الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

د. سميح شعلان: أطالب بإنشاء هيئة للتراث الشعبى

د. سميح شعلان: أطالب بإنشاء هيئة للتراث الشعبى
د. سميح شعلان: أطالب بإنشاء هيئة للتراث الشعبى




حوار- أحمد سميح
من خلال دراسته وتخصصه فى دراسة الموروث الشعبى لدى المصريين وعن المتغيرات الثقافية لديه على مر السنين والأعوام حصل الدكتور سميح شعلان مؤخرًا على جائزة الدولة التقديرية فى مجال العلوم الاجتماعية لتكلل مشواره المهنى الذى بدأه بدراسة الآثار وصولاً إلى التخصص فى دراسته العليا فى مجال الفنون الشعبية التى أفنى فيها سنين طوال من عمره فى دراستها وتسجيلها وصولاً إلى عمادة المعهد العالى للفنون الشعبية التابع لأكاديمية الفنون الذى يرأسه منذ أعوام.
عن حصوله على جائزة الدولة وعن حال الشعب المصرى وثقافته وما مرت به من متغيرات كان حوارنا معه فإلى نصه:

■  تم ترشيحك من قبل أكاديمية الفنون للحصول على جائزة الدولة.. حدثنا عن ذلك الترشيح.
- تم ترشيحى من مجلس المعهد العالى للفنون الشعبية الذى انتسب إليه، وهو مجلس متخصص يعمل من أجل التعمق وفهم طبيعة الفنون الشعبية فى كل التخصصات، ورفضت فى البداية خوفًا من أن تكون إحدى صيغ المجاملة، لكنهم فى النهاية أصروا على موقفهم ثم انتقل ترشيحى إلى مجلس الأكاديمية والذى يتكون من عمداء المعاهد والذين أجمعوا على ترشيحى لجائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية، وكان ترشيحى فى حد ذاته جائزة كبرى خاصة أنه من زملاء أعزاء يرون أننى أهل لهذا التقدير، ثم ينتقل هذا الترشيح إلى المجلس الأعلى للثقافة الذى يضم خيرة مثقفى مصر الذين يختارون وفقًا لمعايير بعينها أو وفقًا لدور يقوم به الشخص نتيجة لأداء علمى أو ثقافى معين.
■ فى البداية لماذا اخترت التخصص فى مجال الفنون الشعبية، وما الدور الذى تقدمه للثقافة المصرية.
- طوال حياتى أرى أن هذه الأمة المصرية لها جذر حضارى ضارب فى عمق التاريخ، وفخرى واعتزازى بخصوصية هذه الأمة وهو الأمر الطاغى على علاقتى بهذا المجال، وأنا فى الأساس خريج لكلية الآثار، وكنت دائم البحث عن هويتى وماهيتى، وهو ما قربتنى إليه دراستى للآثار المصرية، وأكدت لى أننا شعب أصيل لديه جذر حضارى، شعب تعامل مع الحياة بروح القيم والمبادئ، وأن الحضارة المصرية هى الصيغة الحضارية لبنى البشر بغض النظر عن الحضارة والمدنية الموجودة لدى ثقافات قد نتصور أنها قد اعتلت عرش التقدم، لكنها فى الحقيقة قد اعتلت عرش المدنية لكنها لم تراع فى كثير من الأحيان إنسانية الإنسان، أما الحضارة المصرية القديمة فتمثل قيمًا إنسانية فى الأساس، التقدم الإنسانى الإبداعى لصالح بنى البشر.
وعندما قررت استكمال دراستى العليا وجدت أن دراسة الثقافة الشعبية هى دراسة للإنسان المصرى الآن، التى بنيت علاقته بالحياة على مفاهيم وتجارب قد يكون بعضها سلبيًا، فجمعت ما بين دراسة الوضع الحالى مع ما كنا عليه سابقًا ودرسته فى كلية الآثار للوصول إلى رابط ما بين الاثنين ووجدت أن كثيرًا من ملامحنا القديمة لازالت موجودة حتى الآن، واهتممت بدراسة التغير الحادث على تلك الثقافة وأسبابها، فملامح التغير التى تطرأ على ملامح الشعب المصرى الآن ليس أقدر على قراءتها من مفردات التراث الشعبى لأنه ليس فيها وساطة للمعرفة.
■ يتعامل البعض مع التراث الشعبى باعتباره نوعًا من الرفاهية، ما تعليقك؟
- ليست رفاهية، إنما هى أمر لازم وحتمى إذا أردنا تنمية هذه الأمة، فالتنمية لا يمكن أن تؤتى ثمارها إذا لم نفهم طبيعة هذا الشعب، ولا يمكن معرفة طبيعة هذا الشعب إلا بقراءة النص الإبداعى له والنمط السلوكى له من عادات وتقاليد والأفكار والمعتقدات المنتشرة والتى تمثل التراث الشعبى فالناس يأتون من لسان حالهم ومن طبيعة السلوك الذى ينظم حياتهم، ما بين شخص وآخر، ما بين شخص وجماعته ومجتمعه الكبير، فهى صيغة يمكن من خلالها تنمية ما يمكن أن ينمو واستبقاء ما يجب أن يبقى من خلال هذا الفهم، وحذف الأسباب التى تؤدى إلى السلبية فينا، وهذا أمر يحتاج إلى جهود كبيرة مثل وزارة الثقافة ووزارة التربية والتعليم ووزارة السياحة والتنمية المحلية ووزارة التعليم العالى.
نجدنا مثلاً حتى الآن نصدر لأولادنا فى الكتب المصرية ما قبل الدراسة الابتدائية حواديت سندريللا الغربية فينشأ الطالب متمسكا بحواديت الغرب وبأفكار الغير فى حين أن ست الحسن والجمال المصرية ممتلئة بالقيم والقواعد الأخلاقية التى تنمو بالطفل فى الاتجاه الصحيح، فمثلاً لماذا لم تدرس المواويل الشعبية التى يتم انتقاؤها واختيارها جنبًا إلى جنب مع ما هو موجود، حتى يشعر الطالب أن ثقافته الأم ثقافة يعتد بها وثيق فى صحتها وتنمى لديه الانتماء، ولابد للإعلام أيضًا أن يلتفت إلى الفن الشعبى من خلال برامج تبحث حول الأمثال الشعبية وما وراءها من أفكار والتى تمثل خلاصة تجربة المصريين، التى يجب أن يتعرف عليها الشباب بما تحتويه من حضارة بدلاً عن انصرافهم لذوات حضارية أخرى.
■ كيف ترى حال الثقافة المصرية قبل ثورة يناير وما بعدها.. وهل ترى أن هناك تجريفًا ثقافيًا حدث فى الواقع المصرى؟
- التراث والموروث الشعبى مؤشر لحجم التغير، عندما نرى سرعة التحول والتغير وعندما يحل على الثقافة الأم ثقافة جديدة وافدة إذا فالعيب فينا، خاصة فى أجهزة الإعلام، عندما يكون هناك تأكيد على أن الثقافة الأخرى أكثر قيمة وأنه يعتد بها، ويدور الحديث عن تمكين المرأة وعلى وضعها فى حين أننا جميعًا أبناء أمهاتنا وتربينا على أيديهن، فتهتز ثقتنا فيما تربينا عليه، وعلى الرغم أن الكثير من أمهاتنا فى الماضى لم يكون يجيدن القراءة والكتابة ولكنهن فهمن مغزى الحياة، وربينا على ما يجب أن يكون عليه الفعل الإنسانى من قيم، فى حين أن الثقافات الأخرى تلح لإعادة صياغة السيدة المصرية للقضاء على الانتماء، ومن الأخطاء مثلاً ما قامت به وزارة التربية والتعليم عندما اتجهت لنشر التعليم فى سيناء بخلع الفتاة السيناوية بجلابيتها لارتداء المريلة، فما المانع من بقاء الأطفال بزيهم التقليدى ما ينمى لديهم الانتماء ويؤكد على أنه لا انفصال بين الثقافة الأم وما بين العلم والمعرفة.
والموروث الشعبى مرتبط بمجتمعات مستقرة وعندما تحدث هزة عنيفة بمقدار ما تم فى ثورة يناير، ووجود فوضى مع بعض الضبابية فى الرؤية، وسادت الفردية باعتبار أن كل شخص يرى فى نفسه أنه هو الأفهم وهو الأعرف وهكذا أثرت بشكل سلبى، خصوصًا وأن «الشعبى» قاعدة جماعية وهى التى أنجحت الثورة، فالثوار أثناء اجتماعهم فى ميدان التحرير كانت تحكمهم قواعد وتحركهم بشكل إيجابى، فبدايات الثورة سارت على هذا النحو، الجميع تغنوا مع بعضهم، والعلاقة سادتها السلمية من أجل التطوير والتغيير، وأرى أن هذه الإيجابية بدأت فى الرجوع، وأن هناك إحساسًا بالمناسبة والحدث الذى يجمعنا، ذلك الفعل الاجتماعى الذى ينمى بداخلنا مجموعة القيم، إنما هناك أيضًا تغيير بفعل فاعل بالإضافة إلى الإلحاح من قبل أجهزة الإعلام، ودراسة الثقافة الشعبية تعطينا على طبق من فضة مفاتيح فهم الجماعة المصرية والتى يمكن من خلالها تنمية ما يجب أن ينمو وتدعم ما يجب أن يدعم وتحذف ما يجب أن يحذف.
■ هل يمكن للقراءة الخاطئة للمثل أو الموروث الشعبى أن تضر بمجتمعاتنا؟
- القراءة السطحية أو الخاطئة للعادات أو السلوك تؤثر بالسلب على فهم وقراءة الموضوع وبالتالى فى اتخاذ القرار، فلابد من القراءة الصحيحة للمثل ومؤاده والمناسبة الخاصة به، وعن توقيت قراءته ولمن يقال ولماذا وهكذا حتى نصل لتحليل صحيح تبنى عليها النتائج والمتطلبات.
■ هل أنت من أنصار فكرة وجود مؤامرة على الثقافة المصرية من خلال موروثها الشعبى؟
- لست من أنصار فكرة المؤامرة، لكن الموضوع أن الموروث الثقافى والشعبى لم يُلتفت إليه، وأنه كان هناك تصور وأعتقد أنه لا زال موجودا بأن الثقافات الشعبية هى ثقافات متخلفة وأن عاداتنا وتقاليدنا ومعتقداتنا إبداعات لا تستحق، لأنه لم يتوقف عندها باحثون قادرون على فهمها، ويرونها بشكل سطحى وتصور بعض ممن يعملون فى حقل التنمية البشرية أن التمسك بأصل حضارتنا الأمر الذى قد يضر بالتطور الذى لابد أن يحدث للمصريين، وتصوروا فى لحظة، أننا من المفترض أن نكون على شاكلة الأمريكان أو الأوروبيين، وهو أمر لا يمكن أن يتحقق أو أن يتم على هذا النحو من التصورات، لأن كل شعب من الشعوب لديه ظروفه التى أدت لوجوده بهذل الشكل، وعندما يحدث تأثر بشكل تجسيد فيكون المتأثر مسخا مشوها من هذا أو ذلك، لأننا أبناء التاريخ والمناخ وأبناء الجغرافيا وأبناء للصيغة الاجتماعية والاقتصادية.
■ كيف ترى الحل من وجهة نظرك؟
- أطالب بأن تكون هناك هيئة متخصصة إن لم تكن وزارة للتراث وتحديدا للتراث الشعبي، لأن الشعبى يعنى الجماعة والمجموع، وأتصور أن يكون بداخل هذه الهيئة الكبرى أو الوزارة تخصص فى البحث فى آليات التغيير لنرى إلى أى وجهة نتحرك، ومؤسسة معنية بعمليات الجمع الشامل فى كل المجتمعات المصرية، والذى يرصد الواقع وكيف تحول بعد فترة لإيجاد الحلول، خاصة أن المتناثرات الموجودة التى تعمل بدراسة التراث الشعبى تعمل بشكل سلبى فتعيد دراسة ما تم دراسته فتكون المحصلة النهائية بغير ما نريد تحقيقه، فلابد أن تكون هناك تخصصات فى قراءة النص الشعبي، تخصص فى الرصد الميداني، وتخصص فى قراءة التغييرات مع فعل الزمن، والانتشار فى عمق المكان.