الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

أحمد سراج: هيكلة قطاعات وزارة الثقافة بقواعد حاكمة أمر ضرورى

أحمد سراج: هيكلة قطاعات وزارة الثقافة بقواعد حاكمة أمر ضرورى
أحمد سراج: هيكلة قطاعات وزارة الثقافة بقواعد حاكمة أمر ضرورى




كتبت- رانيا هلال
لم ينفصل المثقف الحقيقى يوما عن واقع بلده فى شتى المجالات وهو يعبر عنها بكل جوارحه طالما لا تزال لديه فرصة للحياة، نجدها فى أشكال عدة من ألوان الأدب ولكن عندما يتضخم هذا الهم لديه نجده يأخذ على عاتقه مهمة التوجيه والنقد بهدف الإصلاح طوال الوقت، ولا مانع لديه إن وجد فرصة للإصلاح بنفسه ومن هؤلاء المثقفين الجادين نجد الشاعر المسرحى والروائى أحمد سراج كنموذج للمثقف المهموم بوضع مصر ثقافيا والدءوب على نقد كل ما يمكن أن يصبح أفضل حالا ومع هذا فلا نجده قد توقف عن الإبداع ليتفرغ لمعاركه الثقافية قط بل هو مبدع غيور على إبداعه كما يثابر على تحسين الخدمات الثقافية فى بلده. معه كان لنا هذا الحوار لنتعرف معا عليه ونشاركه بعض من هموم هذا الوطن.
■ فى روايتك الوحيدة «تلك القرى» أشرت فى أكثر من موضع سردى إلى الجراح الإنسانية العميقة التى أصابت الريف المصرى فصف لنا رؤيتك؟
- لا علاقة لى الآن بتلك القرى فهى ملك لقارئها.. أما الريف المصرى فهو يتجه إلى الكارثة، العشوائية فى البناء وتآكل الأرض الزراعية وغض الحكومة الطرف عن التعديات المستمرة على الشوارع، فى قريتى أخذ الناس من الشارع الرئيسى وضموه إلى بيوتهم، والجهات المعنية لا تفعل شيئًا، ولا يعود على الشاكى إلا لوم الجميع. الريف المصرى يتجه إلى صورة مشوهة من الأفلام.. فعشوائيات القاهرة ليست بهذه الفجاجة التى تعرضها الأفلام والمسلسلات فيما يستقى الريف من القنوات الفضائية مباشرة، الريف المصرى فقد إنتاجيته وتحول إلى مستهلك، الريف المصرى مع تخلى الدولة عن مشروعاتها العملاقة فى الإصلاح الزراعى وغيره صار مشوهًا إلى أبعد الحدود، وبيئة مالية لنمو التطرف خصوصًا مع تراجع دور الحكومة وتدنى مستوى خدماتها الاقتصادية والفكرية.
أطمح فى كتابة خماسية تلك القرى، لتبين ما جرى وما يجرى لأولئك البسطاء الذين يدفعون ثمن جرائم لم يرتكبوها أو أجبروا عليها.
■ لوحت لنا باللون الأزرق فى العديد من الإشارات خلال الرواية فكان لون الحياة ولون سيارات الترحيلات وملفات التحقيقات فى القضايا بين مصر والعراق وكذلك علم إسرائيل فما دلالته التى أردت إبرازها؟
- عدونا الأكبر بعد أنفسنا هو إسرائيل.. هذا الكيان المحتل الذى يمثل صفعة على وجه كل عربى.. وليس اللون الأزرق إلا إشارة إلى أن كل ما يجرى لنا من مصائب مرده إلى أننا لم نفهم أنفسنا ولم نواجه عدونا فصار يلتف حول رقابنا كالمشنقة، مشنقة زرقاء، حياة زرقاء، عربة ترحيلات زرقاء، يريد الصهاينة أن يلتهموا العرب من النيل إلى الفرات، ونحن نغض الطرف عنهم ونعاملهم كحلفاء، ما دام الأمر قد اختلط علينا فلم نعرف أنفسنا ولم نعرف عدونا الذى يعرف نفسه ويعرف أننا أعداؤه فللهاوية نسير.
■ ناقشت الرواية الصراع الدائر بين الإنسان وذاته من جهة والإنسان والمكان من جهة أخرى وأخيرا الإنسان والزمن فكيف أوضحت هذا من خلال التركيز على مسرح الأحداث الواقع بين مصر والعراق؟
- حاولت أن أرصد ثلاثة أزمنة ومكانين، مصر والعراق، قبل الهجرة وفى أثنائها وزمن العودة، لم تكن الرواية رواية مكان بقدر ما كانت رواية تراقب التغيرات وعوامل الضعف، هى رواية بسطاء ينتقلون لبلاد الله سعيا وراء اللقمة والستر فقط لكن العالم المتوحش لا يسمح لهم، وهم يفرون من يوم إلى يوم، وحكامهم غائبون وجنرالاتهم لا يموتون لأنهم لا يدخلون المعارك، وإن ماتوا من أكبر منهم شاء ذلك، وإن سقط الحكام من يدعمهم رأى أنهم صاروا خطرا عليه، هكذا إذن يدفع البسطاء منذ عُمد الفيضانات وحتى زعماء العالم الحديث الثمن.
■ كيف ترى أداء الجهات الثقافية الرسمية كالمجلس الأعلى للثقافة والهيئة العامة للكتاب وغيرهما؟
- نريد مواجهة للإرهاب، نريد بناء حقيقيًّا، إذن أعطونا رسالة ورؤية وأهدافًا، أعطونا قوانين لا تعرف الأسماء، يتحول كل من يشغل المكان إلى مجتهد ينفذ مهامه، إلى مبدع قدر استطاعته، غير هذا فالحال كما نرى فى تراجع مستمر. إضافة إلى غياب الرؤية تحول المناصب إلى ما يشبه أعطيات شراء الولاء، وهنا يشعر المسئول أنه فوق المساءلة، فيتغاضى عن مهامه، ويحيل مكانه إلى عزبة يظنها خارج السياق، ذلك ما يجب أن يتوقف، لا بد من إعادة هيكلة قطاعات الوزارة بقواعد حاكمة واضحة، فالمسافة بين المجلس الأعلى والمركز القومى وصندوق التنمية المصرية عشرات الأمتار، مع ذلك فالرواتب والمكافآت تشعرك أنها آلاف الكيلومترات، وحين تقارنها برواتب قصور الثقافة تكتشف أن هذه الأماكن أشبه بالكواكب الشقيقة.
لماذا لا يكون من مهام كل رئيس جديد عمل جرد قانونى وإعطاء نتيجته للرأى العام، للوزارة، للجهات المختصة؟ نحن بحاجة إلى تفعيل القوانين المتراكمة.
عانت قطاعات الثقافة من الإفساد وإهدار العام، وها نحن نحاول البدء من جديد، لكن البداية الجديدة تعنى القانون، تعنى الشفافية، تعنى وجود وصف وظيفى لكل فرد فى موقعه.
■ بصفتك متابعا للدوريات الثقافية هل وجود هذه الدوريات يحدث فارقًا يشعر به القارئ العادى ورجل الشارع؟
- كانت الدوريات الحصان الرابح قبل استواء الإنترنت على عرشه، يبدو أنه من المناسب الآن قول هذا: لقد أخطأنا حين افترضنا عداء بين الرقمى والمطبوع، وسنخطئ إن اكتفينا بأن النشر الإلكترونى خادم جيد للنشر الورقى فقط، فللنشر الإلكترونى ميزات علينا أن نسرع تجاهها.
لنفكر أيضًا على هذا النحو، مع تسارع تدفق المعلومات من سينتظر شهرًا ليعرف أو ليحلل أو ليحقق؟ مع وجود القدرة على تحقيق مصور بالفيديو من واقع الحدث من سينتظر ما تقدمه الصحيفة.
لا تزال بعض الدوريات إلى حد بعيد على عرشها بفضل مادتها بالطبع لكن بفضل ما تقدمه من هدايا وخدمات إضافية، وبفضل وجود أجيال تعودت على هذا النمط من القراءة، لكن.. وقد أكون مخطئًا، حان الوقت لندخل إلى فضاء المحتوى الإلكترونى فلم يعد من المجدى الاكتفاء بالمادة المكتوبة بل صارت الإمكانيات التى تتيحها التطبيقات للمستخدم تجذبه.
■ صدر لك أكثر من عمل على مدار عشر سنوات تقريبا فما رأيك فى حركة النشر وهل ولا يزال الكاتب يواجه صعوبة فى النشر؟
- كان النشر محدودًا وتلك مشكلة، فصار النشر بلا حدود وتلك معضلة، لا يستطيع المرء ملاحقة العناوين التى تصدر كل يوم، وصار الرهان على أن البقاء للأفضل مرهونا بتوافر مقومات غير الجودة تسمح للنص جيد المحتوى أن يصل إلى القارئ.
فى الخارج هناك صناعة نشر، يحصل المؤلف على جزء من نسبته قبل الشروع فى الكتابة وعلى بقية نسبته عند توقيعه بالموافقة على الطبع، لدينا المؤلف يدفع أو يدخل فى طابور كبير إن كان بلا واسطة، وعندما يصدر عمله يتعامل معه الناشر الحكومى باعتباره رقمًا يضاف ويتعامل معه الناشر الخاص على أنه عبء.
لقد اطلعت على قواعد ممارسة النشر وهو كتيب أصدره اتحاد الناشرين، وهالنى أنه مهتم فقط بتحديد العلاقة بين الناشر والمؤلف، فلم يتطرق مطلقًا إلى هيكل دار النشر كى يتم إدخالها فى اتحاد الناشرين، ولا فى علاقات النشر بالتسويق والتوزيع، الرؤية الكلية غائبة، لا أفهم وجزء من صناعة النشر بيع.. كيف يتصور الناشر نفسه وقد اكتفى بما أخذه من المؤلف أو بما وزعه من طلبيات للمكتبات العامة وبما يشترك فيه من معارض. يحتاج الأمر إلى وعى ووطنية، وعى لترتقى كل دار نشر فتصبح مثل دور النشر فى الدول المتقدمة، ووطنية لأن حالة الفوضى هذه ستأتى بظواهر سلبية تؤثر فى ثقافة القراء وهويتهم.
■ بالنظر إلى وضع المسرح حاليا ما أسباب وصوله إلى ما وصل إليه من انصراف الجميع عنه؟
- مصر دولة يتم عن عمد تفريغها من فنونها وآدابها، يتم تجريفها باستمرار واضطراد.. أين علماء مفاعل أنشاص وأين فرسان مسرح الستينيات؟ الذى لا يتطور يُدفن قبل موته، فما بالك بحرب ممنهجة؟ وما بالك بأجيال ممن يعملون فى المسرح ينظرون له على أنه «سبوبة وأكل عيش»، غابت الأكاديميات عن دعم النصوص العربية خصوصًا الحديثة، لا يستمر العرض المسرحى إلا ليال إن لم تكن ليلة، ثم يتبخر.
الحل فى الدخول إلى عالم الصناعات الثقافية بالمبدأ الذى جعل 25% من دخل الصين يأتى منها، وجعل نسبتها فى الاقتصاد العالمى لا تقل عن 20%، نحن بحاجة إلى رؤية صادقة مبنية على فهم تجارب العالم.. لم يعد هناك آخر، لم يعد هناك حاجز.
الحل أن تعمل مسارح الدولة العامة ومسارح قصور الثقافة.. الفن لا يدخل فى أزمة بل نحن من نسقط فيها.
لماذا لا تفرض الأكاديميات على طلابها تقديم كل مجموعة عرضًا سنويا بنصوص حديثة يقدم فى مسارح كل الكليات؟ أين المسرح المدرسى؟ ولماذا لا يزور تلاميذ المدارس كل يوم مسرح مديريتهم أو إدارتهم؟
المشكلة أننا نعيش فى الشبه.. شبه الثقافة.. شبه النشر.. شبه المسرح.. شبه النخبة.. والأشباه أشباحٌ بلا ظل ولا مستقبل.
■ وماذا يمكن فى رأيك أن يعيد للمسرح بهاءه ويعيد المتفرج والقارئ لمتابعته؟
- بإيجاز الرؤية بما يستبعها من تخطيط متقن وتنفيذ محكم، العمل كما يعمل المتقدمون فى هذه المجالات، لا شيء اسمه النجم مؤلفًا أو ممثلا أو مخرجًا.. النجم هو العمل.
■ ماذا عن أعمالك القادمة وهل ستكرر تجربة الرواية أم ستعود إلى موطنك الأول حيث المسرح؟
- أنا شاعر ولى ديوان مطبوع «الحكم للميدان» والثانى «غرب الحب الميت» ينتظر أن أدخله حركة النشر والثالث «شهود» يكتب على مهل، ومسرحيتى «رسالة إلى السجين.. يارا سلام» ترجمت للإنجليزية والإسبانية والتشيكية ويجرى ترجمتها للفرنسية والألمانية والصينية.. لتطبع فى الترجمات فى كتاب واحد.. ومسرحية «السيف الأعمى» فى طور قراءة الأصدقاء والمهتمين وإبداء ملاحظاتهم.. وأجهز لكتابة رواية «دفتر أحوال».