الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

2 مليون منشأة صناعية معرضة للكوارث بسبب المفتشين والمهمات المغشوشة

2 مليون منشأة صناعية معرضة للكوارث بسبب المفتشين والمهمات المغشوشة
2 مليون منشأة صناعية معرضة للكوارث بسبب المفتشين والمهمات المغشوشة




تحقيق - مروة عمارة
على مدار الأيام الماضية وقع العديد من الحرائق فى مصانع فى مناطق مختلفة، كانت نتيجتها كوارث إنسانية واقتصادية، كما حدث فى مصنع الكارتون بالعبور، وكانت المفاجأة أن صاحب المصنع يعمل برخصة تشغيل منتهية وهو ما يعنى أن المصنع لا يخضع لرقابة الجهات المعنية، وغير مصمم طبقًا لاشتراطات السلامة المهنية والأمن الصناعى، وطبقا لتصريحات المسئولين بهيئة المجمعات العمرانية فإن المصنع غير مطابق لاشتراطات الحماية المدنية، وأنه تكرر إنذار المصنع قضائيا بالغلق فى مارس من العام الجارى بسبب مخالفته، وكان آخر هذه الكوارث مصنع النشا فى شبرا الخيمة.. وأظهرت تلك الأزمة مشكلة تعانى منها المنشآت المصرية سواء كانت صناعية أو تجارية أو خدمية، تابعة للقطاع الحكومى أو العام أو الخاص، وهى أن بعض تلك المنشآت تفتقد شروط الأمن الصناعى والسلامة المهنية وهو ما ينذر بكوارث مستقبلية لقرابة 2 مليون منشأة على مستوى الجمهورية.

يشرح محمد عبدالله، صاحب مصنع ملابس بمدينة أكتوبر رحلة أى مصنع أو ورشة فى الحصول على تراخيص الأحياء، ويقول: يذهب صاحب المنشأة إلى إدارة الدفاع المدنى التى تقوم بمعاينة المكان والنشاط المذكور وطبقا للنشاط الصناعى يقوم المهندسون  بالحى بتحديد اشتراطات الأمن الصناعى والسلامة المهنية من معدات إطفاء وجهاز تحكم واشترطات وقاية من الحرائق واشتراطات سلامة مهنية للعاملين من ملابس وأحذية ونظارات وقفازات وغيرها، وعند قيام مالك المصنع بتنفيذ هذه التوصيات والتى تتعلق  أيضًا بعدد صنابر الحرائق والطفايات وشبكة المياه بالمصنع وفتحات التهوية والسلالم ومساحة الطرقات، يحصل صاحب المصنع على رخصة التشغيل، والتى تجدد بصفة دورية بعد مرور المسئولين للتأكد من سلامة تلك التجهيزات ويتم المرور الدورى والصيانة الدورية لضمان صلاحية أجهزة الإطفاء والإنذار فى العمل.
ويضيف: «مشكلة أغلب أصحاب المنشآت الصناعية إنهم لا يهتمون بسلامة المكان أو العامل، ولا يسعون لتزويده بمهمات الامن الصناعى أو سلامة العامل الذى بحاجة لمعدات وقاية لحمايته من مخاطر العمل، وتلك الإجراءات تتم الرقابة عليها من قبل مكاتب العمل ومفتشيها».
أسباب الكوارث
« بعض أصحاب المصانع لا يهتم  أيضًا بصيانة المعدات والآلات والوصلات الكهربائية ويقوم بعمل دوريات إضافية للعمل مما يشكل ضغطا على المعدات والآلات ويؤدى لارتفاع درجات حرارة التوصيلات وبالتالى الحرائق، كذلك أزمة التخزين العشوائى، فقد يقوم صاحب المصنع بتجهيز المصنع ولا يراعى تجهيز المخزن بمعدات الإطفاء التلقائى عند درجات حرارة معينة، وربما تؤدى سجارة عامل لكوارث، كما أن اصحاب المصانع لا يقومون بتدريب العمال على استخدام وسائل الأمن الصناعى».
سوق المهمات
ويعانى سوق مستلزمات مهمات الأمن الصناعى من مشاكل وجود سلع غير مطابقة للمواصفات وبعضها يتم غشه محليا وجزء يتم تهريبه داخل البلاد، وهو ما يؤكده ياسر محمد، صاحب شركة المصرية لمهمات الأمن الصناعى، لروز اليوسف قائلا: «العميل عاوز مهمات للأمن الصناعى «منظر» ولا يريد شراء مهمات أصلية ولها ضمان وتعمل بكفاءة عالية، فكل ما يهمه هو توفير مهمات شكلية للحصول على الترخيص، ولا يهتم بجودة الوسيلة أو مصدرها أو شهادة الضمان أو خلوها من عيوب التصنيع، وللأسف يتم تمرير تلك الوسائل دون التأكد من جودتها وقدرتها على العمل».
وتابع: «لابد أن يراعى صاحب المصنع عند شراء المهمات أن تكون من شركة معروفة ولها ضمان ومعروف مصدرها، ولا يقوم بشرائها من مصدر مجهول حتى لا يفاجأ أنها مغشوشة ولا تعمل سواء كان الطفايات أو  خراطيم المياه وأجهزة الإنذار، أو الأحذية والملابس، كذلك لابد من صيانة المهمات كل فترة للتأكد من سلامة المواد الكيميائية المتواجدة داخل طفايات الحريق، وأنها لم تتأثر بالرطوبة أو تحجرت».
ونبه إلى أهمية وضع ضوابط صارمة أمام مستوردى أجهزة الحريق والأمن الصناعى  حتى لا تدخل أنواع قليلة الجودة سعياً من هؤلاء المستوردين إلى تحقيق مكاسب كبيرة، خاصة أن هناك بعض المستهلكين يقبلون على الأنواع المغشوشة لانخفاض سعرها مقارنة بالأنواع الأصلية، فهناك قرابة 17 مصنعا للمهمات وما يزيد على 3000 من التجار ومئات المصانع غير المرخصة».
وأضاف: «شارع الجمهورية بوسط البلد  ملئ  بأصحاب فرش يقومون ببيع طفايات وملابس العمال «مضروبة» ولا تتم الرقابة عليها رغم خطرها الشديد وللأسف يقع العمال وأصحاب الورش البسطاء فريسة لهؤلاء التجار».
سوق الإنترنت
هناك سوق أخر لمهمات الأمن الصناعى والسلامة المهنية عبر الإنترنت وأغلبه لمستلزمات مهربة من الخارج ومجهولة المصدر ولم تخضع لرقابة الجهات المهنية للرقابة على الصادرات والواردات، وقد تواصلنا مع مجموعة من الموردين بدعوى أن لدينا مصنعًا نريد تجهيزه بمعدات سلامة مهنية وأمن صناعى، وأكد لنا  رامى محمد، مورد، أن لديه أجهزة ومهمات إطفاء وأدوات الأمـن الصناعى والسلامة والصحة المهنية  منها (أفارولات وبدل - أحذية سفتى – جوانتيات واقية للكيماويات – جوانتيات خاصة بالتحميل والعمل – جوانتيات مقاومة للكهرباء - خوذ واقية للرأس – وحدات غسيل للعيون - خراطيم مياه الحريق – مهمات الوقاية الشخصية – وخـــلافـه)، وأنهم شركة وموردون لكبرى الماركات العالمية، وأكد أن بإمكانه  تجهيز المصنع ولا يشترط الرجوع لموافقة الدفاع المدنى لأن المعدات أصلية ومستوردة من الخارج، حسبما ذكر.
أسس السلامة المهنية
يشير المهندس نبيل أمين، خبير الأمن الصناعى، إنه لابد أن تقوم الإدارة العامة للسلامة المهنية بوزارة القوى العاملة وإدارات الدفاع المدنى بالأحياء بمتابعة أى منشأة تجارية أو صناعية أو تعليمية لمراعاة تأمين بيئة العمل بالالتزام بتوفير وسائل الوقاية من مخاطر العمل بكافة أنواعها سواء مخاطر فيزيائية أو ميكانيكية أو بيولوجية أو كيميائية.
وتابع: «لابد من إحاطة العامل بمخاطر مهنته وإلزامه باستخدام مهمات الوقاية الشخصية وتدريبه، وللأسف بعض المصانع لا تهتم  بتطبيق إجراءات السلامة المهنية التى تمنع وقوع أضرار مادية أو بشرية داخلها، وقلة المفتشين وراء عدم التفتيش بشكل دورى وصارم، وبالتالى عدم تطبيق المعايير داخل المصانع، وإصدار تقارير واتخاذ إجراءات قانونية صارمة بالنسبة للمخالفين فى تطبيقها وعدم التساهل مع المصانع المخالفة، ولهذا لابد أن تكون هناك إدارة خاصة داخل المصانع والشركات لتسهيل إجراءات الامن الصناعى والسلامة المهنية».
خبراء الأمن الصناعى
وأوضح الدكتور حسين عبد الحى، المدير السابق لمركز الأمن الصناعى، إن هناك أزمة فى إقناع العامل المصرى بأهمية مهمات السلامة المهنية، وحتى لو تواجدت يتم التعامل بإهمال مع تلك المهمات، كذلك غياب دور الدولة متمثلا فى مديريات القوى العاملة وقلة أعداد المفتشين وعدم القيام باختبار المهمات وصحتها من خلال معمل الاختبار بمركز السلامة المهنية، والذى لا يعمل حتى الآن، رغم توافر المعدات، رغم أن لدينا قرابة 2 مليون منشآة ما بين حكومية وخاص وقطاع عام، بالإضافة لقطاع المواصلات والسيارات والدستور يلزم الدولة بالحفاظ على السلامة المهنية.
ويقول المهندس هشام على، خبير الأمن الصناعى، إنه وفقا لاحكام القانون رقم12 لسنة2003 فقد تم تغليظ العقوبة لتتراوح قيمة الغرامة للمخالف ما بين1000 جنيه إلى10 آلاف جنيه، وتصل العقوبة أيضا بالإضافة إلى الغرامة إلى الحبس الوجوبى لمدة ثلاثة أشهر فى حالة المخالفة التى تؤدى إلى إصابة أو وفاة أحد العاملين وذلك وفقا لأحكام القانون الجديد أيضاـ وبالاضافة إلى ماسبق فإنه يتم الغلق الإدارى للمنشأة الصناعية إذا كان الخطر داهمًا لايتحمل انتظار إجراءات التقاضى، وهذا الغلق قد يكون جزئيا كإيقاف العمل فى أحد العنابر أو كليا بإيقاف المنشأة ككل.
القانون المنظم
يتضمن كل ما يتعلق بتأمين المنشآت والعمال وبيئة العمل وتنظيم أجهزة السلامة والصحة المهنية، كل ذلك علاوة على قرارات وزير القوى العاملة أرقام 114 و126 و134 لسنة 2003 وجميعها قوانين وقرارات تنص على وجود مركز قومى لدراسات الأمن الصناعى يختص بوضع الخطط المركزية للبحوث والدراسات فى مجال السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل، وكذلك تشكيل مجلس استشارى أعلى للسلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل، علاوة على تشكيل لجنة استشارية للسلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل برئاسة السيد المحافظ فى كل محافظة، وكل الأمور لم يتم تطبيقها» شارحا المهندس هشام عدم تطبيق قانون العمل فيما يتعلق بالسلامة المهنية والأمن الصناعى.
فوطالب «هشام» بضرورة أن تسعى كل منشأة بدراسة منع الحريق والوقاية منه بالتخلص من مسبباته، وتوفير وسائل مكافحة الحريق من أجهزة الإطفاء وشبكة مياه إطفاء الحريق بكل مكوناتها وتشكيل طاقم عالى التدريب للتعامل مع الحرائق، وتجهيز مهمات ووسائل الوقاية الشخصية للعاملين بالمشروع حسب طبيعة كل نشاط وتجهيز الإسعافات الأولية والعناية الطبية واللافتات والملصقات الخاصة بالتوعية، ولابد أن يتم اختيار مهمات الوقاية الشخصية بحيث تكون مطابقة للمواصفات العالمية حتى تقلل الأخطار التى تستخدم من أجلها لأقل حد ممكن، أى أنها يجب أن تكون فعالة فى الوقاية من المخاطر التى يتعرض لها العامل، ويجب أن تكون مناسبة للجسم ومريحة للعامل وسهلة الاستخدام.
وحول دور وزارة القوى العاملة أفاد هيثم عبد العزيز، المتحدث الإعلامى لوزارة القوى العاملة، أن الوزارة لديها قرابة 1200 مفتش للسلامة والصحة المهنية على مستوى مديريات القوى العاملة، وهو يختلف عن مفتش العمل ومدرب على التيقن من وجود مهام الامن الصناعى والتأكد من سلامتها بالمنشأة سواء عامة أو خاصة، كل مفتش لديه خطة يسير عليها ويعطى قرارات لتوفيق الأوضاع، وهناك قرابة 164 مكتبًا.
 وتابع: «الوزارة  أولت اهتماماً خاصاً بحماية بيئة العمل وتحسين شروطه وظروفه من المخاطر المختلفة سواء الكيميائية أو الطبيعية أو الحرائق والعمل على الحد من هذه المخاطر، وذلك من خلال برامجها فى تطبيق معايير السلامة والصحة المهنية التى أقرتها التشريعات والقوانين والاتفاقيات التى صدقت عليها جمهورية مصر العربية، وهو ما تقوم به الإدارة العامة للسلامة والصحة المهنية والمكاتب التابعة لها حيث من المفترض أن يقوم كل مفتش بالمرور علي25 منشأة صناعية شهريا، وهؤلاء المفتشون هم إخصائيو سلامة وصحة مهنية فى التخصصات العلمية المتنوعة من خريجى كليات العلوم والهندسة والطب، ولقد تم تدريبهم فى المعاهد العلمية المتخصصة فى مجال الصحة والسلامة المهنية».
وطبقا لتصريحات المكتب الإعلامى لوزارة القوى العاملة فقد حررت وزارة القوى العاملة والهجرة 1596 محضرا لـ868 منشأة مخالفة لاشتراطات السلامة والصحة المهنية، والحماية من الحرائق، التى قامت بها الوزارة فى محافظة القاهرة للتأكد من تطبيق تلك المنشآت لاشتراطات السلامة والصحة المهنية للحد من وقوع أية حوادث والوقاية من الحرائق.
إحصاءات
جدير بالذكر أنه طبقًا لآخر بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، أن هناك إنخفاض عدد حالات إصابات العمل بنسبة 5.3% لتبلغ 16996 حاله عام 2013 مقابل 17954 حالة عام 2012، وكشفت بيانات الجهاز أن القطاع العام/ الأعمال العام سجل أعلى نسبة لحالات إصابات العمل بنسبة 72.4%، يليها كل من القطاع الحكومى بنسبة 14.5%، والقطاع الخاص بنسبة 13.1%.
كما أقرت منظمة العمل الدولية بالقاهرة أن الوفيات الناتجة عن الإصابات أو الأمراض الناتجة عن حوادث العمل تزيد على 2.3 مليون رجل وامرأة سنويا على مستوى العالم، كما واجه أكثر من 313 مليون عامل حوادث فى مكان العمل تسببت فى إصابتهم إصابات خطيرة وفى تغيبهم عن العمل.
وتستنزف تكاليف النفقات الطبية ووقت العمل الضائع وتعويضات العمال وتعطيل الإنتاج كل عام ما يزيد على 4% من إجمالى الناتج العالمى (أى 2.8 تريليون دولار أمريكى).
وكشفت الإحصاءات أن خسائر الحرائق تعدت مليارا و200 مليون خلال الثلاثة أعوام الماضية، وهو ما أكده عبدالرؤوف قطب، رئيس الاتحاد المصرى للتأمينات، خلال تصريحات صحفية، أن قطاع التأمين تمكن من سداد عبر الثلاث سنوات الماضية ما يقرب من مليار و 200 مليون جنيه تعويضات لعملائها عن الخسائر الناتجة عن خطر الحريق.
الرقابة الصناعية
وصرح دكتور حسن عبد المجيد، رئيس هيئة المواصفات والجودة والرقابة الصناعية، أن هناك معايير قد وضعتها الهيئة للمصانع التى تصنع مهمات المن الصناعى من طفايات وملابس عزل وأحذية وغيرها من مستلزمات تأمين بيئة العمل، ولكن الهيئة لا تراقب سوى على المصانع المسجلة بهيئة التنمية الصناعية ولديها سجل صناعى، وتخضع تلك الصناعة للمواصفة رقم 5452 لمعايير مهمات الدفاع المدنى وتشمل ستة أجزاء كمتطلبات عامة للأمن الصناعى ومهمات وقاية الشخص من الايدين والوجه والجسم والرأس والجهاز التنفسى والأحكام والمراجعة للمكان بشكل العام، وكذلك الرصد وتقديم التقييم البيئى لمهمات الوقاية.
ضبطيات
وطبقا لبيانات مباحث التموين فقد تم تحرير 6 قضايا لمصانع طفايات مجهولة المصدر وخراطيم مستلزمات الأمن الصناعى، و12 قضية غش تجارى شملت 1743 طفاية مقلدة و3359 قطعة مستلزمات أمن صناعى و460 طن بودرة و2 جوال بودرة مضروبة، وكذلك عشرون طن بودرة حريق غير صالحة للاستعمال، وتم إرسال عينات إلى هيئة المواصفات والجودة عقب ضبطها للتأكد من مدى مطابقتها أو عدم مطابقتها، لتوجه تهمة الغش التجارى لصاحب المنشأة والغرامة لا تتعدى عشرة آلاف جنيه، والسجن لا يتجاوز ثلاثة أعوام، وضعف العقوبة وراء انتشار تلك الصناعات.