الإثنين 23 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الأمراض تنهش أجساد أهالى «عزبة أبو عوف»

الأمراض تنهش أجساد أهالى «عزبة أبو عوف»
الأمراض تنهش أجساد أهالى «عزبة أبو عوف»




تحقيق وتصوير: هبة حسنى

وسط أكوام القمامة والقاذورات، وبقايا الطعام والمخلفات الصلبة والزجاجات البلاستيكية والرائحة النتنة.. تعيش الفئران والقطط وبعض الزواحف جنبا إلى جنب مع قاطنى عشش عزبة أبو عوف ببورسعيد.
فوسط تلك الفوضى تجد حياة غير آدمية لبشر لم يمتلكوا رفاهية الاختيار ورمى بهم القدر والمسئولون إلى تلك «المزبلة» لتكون هى كل حياتهم، يعيشون فيها ، يستنشقون رائحتها القذرة، وينتقون منها ما يصلح من أحذية وملابس فاضت عن حاجة أصحابها فألقوا بها فى قمامتهم أو تهالكت فتخلص منها أصحابها لعدم صلاحيتها فوجد فيها أهل العزبة ضالتهم ليستروا أجسادهم عن العيون حتى وإن كان ذلك خلف الأقمشة الممزقة والأحذية المتهالكة.

العزبة مقسمة إلى جزئين يفصلهما شارع مساحته صغيرة نسبيا الأول منهما هو الملاصق للشادوف ويضم قرابة 50 أسرة يطلقون على أنفسهم الأخيار، وهم من جامعى القمامة والنباشين فى حين يوجد ما لا يقل عن 800 أسرة يقطنون الجزء الثانى على الجانب الآخر من الشارع تحديدا على الطريق الموصل للمقلب العمومى ومصنع السماد وغالبيتهم من قطاع الطرق والبلطجية وتجار الممنوعات ومثيرى الشغب كما وصفهم جامعى القمامة.
ومن داخل العزبة إلتقينا مينا نبيه بسطة - 36 بعد أن كنت أسكن فى عشش الزبالين خلف المدرسة الفندقية، وأخرجتنا المحافظة منها لتصبح فيما بعد منطقة الصفا السكنية لمن يمتلكون الأموال والواسطة، وحينما انتقلت وآخرون لم تكن هناك عشش بديلة وإنما قمنا بتجميع العشش من الصاج والأخشاب التى كنا نجدها فى محيطنا وسط تلك التلال، وتعودنا على الحياة وسط القاذورات التى أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتنا، فعملى يتطلب التواجد وسط النفايات طوال الوردية لأعود إلى عشتى وأستكمل يومى فى أحضان القمامة.
مكاوى أمين حافظ - 45 عاما – يعيش بالعزبة منذ 22 عاما يرى أن المشكلة أكبر بكثير من مجرد حياة وسط المخلفات، خاصة لكونه أبًا لفتاة و3 من الأولاد فالعزبة بلا كهرباء أو مياه نظيفة أو صرف صحى، فالكهرباء نراها من بعيد تضئ حى الزهور المقابل للعشش ولكننا لا نستطيع الاحتماء بها ليلا من المتلصصين أو الحشرات والزواحف التى تسكن معنا ولا نراها، نتركها لتتجول فى سلام وسط أمتعتنا وطعامنا الذى يتلف لتركه فى الخارج، فلا وجود للأجهزة الكهربائية نهائيا، والبعض يضطر لسرقة التيار الكهربى من أعمدة الإنارة القريبة لإضاءة لمبة تنير لهم المكان، ولا تكف لتشغيل تليفزيون صغير.
أما عن معاناة زوجاتنا وبناتنا فلا يمكن وصفها بكلمات فالفتيات يحرم عليهن الخروج من المنزل بعد المغرب، فى حين يقع عليهن حملا ثقيلا بسبب عدم وجود صرف صحى، فنستعين ببراميل نضعها فى حفرة داخل العشة بدلا من الطرنشات المبنية بالطوب ونظرا لعدم تمكن عربات الكسح من الدخول وسط العشش تقوم ربة المنزل بحمل البراميل وتفريغها وسط القمامة، وهذا هو حال ال1000 عشة و يزيد هذا الحياة سوءا بسبب الرائحة الكريهه والأمراض التى تصيبنا بها الملوثات الملاصقة.
وعن مياه الشرب يؤكد أحمد منير سيد - من أهالى العزبة - أن الشبكة التى تغذى مصنع الأسمدة بالمياه تمر أسفل العزبة، ورغم ذلك فلا وجود للمياه العذبة بالعشش لذا اضطررنا لدق ماسورة مياه نصف بوصة فى منتصف العزبة لخدمة 1000 عشة، وتتناوب الأسر على الصنبور للحصول على احتياجاتهم من المياه منها، أو الذهاب لأقرب مسجد للحصول عليها.
ومن بين الأصوات الشاكية من الأحوال السيئة التى وصلت لها تلك المنطقة العشوائية سمير الجيوشى – أحد السكان - ويؤكد أنه بفضل إهمال المسئولين داخل المحافظة تحولت عزبة أبو عوف إلى منطقة جذب للعناصر الإجرامية من الهاربين من أحكام قضائية وتجار السلاح والمخدرات بشتى أشكالها وأنواعها، وسمعنا منذ فترة عن نية الحكومة لنقل سكان العزبة، وهناك الكثير من العربجية وأصحاب العربات الكارو، والحناطير لن يجدوا مكانا لهم، مطالبا المسئولين بتخصيص مكان لتسكين الخيل فيه ويكون مؤهل بخط مياه للشرب ومكان نظيف وصحي.
وأضاف أنهم كل يوم يجدون عددًا من المواشى والخيول النافقة نتيجة المكان الموبوء ومياه الشرب الملوثة التى لم يتحملها الحيوان.
وقتها تدخلت سيدة تحمل بين يديها طفل رضيع لتقول الأمراض تحاصر أطفالنا الصغار بسبب تراكم الحشرات الضارة والفئران والثعابين التى تأتى بسبب مياه الصرف المحيطة بنا والتلوث من كل جانب، ناهيك عن الروائح الكريهة التى أصابتنا بأمراض حساسية الصدر، والأمراض الجلدية نتيجة الحرائق والتلوث الذى يحيط بنا، ووضعت سيدة مولودها فى الشارع بعد أن فشلت عربة الإسعاف فى الدخول إليها بسبب تلال القمامة، وكذلك الحال مع عربات الإطفاء او النجدة.
حملنا تلك القنبلة التى انفجرت بالفعل للمسئولين بمحافظة بورسعيد ليوضح محمد حسن –مدير وحدة تطوير العشوائيات بالمحافظة - قائلا بدأت تتشكل تلك المنطقة العشوائية فى منتصف التسعينيات إلى جوار مقابر حى الزهور، من قبل بعض النازحين من مختلف المحافظات، ومعهم القليل من أبناء بورسعيد، وأغلب سكان عزبة أبو عوف يعملون بجمع القمامة وتربية الماشية والخيل واستطرد: عدد ساكنى العزبة وصل إلى 4106 فردًا بها 1000 عشة و256 حظيرة و50 إسطبلاً، ومن المقرر نقلهم الى منطقة أخرى بالتعاون مع وزارة التطوير الحضرى بتكلفة إجمالية 135 مليون جنيها، بحيث تتكلف المرحلة الأولى 87 مليون جنيه لبناء 40 عمارة سكنية بإجمالى 933 وحدة سكنية، 48 محلاً تجاريًا، وسيتم الانتهاء منها خلال عام، أما المرحلة الثانية فهى لأصحاب المهنة وتتكلف 48 مليونًا وستضم 60 مسكن للزبالين و256 حظيرة للمواشى، ويضيف أن ذلك المشروع سيقضى على جميع المشاكل التى تهدد أهالى بورسعيد من تلك المناطق العشوائية.