الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

إبراهيم فرغلى: الكتابة مغامرة أخوضها وأطلق لذاتى الحرية دون وضع حدود

إبراهيم فرغلى: الكتابة مغامرة أخوضها وأطلق لذاتى الحرية دون وضع حدود
إبراهيم فرغلى: الكتابة مغامرة أخوضها وأطلق لذاتى الحرية دون وضع حدود




حوار - سوزى شكرى
يخشى على النص من الرقيب الذى أعطى لنفسه صلاحية تكميم الأفواه، وظيفته منع وصول المعرفة للقارئ، إلى أن أصبحت حرية التعبير الذى يكفلها الدستور ينتظرها «رقيب بائس فكريا» - على حد قوله-، رقيب يمنع النصوص من النشر وقد تصل عقوبة الإبداع لديه إلى حرقها، تلك هى مخاوفه، عن الصراع القائم والمستمر بين النص والرقيب، والتى حولها إلى عمل أدبى بصيغ جديدة متمردا على الأفكار التقليدية، إنه الروائى إبراهيم فرغلى وأحداث روايته الجديدة «معبد أنامل الحرير».
حول الرواية وعن الرقيب ودوره، الخطاب الديني، عالم الفتاوى ودعاة الفضائيات وعدة قضايا تحاورنا معه.. فإلى نص الحوار.
■ من أين تأتى بأفكار أعمالك الأدبية، وهل هى نتاج أحداث واقعية أم أنها من نسج الخيال أم مزيج بينهما؟
- لا أكتب بخطة مسبقة، الكتابة عندى مغامرة أخوضها وأطلق الحرية الكاملة لذاتى بدون حدود فى السرد ولا ممنوعات، لذلك اشعر ان الرواية اختارتنى وأطلعتنى على أسرارها، انتظر الفكرة غير التقليدية، قد يكون مشهدًا بسيطًا فى الواقع هو الملهم للفكرة ويبدأ هذا المشهد فى التحول والتغير والتوغل بين شخصيات عالمى الخاص.
 فمثلا فى رواية «كهف الفراشات» شغلتنى قصة شاب فشل فى علاقة حب وقام برحلة إلى شرم الشيخ حتى يشفى نفسه من الألم والأوجاع، ولكن الواقعية وحدها لا تنتج عملا أدبيا مميزا ولا يجب أن يقتصر الأدب على تسجيل ووصف الواقع، لذلك فمشروعى الروائى هو خلق عالم مواز للواقع بمزج خيالي، مكان غير معروف وكائنات غير محددة الهوية وهذا ما فعلته فى «كهف الفراشات» تبادل الواقع مع الخيالى على إلا ينفصلا وكأنهم كيان واحد، فهذا دور النص الأدبى أن يضيف على الحدث أحداث، وأيضا فى عملى «ابتسامات القديسين» كان لقصة حب بين مسلم ومسيحية، وهو طرح لفكرة غير مطروحة حتى للجدل ومنطقة يصعب التقرب منها وقد يراها البعض محرمة.
■  فى روايتك الجديدة «معبد أنامل الحرير» كشفت عن الصراع قائم بين النص والرقيب، حدثنا عن معالجتك لتلك القضية؟   
- روايتى «معبد أنامل الحرير» هى قصة كلمات نص يبحث عن صاحبه الذى تركه على متن زورق فى البحر وفر هارباً من قمع الرقيب، النص يسرد السيرة الذاتية للمؤلف الهارب، النص المتروك يحكى عن كل من قرأ النص أو تداوله، ويسردها ومواجهة بين أفكار الغرب والشرق، ويظل النص هاربا يقاوم كل الضغوط إيمانا منه بأهمية وصول المعرفة، وهذا هو الهاجس الذى يشغلنى فى كتابتى قضية المعرفة.
نجد فى الرواية مجموعة من الناسخين هربوا من «مدينه الظلام» التى سيطر عليها «المتكتم» وهو رئيس الرقابة وصاحب سلطة يحرق الكتب ويمنع الفنون والغناء والسينما، وجعل من تلك المدينة مدينة ظلامية لا روح فيها ولا حياة، ويقرر مجموعه الناسخين الهاربين أن  يتوجهوا إلى العالم السرى تحت الأرض فى الأنفاق ليعيدوا نسخ المعرفة، وهذا هو عمل الناسخين بإعادة إنتاج المعرفة التى تم حرقها،  وإحدى الناسخات اسمها «آنامل الحرير» ويرصد بطل الرواية وهو أحد الرقباء التائبين، طبيعة ما يدور فى مدينة الأنفاق.
 هؤلاء الهاربين هم باحثون عن المتعة والفنانون والفتيات المتحررات والأدباء، ومعهم أيضا الناسخات التى قررن كتابة النص على أجسادهن للتصدى للقمع والقهر والمقاومة، والمفاجأة تحدث فى الفصل الأخير بعد أن سمع شخص مغامر عن النص الهارب الباحث عن كاتبه،حتى تمكن من الوصول إلي، وسمع إلحاحا من النص يطلب بنشره، لتكون تلك هى يد الإنقاذ الأخيرة التى يمكنها أن تصل بالنص إلى النجاة.
■  هل روايتك تنقل حاله تخوفك على حرية الفكر فى عالمنا اليوم؟
-فكرة الرقابة بدأتها فى روايتى السابقة (أبناء الجبلاوى) وكانت تدور حول اختفاء روايات نجيب محفوظ بأوامر من الرقابة، كتبتها قبل الثورة وكان لدى شعور أنه سوف يأتى يوم وتختفى أعمال نجيب محفوظ، وهذا ما حدث بالفعل حين طالب احد أفراد الجماعة بمنع أعمال نجيب محفوظ واتهموه بالكفر، وهذا ما أخشاه دائما على الأدب، عن وجود رقيب على الفكر صراع دائم بين المثقف والرقيب على مدى العصور والى اليوم يوجد من يهاجم الأدباء ويقف ضد الحريات كل المجتمعات العربية مصابة بالهلع من الرقيب منذ فترة حسنى مبارك وما قبلها وما بعدها فترة الإخوان، الرقابة هى البطل هى السبب الرئيسى فى التخلف والجهل والتراجع الذى وصلنا إليه.
■ تقول أن «الرقيب شخص بائس» فى رأيك من أين يأتى الرقيب بمعاييره للرفض العمل ومنعه أو تكفيره أو قبوله؟
- الرقيب شخص مسكين ومن يسمح لنفسه بقبول وظيفة «رقيب» بائس فكرياً ومتحجر وغارق فى أفكار تخصه ويعطى لنفسه سلطة وهمية بأنه صاحب المعرفة الوحيد ولديه المعرفة الكاملة وهو من أسندت له البشرية سلطة الحفاظ على القيم والأخلاق، لا كهنوت فى المعرفة حتى المعرفة الدينية،الممنوع والممسوح هى أقوال من صنع أنظمة سياسية، الرقابة مهزلة هم مجموعة أعضاء مختلفين فى الفكر والعقيدة فكيف سيتفقون على رأى! بالتأكيد يجاملون بعضهم لحسابات أخرى وهذا نفاق اجتماعى مغلف بادعاءات كاذبة.
مع الأسف من وضع هذه الوظيفية الحكومات فى فترة عبد الناصر وأعطى صلاحيات لمؤسسة الأزهر 1960 جزء من الرقابة على المثقفين وبالتالى منح الرقيب شرعية بالقانون رغم ان ذلك يتعارض ويتناقض ومخالف للدستور، نص الدستور على أن حرية الفكر والتعبير مكفولة للجميع فكيف تمنح حرية وتربطها برقيب، كلها أمور متناقضة ومضحكة، فكم من رقيب اجتزأ أجزاء من سياق النصوص حتى يجد مبررا للرفض والمنع، الرقيب منصب ضد التغير وضد المعرفة.
■ الدولة تدعو لتجديد الخطاب الديني، ما رأيك؟
- لايوجد ما يسمى تجديد الخطاب الدينى، فهو مصطلح غامض،  لكنها جملة مهذبة سياسية ودبلوماسية، التجديد يعنى نزع القداسة عن المسلمات والثوابت لكن يجب رفع سقف الجملة  إلى الإصلاح فيما يطرح وفيما يقدم، ولماذا يقتصر هذا الإصلاح على الخطاب الدينى الإسلامى فقط من الممكن أن يعمم على كل العقائد، وان نظرنا إلى كل المجتمعات المشغولة بتفسيرات وتأويلات الدين نجد إن لم يتقدم ولم يتطور مجتمع ديني، المجتمعات المتحضرة هى مجتمعات علمانية، الدين مسألة روحية وخاصة جدا وعلاقة بين الفرد وربه وليس علاقة بين الفرد والدولة.
■ هل توافقنى الرأى بأننا نعيش فى زمن الاعتراف بالفتاوى؟
- ظهور مهنة الداعية والمتربحين من الفتاوى، هؤلاء يفسرون بحسب الأهواء وجعلوا أجزاء من النصوص مرجعية لهم. أتذكر حين كنت صحفيا بروزاليوسف عام 1992 توجهت لإجراء تحقيق صحفى عن أصحاب الفتاوى هؤلاء فذهبت إلى لجنة الفتوى بالأزهر وتابعت شخصا جاء لأخذ رأى الأزهر فى أمر ما فلم تعجبه الفتوى لأنها ضد ما يريد، فذهب وسأل مفتى آخر فوجد فى الآخر ما يحلل له قضيته ويعطى له السماح باستكمال أفعاله! ومن هنا تحولت الأزهر من مؤسسة دينية روحانية إلى مؤسسة سياسية، واكبر دليل على وجود هذا التحول فى دور الأزهر هو وجود «لجنه فتوى رقابيه» جعلت من الدين مساحات لإفساد الحريات، أدخلونا فى عالم الفتوى واليوم هم نجوم الفضائيات واقنعوا الناس أن سلوكهم كله دينى صحيح.
■ ذكرت أن الثوار توقفوا عند مرحلة الاحتجاج، ماذا تقصد؟
- الثوار وقفوا عند مرحله الاحتجاج وعدم الالتفات إلى مرحله البناء وهذا الاحتجاج مستعار من أمريكا أثناء مظاهرات «وول استريت»، إنما البناء يحتاج إلى جهد وعمل، ولأننا يجب بعد مرور كل هذه السنوات أن نقول أن الثورة قامت بتوجيه خارجى بمؤامرة على كل الدول العربية  وساعد على قيام  الثورة احتقان الشعب المصرى  من الفساد النظام، استغلوا غضب الشعب المصرى وانه حان الوقت للثورة والتغير، اليوم ننظر إلى سوريا وليبيا والعراق واليمن كلها مخططات لابد من مراجعة أوراقنا وتقيمها لنرى حقائق،.بالإضافة للترويج لفكرة الديمقراطية التى لا تخص الشرق الأوسط لكنها تخص الغرب .
■ ماذا تقصد بأن «الديمقراطية»  تخص الغرب ولا تنطبق على الشعوب العربية ؟
- ما يحدث حولنا يجعلنا نراجع فكرة الديمقراطية لأنها فى الأصل وصفة جاهزة للإصلاح، لكن الغرب دفعوا ثمنها سنوات من الحروب والدماء وابتعدوا وفصلوا بين الدين والدولة، الديمقراطية لا تخص الشعوب العربية  ليس لنا تجارب سابقه، يريدون تطبيقها على دول الشرق الأوسط واعتبرها جزء من المؤامرة على  العقل العربى  ولا أظن أن الغرب بريء من تصدير منتج «الديمقراطية»، الشرق الأوسط محكوم بأفكار دينية وموروث مجتمعات طائفية، نحتاج لإصلاح دينى ولنزع القدسية على المسلمات ونطرح كل الأسئلة بحرية وهذا يحتاج زمن فوق الزمن .
■ هل فقدنا وجود «النموذج» الذى يكون له تلاميذ يتبنون أفكاره؟
- وجود قصور فى أدوات النخبة سبب فى توغل الأفكار المتطرفة، ولا اقصد وجود أستاذ بمعنى «السمع والطاعة» إنما لتعديل المسار الفكرى من واقع خبرته، نجيب محفوظ العقاد طه حسين هؤلاء إلى اليوم أساتذة لأجيال حاضرة وقادمة أيضا.