الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

بعد وفاة 95 وإصابة 1914 بسبب ارتفاع الحرارة: المصريون بين «الجحيم» و«الموت»

بعد وفاة 95 وإصابة 1914 بسبب ارتفاع الحرارة:                 المصريون بين «الجحيم» و«الموت»
بعد وفاة 95 وإصابة 1914 بسبب ارتفاع الحرارة: المصريون بين «الجحيم» و«الموت»




تحقيق ـ محمود مصطفى


تتضاعف أعداد الضحايا كل ساعة بسبب ارتفاع درجة الحرارة، والإصابة بالإجهاد الحرارى خاصة لكبار السن أصبحت عادة يومية، فى ظل تعرض البلاد لموجة شديدة الحرارة تزيد على 50 درجة مئوية فى الشمس، و40 درجة فى الظل طبقا لبيانات هيئة الأرصاد الجوية.
وهناك تساؤلات عديدة فرضت نفسها على الساحة خاصة بعد وفاة عدد من المرضى داخل مستشفى الخانكة للصحة النفسية واتهامات للحكومة ممثلة فى وزارة الصحة بالتقصير، وعدم تجهيز المستشفيات بشكل يمكن معه الحفاظ على المرضى.. المصريون مستاءون من الوضع الكارثى الحالى، مع تدنى الخدمات الصحية المقدمة داخل المستشفيات والوحدات الصحية للمصابين جراء الموجة الحارة.
ووفقًا لتصريحات وزارة الصحة، تسبب ارتفاع درجات الحرارة فى وفاة 95 حالة وإصابة 1914 حالة فى جميع المحافظات خلال 8 أيام، مما دعا الوزارة لرفع حالة الطوارئ فى جميع المستشفيات والوحدات الصحية على مستوى الدولة، فى ظل وجود شائعات بوجود فيروس قاتل ومعد فى المستشفيات أكد البعض أنه التهاب سحائى، والبعض الآخر على أنه حمى شوكية، فى الوقت الذى نفت فيه وزارة الصحة هذا وذاك.
ولم تكن مصر وحدها المتضررة من حرارة الجو، فهناك دول أوروبية وآسيوية واجهت الإصابات والوفيات لرعاياها بسبب ارتفاع درجة حرارة الجو، منها  «الهند» حيث ارتفعت حصيلة وفيات الموجة الحارة فيها إلى 1800 قتيل من ولايتى أندرا براديش وتيلانجانا اللتين شهدتا الأسبوع الماضى أعلى ارتفاع فى درجات الحرارة خلال الصيف منذ 12 عاما، وفى باكستان ارتفعت أعداد وفيات الموجة الحارة إلى 224 شخصا.
«روزاليوسف» قابلت مرضى تعرضوا للإصابة بالإجهاد الحرارى، ومواطنين يواجهون الأزمات بسبب حر الصيف، واستطلعت آراءهم، وقالت آمال إبراهيم - 49 سنة - أنها واحدة من ضحايا الموجة الحارة التى لم تشهدها البلاد من قبل، إذ إنها تعانى من بعض الأمراض المزمنة كالقلب والسكر والضغط، وأصيبت بالإجهاد الحرارى الحاد ونقلت على أثرها للمستشفى بعد تعرضها لحالة إغماء مفاجئة.
ولفتت إلى أنها فوجئت بحالات مماثلة لها فى قسم الطوارئ الذى شهد تكدساً ملحوظاً فى عدد المرضى، مؤكدة تدنى مستوى الخدمات الصحية المقدمة فضلاً عن بطء التعامل مع الحالات المصابة.
وعلى نفس المنوال أصيبت رئيسة سليم - 80 سنة - بالاجهاد الحرارى الذى استدعى نقلها للمستشفى ليتبين أنها تعانى من هبوط فى الدورة الدموية نتيجة الارتفاع الشديد فى درجات الحرارة، وأكدت أنها لم تشهد على مدار عمرها مثل هذه الموجة الحارة التى ألمت بالبلاد، مطالبة الحكومة بضرورة توفير كافة الأدوية المطلوبة للمصابين مجاناً داخل المستشفيات، وعدم مطالبة ذويهم بتوفيرها على نفقتهم الخاصة كما يحدث فى بعض المستشفيات المركزية والوحدات الصحية فى القرى.   
وقال ميلاد بولس - 59 سنة مدير فرع البنك الأهلى فى مركز طهطا بمحافظة سوهاج - إن درجة الحرارة تؤثر على الصحة العامة وتصيب الفرد بضغط نفسى وتوتر بدنى وذهنى ومشاكل بين العملاء والموظفين داخل أماكن العمل، وأن ذلك دعا العديد من الموظفين للحصول على إجازات من أعمالهم، وتحديدًا السيدات وذلك لرعاية أطفالهن الذين باتوا يعانون بشكل ملحوظ من درجات الحرارة المرتفعة.
وقال عماد محمد عبد المجيد - 37 سنة موظف - للأسف «مش عارف اشتغل بطاقة كافية» بسبب ارتفاع درجة الحرارة والانقطاع المستمر للكهرباء، مضيفاً أنه بسبب الارتفاع الشديد حصل على إجازة من عمله لمدة أسبوع هربا من درجة الحرارة.
وأكد أن أطفاله لم يجدوا أمامهم طريقة لترطيب الجو سوى الاستحمام المتواصل والتهوية وجلوسهم أمام أجهزة التكييف، مما تسبب فى إصابتهم بنزلات البرد الشعبية والرئوية.
والأدهى من ذلك حالة الانقطاع المتكرر للكهرباء الفترة الأخيرة، والتى تتسبب فى تعطل أجهزة التكييف ومن ثم التعرض لحالات اختناق بين الأطفال وكبار السن.
وأكد محمد عبدالمجيد - 65 سنة - أن درجات الحرارة المرتفعة تصيبه بحالة اختناق وعدم القدرة على الحركة فضلاً عن الإصابة بحالة إعياء شديدة، لذلك يلجأ إلى المياه كوسيلة فاعلة لترطيب جسده، ولكنه سرعان ما يعود لحالة التعب والإجهاد مرة أخرى.
ولم يختلف الحال كثيرا عند عبد اللاه محمد موسى - 66 سنة بالمعاش - الذى التزم بيته خشية التعرض لدرجات الحرارة، واكتفى بالنزول فقط لأداء الصلاة، مطالباً الجهات المعنية بالنظر فى انقطاع الكهرباء المتكرر.
وأوضحت الدكتورة نورهان محمد – صيدلانية - أن أدوية الإجهاد الحرارى باتت تشهد إقبالا ملحوظا من جانب المواطنين، فضلاً عن أدوية ضغط الدم والسكر نتيجة تزايد حالات غيبوبة السكر، وكذلك حالات الجلطات والصداع النصفى.
وأشارت إلى أن درجات الحرارة المرتفعة تسببت فى زيادة الإصابة بحالات الصرع، وارتفاع نسب إصابة المواليد الجدد بحالات نزيف وتشنجات عصبية، لافتة إلى أن هناك أمراضاً تنتشر فى فصل الصيف مثل الجديرى والحامونيل، وتتضاعف آثارها السلبية لدى الكبار والصغار فى هذا الجو السيئ.
ولفتت الدكتورة شيماء محمد – صيدلانية - إلى أن هناك حالات كثيرة تقصد الصيدليات لأنها تعانى من إجهاد وصداع ولكن بعد قياس الضغط ونسبة السكر نكتشف أنهم يعانون من إجهاد حرارى وهو ما يدعونا لتوجيههم إلى أقرب مستشفى حميات أو أى وحدة صحية لتلقيهم الإسعافات الصحيحة والعلاج اللازم.
واعتبر د.سمير بانوب - الخبير العالمى فى السياسات الصحية - فى تصريحات له أنه من العار أن يتوفى مرضى داخل المستشفيات بالإجهاد الحرارى، وأن درجة الحرارة فى مصر لا يجوز أن تسبب هذه كل الوفيات أو الإصابات، مطالبا وزارة الصحة بتوزيع الإرشادات الإكلينيكية لضربة الحرارة والإجهاد الحرارى والتى أصدرتها المملكة السعودية للاستخدام فى موسم الحج بإرشاد عالمى على أقسام الطوارئ بالمستشفيات العامة والخاصة، والإسعاف والعاملين به فى الجمهورية، وتجهيز بعض سيارات الإسعاف وخاصة فى المدن بأجهزة التبريد الحرارى للمصابين، مشيرا إلى أن السبب الرئيسى فى الوفيات والإصابات هو قصور أو تاخر وسائل العلاج من الإجهاد الحرارى، لذلك يجب إيجاد حلول عاجلة، مقترحا تشكيل لجنة فورية لوضع بروتوكولات العلاج ووضع الخطة الاستباقية غير الموجودة أساسا لإصلاح المنظومة الصحية بشكل عام.
من جانبه أكد د.محمد حسن خليل - رئيس لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة – على أن هناك ترديا ملحوظا فى منظومة الصحة بلغ حد الانهيار نتيجة النقص الحاد فى أعداد الكوادر الطبية والتمريضية، فضلاً عن الأجهزة الطبية والأسرة المخصصة للمرضى.
 وأكد أن الاحصاءات الرسمية الصادرة عن جهاز التعبئة والاحصاء تشير إلى أن نصيب كل ألف مواطن من الأسرة داخل المستشفيات على مستوى الجمهورية يبلغ 1.2 سرير، وهى نسبة متدنية مقارنة بالمتوسط العالمى المقدر بـ 3.8 سرير لكل ألف مواطن.
وأضاف خليل أن تلك النسبة تؤكد أن مصر فى معاناة كبيرة لعدم قدرتها على توفير الرعاية الصحية المطلوبة للمرضى، لافتاً إلى  أن الهند بحجم سكانها الهائل تمكنت من توفير 5 أسرة لكل ألف مواطن.
وأكد أن هناك نقصا واضحا فى أعداد الأطباء داخل المستشفيات على مستوى الجمهورية بنسبة 50% خاصة فى التخصصات الحرجة والعاجلة، موضحا أن تدنى أجور الأطباء والتمريض ساهم فى تفاقم الأزمة.
وهو ما تسبب أيضا فى أن النسبة المئوية لكل ألف مواطن من الأطباء فى مصر بلغت 0.7  لكل ألف مواطن مقارنة بالدول الأوروبية التى بلغت النسبة فيها 7 أطباء لكل ألف مواطن.
وأشار إلى أن النقص الملحوظ فى عدد الأطباء يعد مهزلة حقيقية وخطراً بالغا يهدد صحة المواطنين، مؤكداً أن هناك 450 وحدة صحية ريفية مغلقة لعدم توافر أطباء لتشغيلها.
وتابع: النقص امتد إلى الكوادر التمريضية فى مختلف المستشفيات على مستوى الدولة، إذ لا يوجد العدد الكافى للمستشفيات، مطالباً بحلول عاجلة لتوفير ما يزيد على 5 ممرضات لكل ألف مواطن فى الدولة كحد أدنى، مشددا على ضرورة الاهتمام بمنظومة الصحة على مستوى الجمهورية لتوفير الرعاية الصحية اللازمة للمواطنين والتمكن من مواجهة الظروف الطارئة.
ورغم اعترافه بوجود أزمة كبيرة فى المنظومة الصحية، وعدم توافر الإمكانيات اللازمة والتوعية مما تسبب فى وفاة وإصابة المئات خلال أيام قليلة من موجة الحر الحالية، إلا أن الدكتور أحمد شوشة - رئيس اللجنة القانونية عضو مجلس النقابة العامة للأطباء - ألقى بمسئولية الإصابات المتزايدة بين المواطنين على هيئة الأرصاد الجوية التى لم تلتزم بإعلانها الأرقام الحقيقة لدرجات الحرارة التى قدرها شوشة بـ 50 درجة خارج الظل.
وعلى خلفية وفاة عدد من المرضى بمستشفى الخانكة للصحة النفسية، أرسلت إدارة المستشفيات بالأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان تعليمات تم إرسالها للمستشفيات التابعة للأمانة وتختص بكيفية التعامل مع المرضى المترددين على المستشفيات والمتواجدين بالأقسام الداخلية والذين يخضعون لعلاجات نفسية مختلفة، وتتضمن إجراءات وقائية لمنع التأثر بارتفاع درجة الحرارة وسط الموجة الحارة التى تضرب البلاد حاليا، وكيفية التعامل فى حالة ارتفاع درجة الحرارة، ورفع درجة الاستعداد القصوى لمواجهة أى طوارئ، والاستعداد لتحويل الحالات بعد التعامل الأولى مباشرة لأقرب مستشفى حميات فى حالة عدم الاستجابة للإجراءات الاعتيادية لخفض الحرارة.
كما صدرت تعليمات من إدارة مكافحة العدوى بأمانة المراكز الطبية المتخصصة لجميع المستشفيات التابعة بأنه فى حالة وصول أية حالات تعانى من ارتفاع فى درجة الحرارة وفقدان للوعي، سرعة تحويلها إلى مستشفى حميات إمبابة او حميات العباسية أو أى مستشفى حميات قريبة فى المحافظة التابع لها مع ضرورة اتباع الإجراءات المنظمة لعملية التحويل نفسها من خلال سيارة الإسعاف، وعمل اللازم فى حالة الطوارئ، وإخطار إدارة مكافحة العدوى فى الأمانة العامة بذلك.
ونفت وزارة الصحة فى بيان رسمى لها تفشى الإصابة بالالتهاب السحائى الوبائى (حمى شوكية) بين المواطنين أو ڤيرس غامض أو أى نوع من أنواع التفشيات الوبائية، وأن ارتفاع معدلات الإصابة بالإجهاد الحرارى ومعدلات الوفاة خاصة بين الفئات الأكثر عرضة هى حقيقة علمية ثابتة، وتفيد التقارير الصادرة عن مركز مكافحة الأمراض بأتلانتا بأمريكا أن معدل الوفيات بضربات الشمس يصل إلى 44% من الحالات فى الفئة العمرية الأكثر من 65 سنة.
وأفاد التقرير أن التشخيص والعلاج المبكر يقلل الوفيات إلى 10% بينما قد يصل إلى 80% فى الحالات التى يتأخر فيها التشخيص والعلاج.
وشهد العديد من دول العالم ازديادا فى معدلات الوفاة بسبب تعرض مواطنيها للإجهاد الحرارى نتيجة ارتفاع درجة حرارة الجو عن معدلاتها فى أوقات معينة كفرنسا واليابان والهند وباكستان.
وعن معدل الإصابة السنوى فى مصر بالالتهاب السحائى فيتراوح بين ٢٥-٣٠ حالة سنويا، وعدد الحالات التى تم تسجيلها فى مصر بالالتهاب السحائى منذ بداية يناير ٢٠١٥ وحتى الآن لا يتجاوز ٥ حالات.
وتصنف منظمة الصحة العالمية مصر كدولة خارج الدول الإفريقية التى تعرف باسم حزام التهاب السحايا، ولا يوجد دولة فى العالم تشترط حصول مواطنيها على التطعيم ضد الالتهاب السحائى قبل السفر لمصر.
وتطعم وزارة الصحة المصرية طلبة المدارس بشكل سنوى ضد الالتهاب السحائى فى سنوات أولى حضانة وأولى  ابتدائى وأولى إعدادى  وأولى ثانوى.
وحسب منظمة الصحة العالمية فإن الالتهاب السحائى من الأمراض التى يشيع ظهورها  خلال فصلى الخريف والشتاء ونادر جدًا حدوث حالات فى فصل الصيف وتحدث بين المخالطين فى مكان واحد مثل الأسرة الواحدة.
وتقوم الفرق الطبية المتخصصة من قطاع الطب الوقائى بوزارة الصحة بزيارة المستشفيات والحالات التى ترددت على المستشفيات، وتبين أنه لا توجد عليها أعراض لأمراض وبائية سواء حمى شوكية أو غيره كما تم الاطلاع على الفحوص المعملية التى تم إجراؤها لهم وتبين عدم وجود أى دلالات تشير إلى وجود أمراض معدية لديهم وبعد تطبيق بروتوكول التعامل لحالات الاجهاد الحرارى وضربات الشمس ومن ضمنها عمل كمادات لخفض الحرارة ووضعهم فى أماكن مبردة بالتكييف تحسنت حالة المصابين الذين وصلوا للمستشفيات فى الوقت المناسب  وانخفضت درجة الحرارة لمعظم المرضى خلال ساعات قليلة.
أما ما أثير أيضاً بشأن أن الحالات التى ترددت هى لفيروس الكورونا فإن وزارة الصحة تؤكد أن فيروس الكورونا الذى ظهر فى عام 2012 وحدثت منه إصابات فى بعض دول العالم وانه فى مصر لم تحدث سوى حالة واحدة فقط  فى إبريل 2014 وكانت لشخص قادم من المملكة العربية السعودية وأن هذه الحالة هى الحالة الوحيدة التى حدثت بها الإصابة وتم علاجها وشفاؤها ولم يتم تسجيل أى حالات لأخرى.
وتؤكد وزارة الصحة المصرية أنها تقوم بتطبيق نظام ترصد فعال لاكتشاف أى حالات  وبائية أو ڤيروسية فى جميع أجزاء البلاد حاز على تقدير منظمة الصحة العالمية.
وقال د.حسام عبدالغفار - المتحدث الرسمى باسم وزارة الصحة - إن الوزارة أعلنت حالة الطوارئ فى جميع المستشفيات والوحدات الصحية منذ مطلع شهر أغسطس الجارى لمواجهة ارتفاع درجات الحرارة التى تسببت فى زيادة حالات الوفيات والإصابة بالإجهاد الحرارى، وتتابع عن كثب الخدمات المقدمة فى المستشفيات، مؤكدًا أن جميع الأطباء فى جميع المستشفيات يبذلون قصارى جهدهم لتقديم الخدمات اللازمة للمرضى والمصابين جراء تلك الموجة الحارة.
وأكد أن جميع المستشفيات توفر جميع الأدوية المطلوبة لمختلف المصابين، مطالباً المواطنين باتخاذ الحيطة والحذر وعدم تعرضهم لأشعة الشمس العمودية فى وقت الظهيرة.