الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

وتتوالى المعجزات

وتتوالى المعجزات
وتتوالى المعجزات




كتب - د.محمد محيى الدين حسنين

 

يقول توفيق الحكيم فى نهاية روايته الرائعة «عودة الروح» تلك الرواية التى اعترف جمال عبدالناصر بأنها كانت ملهمة للضباط الأحرار للقيام بثورتهم عام 1952.
لقد صدق نظر الأثرى الفرنسى «أمة أتت فى فجر الإنسانية بمعجزة الأهرام لن تعجز عن الاتيان بمعجزة أخرى، أو معجزات، أمة يزعمون أنها ميتة منذ قرون، ولا يرون قلبها العظيم بارزا نحو السماء بين رمال الجيزة، لقد صنعت مصر قلبها بيدها ليعيش إلى الأبد».
ويعلق توفيق الحكيم بأن هذا الأثرى الذى يحيا فى الماضى كان يرى مستقبل مصر اكثر من أى إنسان آخر، وفى عرضه لبداية الثورة الشعبية عام 1919 يقول «ان كل فئة وطائفة كانت تحسب نفسها البادئة بالقيام، الشاعرة بالعاطفة الملتهبة الجديدة، ولم يفهم أحد آن ذاك أن هذه العاطفة انفجرت فى قلوبهم جميعا فى لحظة واحدة، كلهم أبناء مصر، لهم قلب واحد، وكانت مصر قد حبلت وحملت فى بطنها مولودا هائلا  وها هى مصر التى نامت قرونا تنهض على أقدامها فى يوم واحد أنها كانت تنتظر».
قليل هم من خارج مصر من فهم هذا الشعب وعرف عبقريته بل الكثير راهن على موته ونهايته ليفاجأ به ينتفض ويقدم معجزة تضاف إلى معجزاته وربما كانت قناة السويس الجديدة واحدة من سلسلة تلك المعجزات.
لم تكن القناة انجازا هندسيا يتم فى وقت قياسى أبهر العالم ولكنها كانت تعبيرا عن ارادة شعب صدق قلبه الواحد قيادته فأعطى بغير حدود ودفع من مدخراته وقوته المحدود تكلفة اتمام المشروع وشارك بكل همة ونشاط فى حفرها ليتحول الحلم الى حقيقة تضاف إلى سجله الحافل بالمفاجآت بل والمعجزات.
نفس هذا الشعب الذى تحدى الاستعمار وانتصر فى عام 1956 وقام ببناء السد العالى وهو الذى انتفض ضد استبداد وفساد عصر مبارك فى يناير عام 2011 وهو الذى استعاد هويته فى 2013 عندما احس انها تضيع منه.  
سلسلة المعجزات التى حققها المصريون طويلة والمكنون الحضارى لهذا الشعب راسخ ومتجذر فى نفسه ولعلنا نحاول هنا التعرف على بعضها.
أولا: كانت مصر أول دولة فى التاريخ بالمفهوم الحديث للدولة وساعدها نهر النيل على اقامة حضارة امتدت لقرون طويلة شارك فيها الجميع وتمتعوا بانجازاتها وترسخت فى وجدانهم قيم حضارية وإنسانية، أليست تلك معجزة؟
ثانيا: موقع مصر الاستراتيجى جعلها مطمعا للامبراطوريات التى تكونت فى تلك القارات بعد انهيار الأسر الفرعونية وكان علي تلك الإمبراطوريات السيطرة على مصر بصفتها مفتاح الشرق، وهكذا رآها الهكسوس والإسكندر الأكبر وأباطرة الرومان ودخلها نابليون آملا فى تحقيق حلمه الامبراطورى وتبعه الانجليز ولم تتحرر مصر ليحكمها ابناؤها إلا فى منتصف القرن الماضى.
ولو تعرضت دولة لكل هذه الاجتياحات لكانت قد انتهت جغرافيا وثقافيا منذ أمد بعيد ولكنه الشعب المصرى الذى استوعب الثقافات الغازية وهضمها وبقيت مصر بحدودها التاريخية والجغرافية قائمة تتحدى الزمن بفعل المكنون الحضارى لشعبها،اليست تلك معجزة؟
ثالثا: مع الفتح العربى عشق المصريون الإسلام وتحولوا إلى اللغة العربية طواعية وتفوقوا وأبدعوا فيهما علما وأدبا وفقها إلى يومنا هذا ومرة أخرى يستوعب الشعب المصرى الدين الإسلامى ويتعايش مع كافة الديانات الأخرى بغير تعصب أو تحزب ولم يسمح لأى فكر متطرف أن يسيطر عليه وربما لم تكن الملايين التى امتلأت بها ميادين مصر فى 30 يونيو الا تعبيرا عن هذا النسيج الواحد والمتجانس للشعب المصرى والرغبة اللامحدودة فى الحفاظ على هويته الأصيلة، أليست تلك معجزة؟
وأخيرا اليست معجزة أن يتم حفر قناة موازية لقناة السويس فى 365 يومًا بدلا من عشر سنوات أو ثلاث على الأقل وأن يتم ذلك تحت نيران الارهاب الاسود الذى يحيط بمصر من الداخل والخارج ودون أن يستدين الشعب لتمويل هذا المشروع العملاق!
وتتوالى المعجزات باذن الله ولن تكون قناة السويس هى المعجزة الأخيرة طالما بقى الشعب وحافظ على مكنونه الحضارى واشتغل على تفعيله.