات ثقافية مشتركة مع الأوقاف، فيذهب المثقفون والمبدعون والأفنديات إلى المساجد ليبثوا خطابهم التنويرى وأيديولوجياتهم الليبرالية التقدمية فى المساجد، فى مقابل أن يذهب المشايخ والدعاة إلى بيوت الثقافة ومراكزها وقصورهم حاملين خطابهم الدينى والأخلاقي، فى دعوة كريمة لمزج عمائم الأزهر بعقول المثقفين من أجل امتزاج الخطابين المتنافرين فى وحدة متكاملة نهضوية، فهل يمتزج الزيت بالماء؟!