السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

لينا شدود:الشعر يمنحنى فرصاً كثيرة للبقاء ويحمينى من التلوث

لينا شدود:الشعر يمنحنى فرصاً كثيرة للبقاء ويحمينى من التلوث
لينا شدود:الشعر يمنحنى فرصاً كثيرة للبقاء ويحمينى من التلوث




حوار - خالد بيومى

لينا شدود شاعرة ومترجمة سورية، تسير على درب التأمل فى قضايا الوجود الإنساني، وقصائدها محاولة لاستيعاب الثقافة الإنسانية بعامة وبلورتها وتحديد موقف الإنسان المعاصر منها . صدر لها ثلاث مجموعات شعرية هى : لا تش بى لسكان النوافذ «2009»  والذى فاز مناصفة بجائزة الديوان الأول لدار التكوين مع شاعر عراقي، أمكث فى الضد «2011»، لما استقبلنى الماء «2013» والذى فاز بجائزة ناجى نعمان الإبداعية، كما ترجمت كتاب «الهايكو» للشاعر الأمريكى جاك كرواك هنا حوار معها:


■ كيف ومتى ولِدت قصيدتك الأولى؟
- لا أستطيع  أن أُقدّم هنا إجابة شافية، ربما ولِدت من دون علمى أو ربما حينما تبلورت لدى حالة من عدم الرضا، أو رغبة فى قول شىءٍ ما، أو التوقف فى مكان للانطلاق فى اتجاه آخر. حالة تشبه الهبوط فى عربة والصعود إلى أخرى. لم يكن هدفى اجتراح معجزة ما ولا المواجهة مع أحد، على الأرجح هى الرغبة فى مواجهة الذات ومن ثم العالم من خلال النظر مليّاً فى المرايا المصوّبة علينا، وربما حدثت بدون مقدمات أو حينما وددتُ أن أقول لقد أُسيءَ فهمى أو أسأت فهم العالم من حولى مُتخلّصة من الخصومات والأنانية، ممتلئة بالرّحمة المشفوعة بنشوة داخلية وأنا أختبر كم تعنينى حقيقة هذا العالم، وهكذا انهدمت الجدران من حولى وصار العالم بيتي،فولِدت القصيدة.
 لا أظنُّ أنّنى أُغالى فى قول ذلك!
■ جاء ديوانكِ الرابع تحت عنوان «من قلب العالم.. من عالم بلا قلب» لماذا هذا التشاؤم حيثُ يفترض أن يبُث الشاعر الأمل فى النفوس؟
- تلك المجموعة هى الأحب بالنسبة لى لا ليس تشاؤماً أن تضعَ يدك على مكانِ الألم، هى حالة استشفاء ضرورية، أنا هنا أمدُّ يد العون لذاتى وللآخرين. طيورى الآن قادرة على التحليق وبحرية إلى مسافات غير مرئية، إذاً ما المانع من تدوين تلك التجربة كما هى!
فيها جرّبت أن أخاطب الإنسان فى قلب العالم أو العالم فى قلب الإنسان، مبتعدة عن تكرار ما اعتاد الآخرون قولهُ كى لا يصبح العالم بلا قلب. لا شيء مطلق من حولنا ولا شيء مُقدّس فى الشعر، لقد وضعوا لهُ القوانين وألبسوه الأقنعة وقرروا أن الشعر يملك الأجوبة وهذا مُضلّل. الشعر يُحرِّض على الأسئلة وبمقدوره أن يُقلق العالم بأسئلته اللانهائية. ليس الهدف اختبار ذكاء وصبر القارئ وحسب بل أن تُمكّنهُ من اكتشاف ما يمكن أن تمنحهُ طاقة الكلمات التى هى بدورها جزء من الطاقة الكونية التى تُدير شؤون هذا العالم.
■ كيف يمكن للشعر مقاومة الظلم؟
- فى الشعر نمشى ببطء ونحن نرقب العالم من حولنا فيُبقينا يقظين ويقينا من التلوث، حاثّاً إيّانا على البقاء. والمفروض أنهُ يحمينا من أى شكل من أشكال الاستعباد ويبارك ولاداتنا المُتكررة كى نزداد إنسانية. إن ما يجرى من حولنا مؤلم وغير قابل للتوصيف، والشعرُ يؤمنُ وبقوة أنّ طوفانا قريباً سيجرف كل هذا السواد وعلى الأرجح كائنات استثنائية فقط ستنجو لتبدأ من جديد، وهذه الأرض تستحق. أنا منحازة للشعر ولقدراته فى جمع الأضداد والمواءمة بين العقل والحدس، ولا يمكننى أن أراه إلا هكذا.
■ لماذا تكتبين الشعر فى زمن الرواية؟
- أكتب الشعر لأنه النمط الأدبى الأهم والأقرب بالنسبة إليّ، مجال التجريب فيه مفتوح وحر. أيضاً أحبُّ كثيراً عملية تحطيم الصور ومن ثم تجميعها وإعادة توزيعها على مقاطع أشبه بعملية البناء لبنة لبنة، الزمان والمكان فيها تابعان للنص. فيه يمكننى أن أقتصد بشدة فى اللغة أو أن أسرف فى مكان آخر وأن أمحو الحدود بين الأجناس الأدبية فأبتكر ما يحلو لى وأضع استراتيجيات تخصُّنى، هكذا فقط يمكننى أن أُغرى القارئ بإعادة القراءة مرة تلو الأخرى، وهذا يندر حدوثهُ فى الرواية. أيضاً فى الشعر كل الرحلات الخرافية التى تَنظمها طفولاتنا الكامنة مسموح ومُرحب بها. وهكذا وبما أنَّ عمق الزمن غير ملموس وغير حقيقى فى الكتابة الشعرية أتمكن وبحرية كاملة من  نقل كل ما أودُّ قولهٌ من أفكار غريبة وحيّة.
  الشعر يمنحنى فرصاً كثيرة  للبقاء.
■ برأيك هل الشعر باقٍ مهما تطورت الرواية؟
- لا شىء يمكنهُ أن يُقلّل من أهمية الشعر أو أن يُكدّر هالته، مهما أُقيمت فى دربه الحواجز إن كان من جانب دور النشر أو بسبب تناقص نسبة القراء، والاتجاه الجنونى لاعتماد الرواية بل وتوصيفها على أنها الشكل الوحيد  الأهم والقاهر للأشكال الأخرى. أؤمن أن الشعر لن يُضحى بطموحاته وسعيهِ إلى الكمال. دفاعى عن الشعر ليس عاطفياً وبعيداً عن الانفعال  الشاعر أيضاً كالروائى يعمل بانضباط ولساعات طويلة واضعاً خططاً صارمة للعمل أى يعيش حالة من الانغماس الكلى فى عمله. والمُؤذى أن بعض الشعراء قد بدأ يعتاد حالة النكران وأخشى أنهُ لم يعد ينتظر شيئاً.
■ هل أنصفكِ النقد؟
- لست مهتمة بفكرة أن يُنصفنى النقد، تركيزى دائماً مُنصبٌّ على مراقبة نصّى، على النقد أن يسعى ويكتشف الأعمال التى تستحق مقاربتها ودراستها وليس العكس، لم يحدث يوماً أن جاملت النقد أو تقرّبت منه. الشعر هو الروح، والنقد هو المادة، ولن تنجح المادة يوماً فى أن تُخضِع الروح. أيضاً ليس على الشعر أن يتخلى عن طموحاته ليرضى النقد. رأيى هنا ليس تملّصاً ولا هروباً من النقد، بل أنا كغيرى أنتظر منه أن يكون علماً أو أدباً موازياً وليس مؤاسياً أو مُمجداً أو منافقاً والحماسة النقدية الزائفة للشعر تضرُّ به وتُقدِّم له جرعة تنويمية تكون هدّامة لمن لديه طموحات شعرية حقيقية.
■ هل لديك الجرأة على حذف بعض القصائد والاحتفاظ بالقليل الجدير بالنشر؟
- نعم بالتأكيد، بل هذا هو ما أفعله تماماً بل وأجد فيه متعة حقيقية حين كتابة نصوصى، أنا حذرة تماماً فى انتقاء الكلمات التى ستمنحنى فيما بعد صوتى الخاص. أيّ كاتب هو فى حاجة ماسّة إلى أن يمتلك الحذاقة الشعرية التى تُمكّنهُ من أن يتبع نداء الكلمات المكتوبة وغير المكتوبة وأن يحذف ويشذّب ويصغى إلى ما بينها من أصوات، تلك الأصوات هى الطاقة التى تُؤسس لنصٍّ قويّ مختلف يأسر قارئه بل ويُربكهُ أحياناً. أيضاً أحذف كى لا أُنهك القارئ الذى منحنى ثقتهُ. أنتظر من الكلمات أن تستحوذ عليّ وأن تَمُسّنى كقارئة أولى للنص، وإذا لم يتحقق ذلك أقوم بالحذف غير نادمة على شيء، حتى ولو بدا النص لى مكتملاً ومغرياً.
■ ترجمتِ كتاب الهايكو للشاعر الأميركى جاك كيرواك، كيف تَنظرين إلى مستقبل قصيدة الهايكو؟ وما الفرق بينها وبين قصيدة الومضة؟
- أغلبنا تعرّف إلى قصائد الهايكو من خلال قصائد ماتسوى باشو مؤسس الهايكو، كاتب قصيدة الضفدعة الشهيرة، الهايكو هو المُعبّر الأصيل عن روح اليابان، وكل من يعتمد نمط قصيدة الهايكو كأسلوب لن ينجح إن لم يستطع تفجير تلك اللحظة الشعرية الملتصقة بروح المكان واللغة الآتية منها، فمثلاً كتب كيرواك الهايكو برؤيته الخاصة له وكما يراه، فكان بسيطاً وحراً من كل خدع الشعر والهدف كان خلق صور منعشة ورشيقة، حتى أنه قرر أن يسميه بالبوب.
«على الكرسى قررتُ أن أدعو الهايكو باسم البوب».
بينما قصيدة الومضة تعوم فى تيار آخر، كل ما أستطيع قولهُ أنها قصيدة مُكثّفة اكتملت من كلمات قليلة، ولكنها ليست الهايكو وهى مقروءة وجميلة، ونحن نظلمها بدون شك إن أصرينا على تسميتها الهايكو.