الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

د.خولة حمدى: يهمنى أن تحرك رواياتى مشاعر القارئ تجاه مبادئ وقيم راقية

د.خولة حمدى: يهمنى أن تحرك رواياتى مشاعر القارئ تجاه مبادئ وقيم راقية
د.خولة حمدى: يهمنى أن تحرك رواياتى مشاعر القارئ تجاه مبادئ وقيم راقية




حوار - أحمد سميح

من بين جيل شباب الكتاب العرب تميزت أعمال الروائية التونسية الشابة الدكتورة خولة حمدى بتناولها فى رواياتها للتشابكات والتعقيدات مابين الديانات المختلفة ومابين المشاعر الإنسانية، وأيضا باهتمامها بإلقاء الضوء والكشف عن الاضطهاد والعنصرية التى يتعامل بها الغرب مع المسلمين والعرب وكيف ينظرون إليهم كإرهابيين، وذلك من واقع معايشتها ضمن الجالية العربية فى فرنسا، وهى على الرغم من سنها الصغيرة إلا أنها تكشف نضجا بالغا فى التعاطى مع القضايا والمشكلات المجتمعية.
عن رواياتها وعن رؤيتها لحال الثقافة والمثقفين كان لنا معها هذا الحوار فإلى نصه.


■ عرفينا بنفسك وعن كيفية اكتشاف موهبة الكتابة لديك؟
ــ خولة حمدي، تونسية الولادة والمنشأ، من مواليد 1984. مهندسة ودكتورة فى بحوث العمليات، زوجة وأم لطفلتين. مغتربة منذ 12 سنة.
بدأت الكتابة منذ سنّ مبكرة، فى المدرسة الابتدائية، ونما حبّ الكتابة مع تقدّمى فى الدّراسة.. بداية مع القصة القصيرة، مرورا بالشعر الحرّ، وصولا إلى الرواية التى استقرّ الشغف عليها. كتبت أول رواية فى سنّ السابعة عشر، ولم أنشرها. ثمّ بدأت الكتابة على المنتديات الإلكترونية فى سن الواحدة والعشرين.. وحين كتبت «فى قلبى أنثى عبرية»، قرّرت أنّها تستحق النشر الورقي. لكنّ حتى خطوة النشر تأخرت بضع سنوات، حيث كتبت الرواية بين مارس 2008 وسبتمبر 2010، ولم أنشرها إلا فى يوليو 2012.
■ بمن تأثرت من كتاب عرب أو أجانب؟ وهل أثرت عليك اقامتك فى فرنسا ثقافيا؟
ــ أحسبنى تأثرت فى بداياتى بأغاثا كريستى وآرثر كونان دويل، حيث كان أوّل ما كتبت رواية بوليسية.. أمّا عربيّا فقد مررت مثل معظم أبناء جيلى بشغف «رجل المستحيل» و»ملف المستقبل» للدكتور نبيل فاروق، بالإضافة إلى أعمال رمز الرواية العربية نجيب محفوظ. وقد تفطنت فى بداياتى إلى محاكاتى لأسلوب أحدهما أو كليهما، فعملت على امتداد السّنوات التى تلت إلى صقل أسلوبى الخاص وتطويره بمطالعات متعدّدة الآفاق والمشارب.
أمّا إقامتى فى فرنسا، فلا يمكن انكار تأثيرها على بناء شخصيتي، حيث كانت اغترابى فى سنوات الشباب الأولى.. وإن لم أتأثّر بشكل مباشر بالثقافة الفرنسيّة، فإنّ الاطلاع على ثقافات شعوب أخرى عايشت أفرادها على الأراضى الفرنسيّة فيه إثراء لمعارفى وتوسيع لخيالى وحواسى.
■ روايتك الأولى «فى قلبى أنثى عبرية» تحمل قدراً من التشابك مابين الديانات المختلفة ومابين المشاعر الإنسانية من حب وصداقة.. حدثينا عن ذلك؟   
ــ فى نظرى العلاقات الإنسانيّة ملازمة للنّص ولصيقة بالقضايا التى يعالجها النّصّ الرّوائيّ، وهى تمثّل جزئيّة مهمة من البناء النفسيّ للشخصيات.. لذلك فإنّها تحتلّ مكانة مرموقة فى مركز الرواية جنبا إلى جنب مع موضوع جدى مثل حوار الأديان.
فى الرواية، نتعرّف إلى ندى اليهوديّة وأحمد المسلم وقصّة حبّهما رغم اختلاف الدّيانة، ثمّ سعى كلّ منهما لشدّ الآخر فى اتجاه دينه، هنا الحبّ كان دافعا لاكتشاف دين الآخر. كما نتعرّف إلى ريما المسلمة التى جمعتها بندى صداقة عذبة وتركت بصمة لا تمحى فى حياة من عرفها رغم قصر عمرها.
■ هل تنتمى شخوص رواياتك إلى عالم الواقع أم أنها من نسج خيالك فقط؟
ـــ غالبا ما أستقى شخصيات رواياتى من شخوص حقيقيّة عرفتها أو بلغتنى سيرتها، وأعزّزها بجانب متخيّل يكمل الصورة. معظم شخصيّات فى قلبى أنثى عبرية حقيقية، وإن لم أكن قد التقيتها كلّها ولم أعاشرها.. أمّا شخصيّات غربة الياسمين فهى قريبة جدا من شخصيّات حقيقيّة عرفتها، لكنّ حبكة الرواية أو الرّابط بين الشخصيّات متخيّل تماما.
■ هل أنت مع النهايات المفتوحة للروايات أم أنك مع النهايات التقليدية أو المتوقعة؟
ـــ لست متحيّزة لنوع دون الآخر، وقد أختار نهاية تقليديّة أو مفتوحة حسب ما أراه صالحا للنصّ المعنى وقد كان خيارى مختلفا بخصوص الروايتين.
■ فى روايتك الثانية «غربة الياسمين» هناك أيضًا دور للدين ضمن أحداث الرواية.. لماذا؟
ــ فى رواية فى قلبى أنثى عبرية كان الدين حاضرا بقوّة، لكون الشخصيّات تحاول إقناع بعضها البعض بالانتقال من دين إلى آخر أمّا فى غربة الياسمين فالوضع مختلف الدين حاضر ببساطة لكونه جزءا من بناء الشخصيات ربّما يعتبر البعض أنّ الدّين شيء شخصى وحميميّ وليست الروايات الفضاء المناسب له لكنّ للدّين شئنا أم أبينا تجلّيات سلوكيّة وشكليّة تجعل الشخص مستهدفا لصلاته أو حجابه أو لحيته.
الإسلاموفوبيا أو العنصريّة تجاه المسلمين ظاهرة معروفة ومنتشرة فى فرنسا بشكل خاص، وهى من القضايا المطروحة فى النص، كذلك تهمة الإرهاب التى توجّه إلى المسلم لمجرّد التزامه الشكليّ.
■ تناولت فى رواياتك الاضطهاد والعنصرية التى يتعامل بها الغرب مع المسلمين والعرب وكيف ينظرون إليهم كإرهابيين .. حدثينا عن ذلك؟
ـــ الإرهاب كما نلحظ فى وسائل الإعلام تهمة تكاد تكون مخصّصة للمسلمين.. فحين يكون المتهم مسلما فهو إرهابي، أمّا إن كان من ديانة أخرى فهو مختلّ أو مريض نفسيّ! وإذا ما وجد مسلم فى مسرح الجريمة، فهو الأوفر حظا للاستئثار بالتهمة! وقد سلطت غربة الياسمين الضوء على هذه الظاهرة الغريبة والمؤلمة، حيث يدفع الأبرياء الثمن ويزجّ بهم فى السّجون لمجرّد الشك والاشتباه.
ويأتى القانون الفرنسيّ ضدّ الحجاب ليجسّد تلك العنصريّة بشكل محسوس، حيث يحدّ من فرص المحجّبة فى الدّراسة والعمل.. وهو جزء ممّا عانيته شخصيّا والكثيرات من صديقاتى ومعارفى فى فترة إقامتى فى فرنسا.
■ ناقشت قضية اندماج وتأثر العرب مع الغرب مابين رفض تام أو التعاطى مع الأمر بوسطية وإما بالتأثر الكامل.. كيف ترين ذلك؟
ــ الوسطيّة بغية منشودة، لا يوفّق إليها الكثيرون.. فمعظم جالياتنا العربيّة إمّا تتّبع نموذج سامى كلود فى الاندماج أو تبقى على هامش المجتمع مثل ياسمين وعمر.. أمّا التعاطى الإيجابى مع المجتمع مع المحافظة على الثوابت، فأعترف أنّه تحدّ من الصعوبة بمكان، وصاحبه معرّض إلى الميل إلى هذا الجانب أو ذاك فى مرحلة ما.
■ من واقع معايشتك وقراءتك للواقع.. كيف ترين حال الثقافة العربية حاليا وكيف ينظر إليها فى الغرب؟
ــ أتمنّى أن يجد الأدب الصميم الذى يعبّر عن مجتمعاتنا وثقافتنا العربيّة نصيبا فى التّرجمة حتّى تصل حضارتنا إلى الغرب كما هي، فمن المؤسف حقّا أن تكون معظم النّصوص المترجمة وكأنّها قد كتبت لترضى الرّجل الأبيض، لا لتعرّفه على حقيقة المجتمع والثقافة.. ممّا يبنى لدى الغرب صورة مغلوطة عن واقعنا.
■ هل ترين أن موضوع الرواية لابد وأن يوَّظف لخدمة قضية ما أم أن الإبداع للإبداع هو الهدف الأسمى؟
ــ شخصيّا يهمّنى أن تتمحور الرّواية حول قضيّة تدور الشخصيّات فى فلكها.. ويهمّنى أن تحرّك الأحداث مشاعر القارئ تجاه مبادئ وقيم راقية، وأن يخرج من الرواية بزاد روحيّ ما.. أمّا أن يكون النصّ فارغا من المعاني، مجرّد كلام بليغ مرصوص فهو ما لا أستسيغه، ناهيك عن النّصوص الهابطة التى تميت الرّوح ولا تحييها!
■ ما أكثر مايشغلك فى كتابتك للرواية من قضايا وما هو جديدك؟
ــ تهمنى قضايا الشّباب بشكل خاص، وقضايا الأمّة الإسلاميّة بشكل عام.. وكلّ ما يتعلّق بتاريخها القديم والحديث. أكتب حاليا الجزء الثانى من ثلاثيّة الغربة، وأركّز فيها على جانب آخر من حياة المغتربين لم يسلّط عليه الضوء كثيرا فى الجزء الأول ولا فى الرواية العربيّة بشكل عام.
وأشير إلى أنّ الثلاثيّة منفصلة متّصلة، بمعنى أنّ هناك رابطا بينها، دون أن تكون الأجزاء تتمّة لبعضها البعض.. كما يمكن قراءة كلّ منها بمعزل عن البقيّة دون استشعار نقص أو غموض.
■ كمثقفة تونسية أولا وكعربية ثانيا كيف تقرأين ثورات الربيع العربى والتى انطلقت شرارتها الأولى من تونس ؟
ـــ رغم الاختلافات حول موضوع الثورات العربيّة، هل حصلت أم توهّمنا أنّها حصلت، فإنّى أميل إلى التفاؤل. بغضّ النظر عن الأوضاع السّياسيّة الحاليّة التى تدعو إلى القلق وتنبئ بعدم الاستقرار، فإنّنى أعتقد أنّ الشعوب التى ذاقت طعم الحريّة ولو لفترة وجيزة، لن ترضى بالقمع مرّة أخرى ولن تتقبّل محاولات التكميم دون مقاومة. إنّما نحتاج الآن ثورة فكريّة وأخلاقيّة لترتقى الشعوب فلا يكون كلّ همّ المجتمع من الثّورة زيادة فى الرّواتب.