الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

نهاية عصر الكهنة

نهاية عصر الكهنة
نهاية عصر الكهنة




كتب -  عاطف بشاى

 

هل ينجح الرئيس عبدالفتاح السيسي  فى تحقيق حلم غاب طويلا فى إنهاء حكم كهنة المنع والتحريم وفقهاء إقصاء دعائم الدولة المدنية لفرص قبضة دينية على الحياة الاجتماعية لتعساء يبحثون عن حقوق انسانية ضائعة وكرامة بشرية مهدرة فى ظل هيمنة ظالمة ومتعسفة لصكوك غفران ومحاكم تفتيش وإرهاب قمعى يمارسه سلاطين الكاتدرائية بغلظة وفظاظة وقسوة تحت راية دين تسامح ومحبة وغفران وسلام.
تقول الأخبار نشرتها «روز اليوسف» منذ أسبوعين إن الرئيس كلف المهندس إبراهيم محلب بتشكيل لجنة لصياغة مشروع متكامل للأحوال الشخصية للمسيحيين تضم وزيرى العدل والعدالة الانتقالية، وذلك بعد أن تفاقمت أزمة اكتشاف العوار الدستورى للقانون المزمع صدوره من قبل السلطة الدينية والذى يحتوى على تعديلات يتصور الذين صاغوها أنها تحل مشاكل «المعذبين فى الأرض» من ضحايا إلغاء لائحة (1938) الرحيمة والتى أباحت الطلاق لأسباب ثمانية، واقتصار استناد الطلاق فقط على علة الزنى وكما سبق أن أراده قداسة البابا شنودة.
والاكتشاف لا يمثل العوار الدستورى فقط، ولكن أيضا اغتصاب السلطة التشريعية والقضائية، وهى مسألة خطيرة سبق أن حذرنا منها مرارا، وناقشنا فداحة ما سوف تخلفه من أضرار جسيمة تشمل ما هو أبعد من مثالب قانون يختلف حوله أصحاب الآراء المتضاربة أو الملل المتباينة.
باختصار فإن انفراد السلطة الدينية بفرض هيمنة دينية كاملة على أمور الأحوال الشخصية يكرس بوضوح ودون مواربة لإرساء قواعد «دولة داخل الدولة» ومن هنا جاء نص القانون المقترح الذى سعت إلى نشره مجلة «روز اليوسف» والذى يشمل من مادته الأولى إلى إلغاء نظام الموثقين المنتدبين للجهات الدينية، وتسليم دفاتر التوثيق وأصولها الموجودة بالجهات الدينية إلى القاضى المختص، وبذلك يتم توثيق عقود الزواج لغير المسلمين من متحدى الطائفة والملة على النموذج المعد لذلك بمكاتب التوثيق، ويخطر على الجهات الدينية إبرام أى عقود زواج ويقتصر دور الجهات الدينية على اجراء الطقوس والصلوات لمن أرادت وحسب ما تسمح به عقيدتها، وتختص محكمة الأسرة بنظر أى نزاع ينتج عن تلك العقود، ويلغى كل ما يتعارض مع هذا القانون.
ولعل ما يجعل التعجيل بإصدار نص هذا القانون المقترح بل الحسم بإقراره وفرضه دون الانتظار لطرحه للمناقشة والتوافق حوله من قبل الجهات المختلفة المتنازعة هو أن الكنيسة فى تصورها أن التوسع فى استخدام مفهوم «الزنى» سوف يعمل على إرضاء رغبات أصحاب المشاكل فى الزواج والطلاق، هذا التصور ورطها توريطا واضحا فى الخلط المعيب  بين «السلطة الدينية» و«المفهوم الديني» فقد خانهم ذكاؤهم حينما أرادوا أن يضربوا عصفورين بحجر واحد، إرضاء للتعساء المتضررين من ناحية وعدم مخالفة نصوص الإنجيل من ناحية أخرى.
والمثال الواضح فى ذلك هو التوسع «الكوميدي» و«المتعسف» و«غير المنطقي» و«الهزلي» فى بنود الزنى الحكمي، والذى بموجبه تتحول كتيبة السلاطين من قيادات روحية إلى رؤساء دينيين يحتكرون سلطة لا يجوز لسلطة الدولة الاقتراب من حدودها أو مراجعتها، بل إنها تغتصب سلطاتها فى تحديد مصير رعاياها فى تجاوز غريب لسلطات الدولة وكأن هؤلاء الرعايا هم رعايا دولة أجنبية وليسوا مصريين أو بمعنى آخر الإعلاء من شأن «الطائفية فوق المواطنة»، إنها تعيد هؤلاء الرعايا إلى أحضانها وبين أسوارها وقد نزعت عنهم أجنحتهم وأفقدتهم حريتهم الإنسانية وحولتهم إلى كائنات ممسوخة شوهاء لا إرادة لهم، تابعون خانعون كقطيع يرضخون للوصايا القديمة، والقوالب الصماء والتعاليم الجامدة، بعد أن كانوا أثناء ثورتى يناير ويونيو قد قفزوا من فوق أسوار الكاتدرائية ليلتحموا فى الميدان بالأشقاء فى الإنسانية، الثوار الذين يحاولون تغيير وجه الوطن.
والتوسع فى الزنى الحكمى جعلهم يربطون بينه وبين هجر منزل الزوجية لمدة ثلاث سنوات أو اكثر، أى أن الزوجة مثلا التى ينشب بينها وبين زوجها طلاقا تترك فى أثره المنزل، تعتبر زانية يحق لها طلاقها بل وتسقط كل حقوقها باعتبارها ناشز سيئة السمعة كما لا يحق له أن تتزوج مرة أخرى، ويظل طلاقها وصمة عار تشملها وتشمل أولادها وعائلتها حتى الموت.
والتوسع فى الزنى الحكمى أيضا يعتبر الرسائل الإلكترونية ورسائل الهاتف المحمول والمحادثات من خلال برنامجى «فايبر» و«واتساب» وعبر مواقع التواصل الاجتماعى وعلى رأسها «فيس بوك»، أو ضبط الزوج أو الزوجة للطرف الثانى مع شخص آخر فى أماكن عامة، وفى السينما على وجه الخصوص، باعتبار السينما وكرا للعشاق وليس مكانا لارتياد جمهور يشاهد فنا بل ماخورا لارتكاب الفحشاء.
وطبعا لن يتم ذلك إلا من خلال مراقبة الزوج المخدوع لزوجته اللعوب بتحريض مسبق وتحت رعاية وتشجيع والتنسيق والتواطؤ مع الكاهن الذى يتولى بحث ملفه ولا أحد يعرف على وجه الدقة كيف سيتم هذا الضبط.
هل يصطحب الزوج المخدوع الكاهن بزيه الكهنوتى أو بعد تخفيه فى زى مدنى ويقفان على باب السينما مراقبين فى انتظار خروج الزوجة مع العشيق بعد انتهاء العرض على اعتبار أن الضبطية الجنائية تتم من خلال السلطات الدينية وليست المدنية، والكاهن المسئول عن الأحوال الشخصية يخول له أن يقوم هنا بدور ضابط المباحث ووكيل النيابة والقاضى والنائب العام ورئيس قسم محاكم التفتيش وعميد أكاديمية الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى آن واحد ؟!، ويصدر أحكامه القاطعة فى أخطر وأدق وأكثر الأمور الزوجية حساسية وتعقيدا فيتحكم بذلك وحده فى مصير آلاف من أسر البؤساء وثقيلى الأحمال الذين يتوقون إلى لحظة الخلاص أو إلى حل إنسانى يخلصهم من عذاباتهم فيواجهون بقرارات قاسية تخاصم حقوق الإنسان حيث تجبرهم على أوضاع معيشية لا يرغبونها – خاصة أن المسئول راهب لا علاقة له من قريب أو بعيد بتفاصيل الحياة الزوجية.
إن النتيجة الحتمية لمحاولات «السلطة الدينية» انتزاع السلطات التشريعية والتنفيذية للدولة، ينعكس على المجتمع إنقساما وتضاربا واشتباكا وتطاحنا ينذر أيضا بخطر جسيم يلقى بظلاله الكثيفة على الأسر المسيحية وينعكس على الكنيسة، ويعزلها عزلا عن حركة المجتمع
ومن هنا فإن ما تردد عن تدخل الرئيس السيسى فى الأمر عن طريق تشكيل اللجنة التى تضم وزيرى العدل والعدالة الاجتماعية ورئيس الوزراء يصبح أمرا حتميا فى طريق تصحيح الخطاب الدينى القبطى وإنهاء عصر سيادة الكهنة، أو ما يطلقون عليه «الرئاسة الدينية» وهو أمر لو تعلمون بالغ الأهمية والقيمة.