الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

شوقى جلال: يؤرقنى انتحار الحضارات والعالم العربى فى المقدمة

شوقى جلال: يؤرقنى انتحار الحضارات والعالم العربى فى المقدمة
شوقى جلال: يؤرقنى انتحار الحضارات والعالم العربى فى المقدمة




حوار - خالد بيومى

شوقى جلال من أبرز المترجمين فى مصر والعالم العربى، حيث يؤمن بأن الترجمة إحدى آليات تمكين المجتمع، وهى اقتناص لأفضل معارف حضارة العصر، كما أنه مفكر موسوعى ومن الداعين لتدشين مجتمع المعرفة واستيعاب ثورة المعرفة كوكبيا.
وهو من مواليد عام 1931 تخرج بقسم الفلسفة بجامعة القاهرة عام 1956، ويعد كتابه «الترجمة فى العالم العربي» عمدة فى دراسات الترجمة.
ومن أشهر كتبه: بنية الثورات العلمية، تشكيل العقل الحديث، العالم بعد مائتى عام. ترجم رواية المسيح يصلب من جديد فى بداية سبعينيات القرن الماضى وأصدرت دار آفاق طبعة جديدة لها مؤخرا.. لنا حوار معه:


■ لماذا قررت ترجمة رواية «المسيح يصلب من جديد»؟
- اكتشفت قواسم مشتركة بينى وبين كزانتزاكيس منها عمق تفكيره مع الوجود سواء بمعناه الغيبى أو الفلسفى وهو نفس الإحساس الذى تولد لدى منذ طفولتى حيث جمعت بين التربية العقلانية والصوفية وتعايشت مع وحدة الوجود بفضل قراءاتى فى علم الفلك. كما أعجبتنى البوذية المسيحية وساعدنى والدى الذى كان متحرر الفكر رغم تدينه. وكزانتزاكيس يعلى من شأن الإنسان وحقه فى الحياة والعدالة ويمتلك رؤية للوجود كله فى هذه الرواية بدافع من الديانة المسيحية من زاوية النظر إلى الإنسان وقيمته ليست فى عبوديته ولكن قيمته تكمن فى مقدرته على صنع حياة إنسانية الطابع تؤكد انتمائه لهذا الوجود.
وهناك دور سياسى تبناه كزانتزاكيس وهو الدفاع عن الاشتراكية وحق الإنسان فى الحياة كما أن الدين ليس ذوبانا وضياعا لذاتية الإنسان كما أن الصلوات والمزارات ليست مقياسا لصلاح الإنسان ولكن العبرة بالفعل الاجتماعى والانخراط فى مشكلات البشر العاديين كما أن كزانتزاكيس زار مصر وخاصة دير سانت كاترين وله عبارة شهيرة «النيل لا يعود إلى الوراء» وهى دعوة إلى التقدم والنظر إلى المستقبل.
■ ما الصعوبات التى واجهتك فى ترجمة «المسيح يصلب من جديد»؟
- رواية «المسيح يصلب من جديد» نوع من القصص السيكولوجية الاجتماعية، وهى عمل فنى فذ، سطرها قلم متمكن، فيها رقة فنية، وقوة حيوية نشطة، ولمسة شعرية فى صوغها وتصويرها المرهف لآلام المسيح، وهى صورة ملحمية لصراع الإنسان على مدار التاريخ من اجل حياة أسمى.
وترجمتى لهذه الرواية حرفية، بمعنى أننى نقلت على الورق ما كان يجول بفكره إلى الذهنية العربية، كما أننى أعيش جوانية اللغة وجوانية المؤلف وليست جوانية القاموس وترجمتها عن اللغة الفرنسية، ويرى أهل اللغة اليونانية أنها أكمل ترجمة عن اليونانية.
■ هل الرواية تدعو إلى التشاؤم حيث اختتم كزانتزاكيس الرواية بقوله «لا جدوى يا يسوع»؟
هناك بالفعل مسحة من التشاؤم، فيصير الأمل سرابا، كأنما نقبض على الريح ولكنه لا يترك الإنسان يتردى فى وهدة اليأس المطبق، بل ثمة أمل على البعد، قد يكون عسيرا صعب المنال، لكنه قائم على أى حال وعلى الإنسان ان يسعى أو على قوى الخير أن تتضافر ابتغاء هزيمة قوى الشر المتمكنة.. الصليب عبء الحياة الذى يثقل كاهل الإنسان، يحمله ويرتقى الجبل الوعر سعيا وراء الخلاص، إنه صخرة سيزيف، والصلب انتصار قوى الشر، وقيام المسيح هو الأمل.. قد يكون بعيدا ودونه أهوال ولكنه قائم، وعلى المرء أن يحمل صليبه على كتفه، أن يعانى ويناضل، ولا خلاص بغير نضال، نضال الإنسان الحر المتمرد، حر إزاء نفسه وإزاء الوجود، متمرد على نفسه وعلى الوجود رغم العدم.
■ كيف تفسر ذيوع صيت كزانتزاكيس وانتشار شهرته فى أرجاء العالم حتى أن شهرته فاقت اثنين من أدباء اليونان فازا بجائزة نوبل: إليتيس وسيفيبريس؟
- كان كزانتزاكيس مناضلا سياسيا ومفكرا استطاع من خلال كتاباته أن يعيد للغة اليونانية مجدها مرة أخرى، ونشبت معركة حادة مع تركيا العثمانية كما أنه نظم الشعر الغنائى والملحمى مثل «الأوديسا» التى يحاكى فى نظمها ملحمة هوميروس شاعر اليونان القديم.. كما عنى بترجمة روائع الكلاسيكيات الأوروبية إلى اليونانية مثل «الكوميديا الإلهية» لدانتى، و«فاوست» لجيته و«هكذا تكلم زرادشت» لنيتشه. والثقافة اليونانية تضم الجانب الميتافيزيقى والعلمانى واستطاع كزانتزاكيس أن يقدم هذه الروح حتى نتقبلها وهذا درس لنا فى النضال السياسى فى مصر وهو كيف نجمع بين العقل والوجدان بحيث لا يرفضك أى إنسان ولكن يفكر معك بعقله.
■ لماذا الاتجاه إلى ترجمة الروايات بعد رحلة طويلة فى ترجمة الأعمال الفكرية والعلمية والنقد الثقافى؟
- أنا معنى أساسا بقضية حرية التعبير وتغيير الذهنية العربية من أجل استحضار المعارف والإنجازات التى تضعنا فى قلب العصر بما يؤدى إلى تجسيد قيم التنوع الخلاق التى تقوم على احترام التعدد الثقافى للعالم والهويات الخاصة للشعوب. فالحرية هى الأساس الملازم لحق القارئ فى أن يعرف كل شيء فى نظرته للوجود الاجتماعى والسياسى والواقعى والميتافيزيقى وكزانتزاكيس يحقق هذا فى أعماله ونظرته أقرب إلى الواقع المصرى والتى تمثل دعوة لمحاولة تغيير العقل المصرى والعربى.
■ لديك رؤية خاصة بمجتمع المعرفة.. حدثنا عنها؟
- يجسد مجتمع المعرفة صورة جديدة ومميزة للتنظيم الاجتماعى من حيث كيف أو نوع الإنتاج (المعرفة وهضمها وتوظيفها وسرعة التوظيف ومحتواها والمنتج منها) وكم الإنتاج ونطاق استثمار المنتج وهدفه وأصبحت الإنسانية تتعامل كوكبيا على أساس شبكى بين المشاركين ويقتضى هذا الأساس توافر الكفاءة والندية.. هذا أو إفراز وإخراج من هم دون المستوى ربما ليقنعوا بالتلقى ومن ثم بالاغتراب عن العالم أو الإقصاء والتهميش ويمثل مجتمع المعرفة بصورته هذه ثورة متسارعة فى التكنولوجيا والمعلومة والمحتوى المعرفى بفضل التغذية المتبادلة والتلاحم.. ذلك أن النظام المعلوماتى يفضى إلى تنامى تكنولوجى للتراكم المعرفى وصولا إلى مستويات أرقى فى التعقد فى معالجة المعلومات، فالتكنولوجيا والمعلومات مترابطتان فى جديلة واحدة متنامية وصاعدة.
■ تجاوزت الثمانين - بفضل الله - ما التحدى المقبل أمامك؟
- أشعر أننى كتبت كل ما أريده، والقضية التى تؤرقنى الآن هى انتحار الحضارات. فهناك مجتمعات متحجرة وعاجزة عن التكيف مع تطورات العصر المتلاحقة ونشوء مجتمع كوكبى قائم على التفاعل الشبكى. وكم من مجتمعات دخلت فى عداد الذكريات التاريخية، فهناك مجتمعات تهين نفسها وتفتقد الرؤية نحو المستقبل وهذا فى واقع الأمر يمثل انتحارا وفى مقدمة هذه المجتمعات العالم العربى ورغم احترامى لما يسمى بالحضارة العربية الإسلامية والتى كانت عنوانا على النهضة فى فترة تاريخية معينة لكن العودة إليها والاكتفاء بمنجزها يعد انتحارا لغياب عنصر المنافسة بين الحضارات وتكرسا لمفهوم الاستسلام.