الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الثورات العربية لن تقدم مشروعاً ثقافياً بعد فض بكارتها واختراق براءتها مبكراً




ليس متفائلا ببزوغ فجر ثقافى مغاير بالوطن العربى بعد موجة الثورات، التى وصفها بأنها تم اختراقها وانتهاك براءتها مبكرا، مشيرا إلى أن نفس الذين فرطوا فى فلسطين قديما.. وساهموا فى تدمير العراق بثلاث حروب مهلكة، هم أنفسهم من يستكملون تدمير باقى بلدان الوطن العربى الآن، إنه الناقد والمفكر العراقى سول محمد رسول، صاحب الرؤية الفلسفية النقدية المتمردة، التى قدمها من خلال مجموعة من المؤلفات أثرى بها المكتبة العربية والإنسانية منها: "قراءة فى العقل الميتافيزيقى الحديث"، و"المعرفة النقدية: مدخل الى نظرية المعرفة"، و"محنة الهوية: مسارات البناء وتحولات الرؤية"، و"الغرب والإسلام"، و"نقد العقل التدميري"، و"نقد العقل الإصلاحي"، وغيرها... روزاليوسف أجرت معه هذ الحوار الذى تحدث لنا فيه عن رؤيته للعقل العربي، ما قدمه وما ينتظره.
 

 
■ أين يقع كتابك "نقد العقل الإصلاحي" بين "نقد العقل الإسلامي" لمحمَّد أركون، و"نقد العقل العربي" لمحمَّد عابد الجابري، و"نقد العقل الغربي" لمطاع صفدى؟
 
- جميعنا مدين لفيلسوف ألمانيا الكبير إيمانويل كانط فى اشتغاله على نقد بنية العقل البشري، لا من حيث تقليده فيما بحثه إنما من حيث شروعه فيما أقبل عليه وهو يقلب اشتغالات العقل البشري. جميع هذه الكتب التى ذكرتها فى سؤال اشتغلت على العقل، لكنها اختلفت فى الاصطفاء، فنحن بصدد عقل إسلامي، وعقل عربى، وعقل غربي، أى نحن بإزاء ثلاث منظومات ثقافية مختلفة لكنها ذات مشترك واحد هو البحث فى كيفيات اشتغال العقل فيها.
 
ومن حسن حظى أننى قرأتُ بعض مشروعاتهم منذ قرابة ربع قرن تقريباُ يوم كانت تتبدى فى بحوث منشورة فى مجلات ودوريات، وقد عشتُ فى هذا الرَّحم النقدى المشروعاتى الذى أخذ ينبثق منذ مطلع ثمانينيات القرن العشرين، واستمر حتى رحيل الجابرى فى يوم الاثنين 3 مايو 2010، ورحيل أركون فى ليل الثلاثاء ـ الأربعاء 14 سبتمبر 2010. لكن كل ما كتبه أركون والجابرى ومطاع صفدى كان بعيداً عن العراق الحديث والمعاصر، بل وأبعد أكثر عن الفكر الإصلاحى فى العراق. وكنتُ أتحدَّث إلى الجابرى يرحمه الله عندما ألتقيه فى بغداد عن تغييبه للفكر الإصلاحى العراقى فى دراساته فكان ردَّه رحمه الله: "لا توجد مصادر فى هذا المجال"، وهو هنا محق، إلا أن ذلك لم يكن مانعاً، وفى النهاية طرقت أبواب الفكر العراقى الحديث، وبحثتُ عن نصوصه الفكرية لأجدها متوفرة، ومنشورة، لكنها غير مدروسة.
 
كتابى "نقد العقل الإصلاحي" يختلف كلياً عن كتب أركون والجابرى والصفدى كونه يشتغل فى منطقة معرفية مختلفة من حيث المكان والزمان، ومن حيث الموضوع، فهو يتناول تجارب أربعة مفكرين عراقيين؛ ثلاثة منهم انطلقوا من مرجعيات دينية، وهم: محمَّد حسين كاشف الغطاء، ومحمَّد باقر الصدر، وعبد العزيز البدري، وواحد منهم فقط انطلق من مرجعية سوسيولوجية - وضعية هو على الوردي. وإذا كانت لكتابى فضيلة ما، ففضيلتهُ أنه ارتاد حقلاً بكراً؛ فلا يوجد باحث عربى أو غربى وضع الفكر الإصلاحى العراقى فى نسق قرائى كما فعلتُ أنا بكتابى هذا.
 
■ متى ينتقل الفكر العربى من نقد الكتب والمذاهب إلى نقد الفكر نفسه؟
 
- أنا أعتقد أنه، ومنذ تجربة طه حسين "فى الأدب الجاهلي"، و"تجديد الفكر العربي" لزكى نجيب محمود، مروراً بموسوعة الجابرى "بنية العقل العربي"، وتالياً كتابى "نقد العقل الإصلاحي"، والفكر العربى يشتغل على نقد نفسه.
 
■ كيف يمكن معالجة ثنائية "التراث والحداثة" بطريقة غير تصادمية؟
 
- كلاهما لا يتقاطع مع غيره؛ فالتراث تراث، والحداثة حداثة، ومَنْ أصَّلوا التراث فى الحداثة، والحداثة فى التراث جرَّبوا نصيبهم ابتداءً من زكى نجيب محمود، وأدونيس، فحسين مروة، والطيب تيزيني، وميشيل عفلق، ومحمد عابد الجابري، وحسن حنفي، وغيرهم الكثير، قدموا رؤى فى هذا المجال، ولكن بقى التراث تراث والحداثة حداثة، وكل مشروعاتهم لم تغير شيئا سوى أنها قدمت اجتهادات وتأويلات لا غير.
 
التراث العربى يرتبط جوهرياً بالدين الإسلامي، وهو الغالب على كل قطاعات المعرفة العربية، وحتى الثقافة الدنيوية فى العالم العربى مخبوءٌ فيها الباعث الدينى ولا يمكن التحرُّر منه، وهذا المخبوء المتوارى ظاهراً ما يتقاطع مع الحداثة ذات الطابع الدنيوى الصرف أو كما يسمى العلمانى. والكيفية الحقيقية هى أن نترك التراث للتراث والحداثة لنفسها من دون البحث فى رؤية هجينة تربط بينهما لأنهما متقاطعان جوهرياً.
 
■ هل تتوقع أن تفرز ثورات الربيع العربى مشروعاً تنويرياً للأمة العربية؟
 
- إطلاقاً؛ فلقد تم فض بكارة هذه الثورات مبكراً، وتم اختراق براءتها، ولستُ سعيداً بما جرى فى العالم العربى لأن الدماء العربية باتت تراق على نحو فاحش، لقد دمرت الثورات العربية المدن العربية، اُنظر ليبيا ومآلات الخراب التى وصل إليها الشعب الليبي، اُنظر إلى مصر وحرق مكتبتها، وقتل أبنائها، اُنظر إلى ما يجرى فى سوريا والقادم أسوأ، اُنظر إلى الجوع الجديد، والقمع الجديد، والخراب الجديد الذى حاق بأمتنا التى تُهزم مراراً. كان الربيع العربى قد بدأ بالعراق منذ عام 1991 لكن صدام حسين قمع صفحة ذلك الربيع بالقتل والتجويع وهتك الأعراض... إنه ربيع عربى أسود فنحن ننتظر آلاماً أخرى تضاف إلى آلامنا.
 
نعم سينعكس كل ذلك، بل هو بدأ ينعكس، فى الوعى الثقافى العربى لكنه لن يولِّد مشروعاً تنويرياً جديداً إلا إذا تحرَّر -هذا الوعي- من سطوة قبضة أولئك المارقين الذين ما زالوا يتاجرون بالدم العربى.
 
■ فى كتابك "الغرب والإسلام" قدَّمتَ قراءات فى رؤى ما بعد الاستشراق، فكيف ترى مستقبل الاستشراق بعد رحيل إدوارد سعيد؟
 
- مستقبل واعد من حيث المبدأ، ولا تنسى أننا صرنا نعيش فى عصر الاتصالات، والمسافة بيننا وغيرنا قصيرة مكانياً ومختزلة من حيث الزمن. هذا من الناحية اللوجستية، أما من الناحية الخطابية فإن حادث الحادى عشر من سبتمبر أثر سلباً فى العلاقة بين الغرب والإسلام، وعاد الاستشراق المعاصر، من جديد، وفى غالبه، إلى النَّظرة السلبية، وهذا شيء مؤسف.
 
■ برأيك.. هل همَّشت ثورات الربيع العربى قضيتى العراق وفلسطين أم دعمتهما؟
 
- الذين أضاعوا فلسطين عندما سلموا مفاتيحها لليهود الصهاينة قبل قرن من الزمان مقابل ثمن السلطة والنفوذ والممالك، ودمروا العراق بثلاث حروب مهلكة، هم أنفسهم اليوم يدمِّرون بقية الدول العربية تباعاً. لكن الموجة الجديدة ستنال منهم. أما العراق، فإنه سيبقى منتصراً لأنه العراق رغم الدماء التى أريقت من أجساد نحو ثلاثة ملايين عراقى بين عام 1968 ـ 2012، بينما فلسطين ستبقى الجرح النازف فى جسد الأمة.
 
■ قدَّمت مؤخراً كتاب (تمثيلات المرأة فى الرواية الإماراتية)، كيف تقيِّم إسهام المرأة المبدعة فى الحركة الثقافية فى الإمارات؟
 
- يخطو بخطوات حثيثة خلال العقود الخمسة الماضية، لكنه إسهام واعد، توجد فى الإمارات عشرون روائية، ونحو خمسين كاتبة قصة قصيرة، وأكثر من ثلاثين باحثة فى المجال الأدبى. وفرص النشر والدعم كلاهما متوفر، وعلى نحو كبير، داخل الدولة، وأتوقع أن تزداد وتيرة الإبداع الروائى النسوى فى المستقبل لطالما التعليم فى الإمارات ماض بخطى طيبة رغم العوائق الموجودة.
 
للمرأة الإماراتية حضور أبداعى واضح فى كتابة القصة القصيرة، لكنه أقل وضوحاً فى الرواية، أما فى الشِّعر فالمساهمة كبيرة وواسعة، مع فارق القيمة الفنية والجمالية المختلفة من تجربة إلى أخرى.