الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

توفيق الحكيم .. الموسوعى الذى رسخ عودة الوعى فى الثقافة المصرية




تمر هذه الأيام ذكرى مرور ربع قرن على رحيل مفكر ومبدع مصرى من طراز رفيع، هو توفيق الحكيم (1898 – 1987) الذى يعد ظاهرة فريدة فى الأدب المصرى الحديث، ككاتب موسوعي، حيث كتب المسرحية، والرواية، والقصص السياسية، والمقالات الحوارية، والقصص الفلسفية، والحوارات الفكرية، والنثر الفني، والسيرة الذاتية.
 
وهو الوحيد من بين أبناء جيله الذى استمر فى الكتابة حتى رحيله، كما كان رائدا فى كتابة العديد من الاشكال الفنية التى استقرت فى الوجدان العام والتراث الادبى معا. ويرى الدكتور غالى شكرى أن الحكيم كان مجربا أولا وقبل كل شيء، فحصاده أقرب لأن يكون مجموعة تجارب لم يضع لها نقطة الخاتمة بعد . اما نقطة البداية فظلت دوما هى تجديد الحياة بتجديد عصارتها الفكرية والجمالية، فالجمود عنده يرادف الموت.
كان الحكيم مؤمنا بالديمقراطية بكل معانيها، وكانت الحرية لديه لا تتجزأ، وإلا كانت قناعا براقا لوجه قبيح، وإلا كانت لعبة ساسية للتخدير الاجتماعي.
 
ومن هنا فهو يخلف مع المضمون البرجوازى للديمقراطية، حيث تصبح الليبرالية لافتة براقة تخفى جريمة النهب الرأسمالى المنظم .انه ضد الفاشية الجديدة أيا كانت الشعارات التى ترفعها، وهو أيضا ضد الديكتاتورية باسم العدل الاجتماعي، لأنه يعلم مقدما ان للديمقراطية عيوبا لا علاج لها الا بمزيد من الديمقراطية واذا تناقض العدل مع الديمقراطية فالعيب ليس فيهما وإنما فى الفهم الناقص لمعنى العدل ومعنى الديمقراطية.
 
وكان الحكيم من رواد النهضة المصرية التى انطلقت بعد قيام ثورة 1919 فكتب: «عودة الروح»، و«أهل الكهف»، و»يوميات نائب فى الأرياف»، و»الرباط المقدس» فى ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، ليؤكد على معانى النهضة والتقدم والحضارة، فكتب عن الفلاح فى «يوميات نائب فى الأرياف»، وتناول قضية الجنس فى «الرباط المقدس»، ويمكن القول أن ثورة يوليو حققت بعض أحلامه، مثل الإصلاح الزراعي، والتصنيع، وجلاء الإنجليز عن مصر، والتنمية الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية، وكلها أحلام الطبقة الوسطى منذ ثورة 1919.
 
وفى الوقت الذى تصادمت فيه ثورة يوليو مع معظم الفصائل والتيارات السياسية، وكانت تحسم هذه الخلافات بالسجن والاعتقال، ظل الحكيم شجاعا، عندما أعلن فى مسرحيته «السلطان الحائر» أن حيرة السلطان يجب أن تتوقف باتخاذ جانب القانون وترك آلة البطش، وكان النظام الناصرى من الشجاعة حيث وافقت الرقابة على نشر المسرحية ووافق المسرح على عرضها.
 
وقبل وقوع نكسة يونيو بعام نشر الحكيم روايته «بنك القلق» فى جريدة «الأهرام» وانتقد فيها أجهزة الأمن بشكل مباشر، وحذر القيادة السياسية من أن غياب حرية المواطن يقود حتما إلى فقدان حرية الوطن، ففى عام 1957 كتب رشدى صالح عدة مقالات فى جريدة «الجمهورية» يهاجم فيها الحكيم، فأصدر عبد الناصر أوامره بوقف الحملة، وأشار إلى إعجابه وتأثره برواية «عودة الروح»، ومنحه أرفع وسام فى الدولة، وأصبح الحكيم فى العهد الناصرى بمثابة مؤسسة مقدسة، يحرم نقدها أو المساس بها.
 
وعن حكاية زواجه يقول الحكيم: تم بالصدفة عن طريق صديق اسمه فهيم بيومى رأيته ذات يوم فى الطريق الى سينما مترو وفى ذراعه سيدة فى الثلاثين من العمر فحسبته قد تزوج، فابلغنى أنها أخته وأنها مطلقة وأم لبنتين وفاتحته فى زواج اخته وتم الزواج فى 6 يونيو 1946 ولم تسمع منى زوجتى ابدا كلمة حب وكنت تعرف ذلك وكان هذا هو الشيء الوحيد الذى أسخطنى على هذا الزواج وكنت أشكو إلى ربى قائلا: لماذا يا ربى وأنا الذى أكتب عن الحب تجعلنى اتزوج من غير حب إلى أن قرأت الآية الكريمة (وجعل بينكم مودة ورحمة)، ولم يقل وجعل بينكم حبا وهياما لأن الحب والهيام زائل، والباقى هو المودة والرحمة.
 
ويرى الشاعر صلاح عبد الصبور أن توفيق الحكيم هو الأديب المصرى الوحيد الذى استطاع أن يقيم فى نفسه التوازن بين الشرق والغرب، فطه حسين مثلا ظل إلى فترة طويلة يدعو الى اعتبار مصر جزءا من البحر المتوسط، وإلى تدريس اليونانية واللاتينية بالمدارس، لكن الحكيم، الذى ولد لأم تركية واب مصرى فلاح، استطاع أن يخلق لنفسه دائرة خاصة به، هى الدائرة التى تتجلى له كطفل التى تعوضه عما فقده من عدم اتصاله بالمجتمع.
 
وقد أرسله والده لدراسة الحقوق فى باريس فاتجه إلى دراسة الفنون، ومزج بين عصارة الادب والفن فى مصر باريس بمعناها الواسع.
 
وعندما فاز نجيب محفوظ بجائزة نوبل عام 1988 سئل أى الكتاب المصريين يستحقها فأجاب بلا تردد: توفيق الحكيم.