الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

النوابغ العشرة فى مصر 1914

النوابغ العشرة فى مصر 1914
النوابغ العشرة فى مصر 1914




كتب -  عاطف بشاى

 

فى أحد أعداد مجلة «الزهور» الصادرة فى عام 1914، التى كان يرأس تحريرها أنطون الجميل، اقترح على القراء أن يختاروا عشر شخصيات فى مصر يرون أنهم أشهر النوابغ، وأن يرسلوا إلى المجلة بأسمائهم مجردة من الأسباب التى بنوا عليها اختيارهم.
وجاءت نتيجة الاستفتاء كالآتى بالترتيب: أحمد بك شوقى - الشيخ على يوسف - جورجى أفندى زيدان - الدكتور يعقوب صروف - سعد باشا زغلول - خليل مطران شاعر القطرين - إسماعيل باشا صبرى (الشاعر) - مصطفى لطفى المنفلوطى (الأديب المعروف) - أحمد بك لطفى السيد (أستاذ الجيل وصاحب صيحة مصر للمصريين).
هؤلاء هم العشرة الذين أحرزوا أصواتا أكثر من سواهم، ويليهم فتحى باشا زغلول، وعبد الخالق ثروت.
كما ذكر من بين النوابغ جورج أفندى أبيض فى فن التمثيل وسمعان بك صيدناوى فى التجارة والشيخ سلامة حجازى فى الغناء والتلحين ولم ينس القراء السيدات الأدبيات مثل السيدة ملك حفنى ناصف (باحثة البادية) والآنسة مى زيادة الأديبة المعروفة.
وقد ذكر بعض الظرفاء على سبيل الفكاهة من يعدون نوابغ فى نوعهم مثل حافظ نجيب المحتال الشهير، والحاتى فى شى اللحم إلى آخره.
والملاحظ فى هذا الاستفتاء أن رجال القلم والفكر والأدب والشعر هم أرفع من سواهم فى النفوس، وأجود مكانه وأهم قيمة، وأعظم شأنا وأجل منزلة فمن هم يا ترى نوابغ هذا العصر السعيد؟!
انهم بلا شك نجوم الفضائيات سواء «الدينية» من فقهاء الكآبة وشيوخ التكفير والتحريم والتجريم والمصادرة والإقصاء والتربص وفرض الوصاية و«الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر»، الذين تحركهم ثقافة الحلال والحرام و«المرجعية العنصرية المتشددة والتى تشكل ردة حضارية ذات خطاب أصولى كريه يساهم فى القضاء على الرمق الأخير من دولة مدنية ليبرالية حديثة تمحو ظلالا كثيفة من التخلف والجاهلية تكونت عبر عقود طويلة تسعى إلى إطفاء نور الحضارة والتقدم، أو نجوم الفضائيات غير الدينية، أولئك الذين استشروا وتفشوا فى ظاهرة غير مسبوقة ويطلق عليهم نشطاء وخبراء ومحللين سياسيين وإعلاميين متلونين وينتشرون على كل الشاشات وينطبق عليهم الوصف الذى أطلقه المبدع الكبير الرحال نجيب سرور على الأدعياء من النقاد المتحذلقين الأفاقين، إنهم سحالى جبانات.
ومكمن الداء يتمثل فى انفصامهم الفكرى وثرثرتهم الجوفاء بلغة لا يفهمها العامة، كما لا يفهمها المثقفون الحقيقيون، وهم فى عملهم كالسحالى الجبانات حنجورين يشاركون السماسرة وباعة الوهم والمتاجرين بالوطن ولاعبى الثلاث ورقات، يجلسون القرفصاء أمام الميكروفونات ليبيعوا الشعارات، ويحشون كما يقول نزار قبانى أفواه الجماهير تبنا وقشا، يمدحون كالضفادع، ويشتمون كالضفادع، ويبايعون أسيادهم فى الصباح بالطبلة والربابة، ويأكلونهم فى المساء.
إنهم مهرجون ومقاولون وتجار شنطة، يستبدلون قناعا بقناع، ويتحولون فى فومتو ثانية من تيار إلى تيار ومن مذهب إلى مذهب ومن موقف إلى عكسه ويغيرون الكرافتات من استديو إلى آخر فى الفضائيات المستباحة، وهم يلتقون فى مقهى المثقفين بين فقرات البرامج ليواصلوا نضالهم العظيم فى المساجلات الفكرية، والتطاحن الجدلى «الهيجلي»، والتناجز بالألفاظ، وهم يعانون من تفاقم حالة البارانويا المرضية، ويدعون خوضهم معارك وهمية وغزوات عنترية مع الآخر، وأنهم قاب قوسين أو أدنى من المعتقل.
وأنت حينما تسألهم من هو ذلك الآخر المقصود؟!
غمز الواحد منهم لك بعينه هامسا بريبة واستنكار: معقولة؟! مش عارف؟!
إنهم يرتجلون البطولة ارتجالا، لكنهم فى حقيقة الأمر مثل قشرة البطيخ تافهون.