الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«وسط البلد» فقدت بريقها بعد ثورة «25 يناير»




تتميز منطقة «وسط البلد» بالقاهرة بمقاهيها التاريخية التى كانت طوال تاريخها شاهدة على الأحداث التى غيرت فى الحالة المصرية، وآخرها أحداث ثورة «25يناير»... المتجول بوسط البلد يستطيع أن يرى المصريين جميعا بكل أطيافهم، خاصة لو كان من رواد مقاهيها ... حيث يجلس المثقفون والأدباء والمصورون الفوتوغرافيون والمسرحيون والسينيمائيون والصحفيون والإعلاميون، يتجاذبون أطراف الحديث .. ويبدعون ... وسط أصوات الجالسين ورشفات الشاى .. وأصوات طرقعات «الطاولة» و«الدومينو» فى جو يغلفه دخان الشيشة .. فما بين «الحميدية» و«الندوة الثقافية» و«البورصة» و«التكعيبة» و«زهرة البستان» أمتارا قليلة والجميع يعرفون بعضهم البعض سواء كانوا أصدقاء أو يتعارفون بالشبه!
 

 
بعد انسحاب الثوار من ميدان التحرير وفض اعتصامهم لم ينسحب الباعة الجائلون ولم تعد شوارع وسط البلد كما هى خالية من إشغالات الطريق لباعة الملابس الذين اتخذوا من الطريق العام مكانا لعرض بضاعتهم، ولم يرحل بعض البلطجية الصغار الذين «يثبتون» المارة لأخذ المال أو أى شىء ثمين .. «روزاليوسف» تجولت بين عدد من مقاهى ووسط البلد، لتسأل أصحابها عن تبدل الحال بعد الثورة .. وأكد معظم أصحاب المقاهى أن رواد المقاهى كما هم لم يتغيروا إلا بنسبة قليلة ربما لا تتعدى الـ5%، لكن لازال هناك قليلاً من القلق من البلطجية، إنما الحالة آخذة فى العودة إلى طبيعتها تدريجيا.
 
فى الطريق إلى وسط البلد تحدث سائق التاكسى عن الوسط البلد وكأنها ذكرى بعيدة .. متسائلا عن اختفاء اللون الأخضر من الميدان، وسبب تناثر بعض الخيم حتى الآن؟ .. لكنه سعيد جدا بعودة الشرطة ورجال المرور للميدان، لأنه كان يعانى من ازدحام الميدان الشديد معظم الوقت، «و كان كله بيزنق على بعضه وفى الآخر ماحدش بيمشى يا أستاذة».
 
على «زهرة البستان» عادة ما يجلس الفنان التشكيلى عمر الفيومى الذى يعيش بوسط البلد منذ طفولته وقت أن كان يرافق والده للمحل بشارع طلعت حرب ويراقب الناس تلف وتدور بين الفتارين للفرجة، لتصبح وسط البلد ملهمته بكافة الأشكال وعبر عنها بالعديد من لوحاته فى أوقات مختلفة من اليوم، لكن الفيومى اليوم يفكر جديا فى الهجرة المؤقتة من القاهرة لحين ما يتعدل الحال .. يصف الفيومى الحالة الآن قائلا: وسط البلد أصبحت كارثة إنسانية الآن -إذا صح التعبير- فلقد تحولت لمنطقة عشوائية!! فأذكر منذ كنت طفلا كنت أرافق أبى إلى محلنا بشارع طلعت حرب وأرى الناس وهى تلف وتدور بين «فتارين محلات» وسط البلد فى منتهى الرقى والجمال وحتى وقت قريب .. اليوم تبدل هؤلاء وأصبحوا أشخاصا غريبة .. وجوها لانعرفها ولا تنتمى لوسط البلد!!
 
ولما سألته إذا كانت وسط البلد لم تعد الملهم بالنسبة له أجاب على الفور: بالتأكيد .. فإذا سكبت ألوانا بشكل عشوائى على سطح اللوحة محدثا بقعا لونية لا معنى لها .. أعتقد أن الناتج وقتها سيكون أفضل تعبيرا عن حال وسط البلد الآن، وربما حال البلد ككل.
 
وشكك الفيومى فى حسن نوايا الحكومة فى إعادة وسط البلد كما كانت من قبل، لأنه حتى الآن لايوجد أى مؤشر لذلك، مشيرا إلى خوفه من عدم السيطرة على هذا الزحف العشوائى فيما بعد، وأردف: حتى رجال المرور رغم وجودهم النادر بالشارع يتحركون وكأنهم سائحون بالمنطقة دون اهتمام لأى شىء!!
 
من أكثر رواد مقهى «الحميدية» انتظاما حيث تتواجد بشكل أسبوعي، الروائية نهى محمود التى لم تحدد بعد هل تبدلت الصورة بوسط البلد أم لا؟! لكنها تميل إلى الفريق الذى يرى تغييرا فى الحال، وتدلل على إحساسها قائلة: المثقفون لازالوا كما هم يجلسون ويُنَظّرون للعالم، ولكن ما زاد هو الإحباط العام وحالة اللامبالاة والصمت، فلقد اختفت الألوان من وسط البلد لتصبح رمادية باهتة!.
 
وأكملت: أرى أن المثقفين فى حالة من الترقب الذى يسبق العاصفة، فهم من المفترض أنهم قادة الرأى ولهم أهدافهم واتجاهاتهم المحددة، ورغم تحمسى للوقفة الاحتجاجية التى تمت يوم الخميس الماضي، أشعر أنها ليس لها قوة ضاغطة تماما كما كان الحال فى ظل النظام البائد فمابالنا بنظام مرتبك وغير واضح الملامح؟!!
 
أما الكاتب محمد كمال حسن، الذى سجل فى كتابه «قهوة المصريين» بالمشاركة مع الكاتب مصطفى الحسينى حكايات من مقاه عديدة فى القاهرة كلها وبالأخص مقاهى وسط البلد، فيقول عن المنطقة: وسط البلد لها قدر تاريخى وجغرافى وفنى وثقافى وسياسى والمقاهى عامة تمثل المجتمع العالمى غير الرسمي، بالتالى كانت شاهد عيان على أحداث الثورة وهى فى نفس الوقت تمثل قطاعا كبيرا من المجتمع يمثل كل أحلامه .. فكل أطياف المجتمع نقابلهم جالسين جنبا إلى جنب على القهوة .. لهذا نستطيع أن نقرأ حالة المجتمع الذى أصبح واجما ومندهشا وغير مستوعب لحالة الانفلات الأمنى والطفولة والانتهازية السياسية .. مع ذلك يؤكد حسن أنها مرحلة بلاشك ستمر لتأتى بمجتمع مختلف فى رؤيته للمستقبل ونفسه وطموحاته وطرحه لمشكلاته وحلها لكنه لا يدرى بعد هل سنكون مجتمعًا أسوأ أم أفضل !!!..فإن ذلك سيتضح بعد سنوات من الدراسة والتحليل.